التحقيق حول أسطول الحرية: نتنياهو يحمّل باراك المسـؤولية ثم يتراجع
في ما يبدو أنه مسعى إسرائيلي للتبرؤ من المسؤولية عن مجزرة «اسطول الحرية»، ولإنقاذ العلاقات المتدهورة مع تركيا، افتتحت إسرائيل مساراً قضائياً استعراضياً، تجسّد في انعقاد الجلسة الاولى للجنة تيركل المكلفة تقصي حقائق ما جرى في خلال الهجوم على أسطول الحرية، ومثول رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أمامها ليعلن تحميل المسؤولية لوزير دفاعه إيهود باراك، وهو ما أثار انتقادات شديدة في إسرائيل اضطرت نتنياهو إلى «التوضيح» لاحقاً بأنه «المسؤول» كرئيس للحكومة، «سواء أكنت في البلاد أم خارجها».
تجدر الإشارة إلى أن «لجنة تيركل» الاسرائيلية، التي ولدت من دون أسنان، أجبرت حكومة نتنياهو على توسيع قوامها ومنحها صلاحيات لجنة تحقيق رسمية بالرغم من عدم تغيير تفويضها الأساسي. وقد ارتبك الأداء الحكومي الإسرائيلي حيال التحقيق في أحداث «الأسطول»، بدءاً برفضها المطلق لإنشاء لجنة تحقيق محلية، ورفضها التعاون مع لجنة تحقيق دولية، إلى قبولها بلجنة تحقيق رسمية إسرائيلية، وثم التعاون مع لجنة التحقيق الدولية. ويمكن اعتبار هذا الارتباك أحد أهم نتائج تقرير غولدستون حول جرائم الحرب في غزة، والذي عجزت إسرائيل عن تقييد مفاعيله أو مجابهته. وهذا ما حدا بحكومة نتنياهو إلى القبول بمنح أنياب للجنة محلية والاستعداد للتعاون مع اللجنة الدولية بغرض تخفيف حدة مواقفها.
وبعد ساعات قليلة من تحميله مسؤولية ما جرى في الهجوم على «أسطول الحرية» لوزير الدفاع إيهود باراك، بسبب غيابه (في كندا حينها)، أعلن نتنياهو أن المسؤولية تقع عليه. وقال، في بيان خاص، «إنني كرئيس للحكومة، أؤكد أن المسؤولية على الدوام تقع على كاهلي، سواء أكنت في إسرائيل أم خارجها، وهذا يسري على هذا الحدث».
وكان نتنياهو قد ألقى بالمسؤولية عما جرى على عاتق باراك، الذي سلم له زمام المسؤولية عن معالجة أمر سفن «أسطول الحرية» لكسر الحصار على غزة. وفي شهادته قال نتنياهو إن هيئة «السباعية» الوزارية التي بحثت أمر الأسطول التركي لم تهتم بشكل معمق بالعملية نفسها وإنما فقط بالبعد الإعلامي لها.
وأيضا صحّح ديوان رئاسة الحكومة المعلومة عن» السباعية»، حيث أشار إلى أن أعضاء هذه الهيئة صاحبة القرار في الحكومة «استعرضوا في المداولات تقريرا استخباريا من رئيس وحدة الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية، وتقريرا سياسيا من المدير العام لوزارة الخارجية. وتم التوضيح أن الخطوات السياسية الكثيرة لم تفلح على ما يبدو في منع وصول الأسطول، وأن الجيش الإسرائيلي هو من سيفرض الحصار البحري. وقد بحث وزراء السباعية بالسبل المختلفة لتقليص الثمن السياسي والإعلامي لفرض الحصار».
وفي شهادته أمام اللجنة، قال نتنياهو «لقد أبقيت تعليمات صريحة تقضي بأن المسؤول عن المعالجة هو وزير الدفاع. طلبت منه أن يركز الموضوع، وأن يراجعني والسباعية عند الضرورة». وأضاف نتنياهو أن «المستوى السياسي هو من يقرر فرض الحصار. أما طرق فرض الحصار فيقررها المستوى العسكري. هذا تقسيم المهام. لقد فحص الجيش الإسرائيلي الخيارات المختلفة وهو قام بعمله بإخلاص». وحاول نتنياهو إسناد أفراد وحدة الكوماندوس البحري الذين نفذوا المجزرة، قائلاً إن «المقاتلين عملوا بشجاعة بالضبط، وفق تعليمات المستويين السياسي والعسكري، وذلك للوصول إلى الحد الأدنى من الاحتكاك والامتناع قدر الإمكان عن المساس بالأرواح والأجساد».
وبعدما أكد نتنياهو أنه أمر بالامتناع عن المساس بالأرواح، سأله القاضي تيركل رئيس اللجنة: «أي هيئة بحثت العملية؟»، فرد نتنياهو: «لا أعلم ما تم في الأساطيل السابقة. وبحسب كل الجهات، فإن العملية كانت الملاذ الأخير، وتعليماتي لهذا السبب كانت الحد الأدنى من الاحتكاك». ولكن تيركل أصرّ عليه: «هل بحث المستوى السياسي في بدائل، أم أنه ترك الأمر أيضاً للمستوى العسكري؟»، فاكتفى نتنياهو بالرد إن «الجيش هو الذي فحص البدائل».
وسئل نتنياهو عن الموعد الذي وصلت فيه المعلومات عن الأسطول التركي، فقال إنها وصلت في نهاية نيسان، وأن الأمر يتعلق بمنظمة الإغاثة التركية (IHH) التي تدعم حركة حماس، وأن «النية كانت استفزاز إسرائيل والضغط الدولي عليها». وأضاف أنّ السفينة التركية «مرمرة» لم تكن «سفينة حب»، وأن نشطاء منظمة الإغاثة التركية لم يكونوا نشطاء سلام، لافتاً إلى أنه عندما تبين أنهم موجودون على متن «مرمرة» أدرك الكثيرون أن «جنودنا يواجهون خطراً داهماً على حياتهم وهجوماً وحشياً يتم خلاله استخدام الهراوات وقضبان الحديد والسكاكين وسلاح ناري».
وأضاف أنه «خلال شهر أيار الماضي، بذلت جهود سياسية متواصلة في وزارة الخارجية مع دول كثيرة من أجل هذه الغاية، خصوصاً الدول التي كان مواطنوها على متن السفن، أو أن السفن ستخرج من موانئها، أو ستصل إليها بعد إبحارها، بما في ذلك مصر واليونان وقبرص وإيرلندا وبريطانيا، وكذلك الأمم المتحدة، والأهم تركيا نفسها. كما أن وزير الدفاع شارك في هذه الجهود».
وأضاف نتنياهو أنه «بسبب الأهمية التي رأيتها في دور تركيا المركزي في هذا الأسطول، عمل مكتبي بشكل مباشر من أجل مساعدة الجهود الدبلوماسية مع تركيا. ولكن كلما اقترب تاريخ وصول الأسطول تبين أن المساعي السياسية لن توقفه».
وانتقد نتنياهو الحكومة التركية ومنظمي حملة «أسطول الحرية» لرفضهم إنزال المساعدة الإنسانية في مرفأ أسدود، مشيراً إلى أنّ «الحكومة التركية لم تأخذ في الاعتبار على ما يبدو أن احتكاكات يمكن أن تحدث بين الناشطين الأتراك (على السفن) وجنودنا وأن تضر بمصالحها، وتبرر تدخلاً فعالاً لدى منظمي الأسطول». وأضاف أن «رئيس الوزراء التركي (رجب طيب اردوغان) التقى في 17 أيار (الماضي) الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد والرئيس البرازيلي (لويس ايناسيو لولا دا سيلفا) من اجل إعلان مشترك حول النووي الإيراني يتناقض مع الموقف الأميركي وموقف الأعضاء الآخرين في الأمم المتحدة... وتركيا عززت بهذه الطريقة تضامنها مع إيران قبل أيام من وصول الأسطول».
وحملت أحزاب إسرائيلية عديدة على شهادة نتنياهو. واعتبر حزب كديما أن أقوال نتنياهو في اللجنة تثبت أن إسرائيل دولة من دون زعيم، لافتاً إلى أنّ «نتنياهو في لحظة الحقيقة يوزع الاتهامات على الآخرين، وفي ولايته كرئيس حكومة تم اجتياز حدود الوقاحة واللامبالاة». وأشار بيان كديما أن «نتنياهو يدهور الوضع السياسي إلى أسفل درك، ويسمح للمؤسسة الأمنية بالتحول إلى كيس ملاكمة، ويدفع مبالغ باهظة من أجل البقاء السياسي ومن ناحيته لا يتحمل المسؤولية». كما حمل على نتنياهو أعضاء متمردون من حزب العمل وأحزاب المعارضة الصغيرة.
وسيدلي باراك بشهادته اليوم، فيما سيدلي رئيس أركان الجيش الإسرائيلي غابي أشكنازي بشهادته غداً. ويتوقع أن يدلي الوزراء الإسرائيليون الأعضاء في هيئة «السباعية» لاحقاً بشهادات أمام اللجنة.
إلى ذلك، نفى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن يكون قد عقد أي اتفاقات سرية مع اسرائيل، تتضمن عدم استجواب مسؤولين عسكريين اسرائيليين للحصول على موافقتها على تشكيل لجنة دولية مستقلة للتحقيق في حادث الاعتداء الإسرائيلي على سفن «أسطول الحرية». وقال بان إنه سيلتقي أعضاء اللجنة المكونة من أربعة أفراد للمرة الأولى غداً، وانه يتوقع أن يقدموا تقريراً أولياً في منتصف شهر سبتمبر المقبل، على أن يواصلوا تحقيقهم بعد ذلك.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد