الصراع الكولومبي-الفنزويلي وهشاشة ترتيبات الدبلوماسية الوقائية
الجمل: انخفضت حدة التوترات الفنزويلية-الكولومبية مؤخراً، وعاد الهدوء مرة أخرى إلى القارة الأمريكية اللاتينية وذلك بعد أسابيع من التصعيدات المتزايدة والتي ظلت تهدد بإشعال فتيل حربٍ فنزويلية-كولومبية بما يمكن أن يعصف باستقرار القارة. ما هي خلفيات وطبيعة التوترات الفنزويلية-الكولومبية؟ وما هي معطيات الصراع الجاري حالياً؟ وما هي محفزاته على خط علاقات خط بوغوتا-كراكاس؟
* التطورات الجارية في الصراع الفنزويلي-الكولومبي: ماذا تقول المعلومات؟
شهدت قارة أمريكا اللاتينية تطوراً صعباً وصلت فيه التداعيات إلى مرحلة وضع دولتي كولومبيا وفنزويلا على حافة الحرب و في هذا الخصوص نشير إلى المواقف المتعاكسة الآتية:
- المزاعم الكولومبية: سعى نظام الرئيس الكولومبي «خوان مانويل سانتوس» إلى اتهام السلطات الفنزويلية بأنها تقوم باستضافة ورعاية الحركات المسلحة الكولومبية المعارضة (حركة القوات المسلحة الثورية الكولومبية FARC، وحركة جيش التحرير الوطني الكولومبي ELN) إضافة إلى تورط فنزويلا في تقديم الدعم لهذه الحركات لجهة شن حرب العصابات الثورية من أجل إسقاط النظام الكولومبي.
- المزاعم الفنزويلية: اتهم نظام الرئيس الفنزويلي «هوغو تشافيز» السلطات الكولومبية بأنها تسعى إلى القيام بدور القاعدة الأمريكية التي تستهدف فنزويلا، وذلك بدليل استضافة السلطات الكولومبية لحركات المعارضة الفنزويلية واستضافة سبع قواعد عسكرية أمريكية دفعةً واحدة، وتورط هذه القواعد في المزيد من عمليات شن الحرب السرية ضد فنزويلا، إضافةً إلى توفير مراكز التدريب والإمداد لحركات المعارضة الفنزويلية.
لم تكتفِ السلطات الكولومبية بتوجيه الاتهامات ضد كراكاس، وتقدمت خطوة إضافية عندما قام وزير الخارجية الكولومبي «نيكولاس مادور» باستدعاء السفير الفنزويلي في بوغوتا واستيضاحه حول الأمر. ولم تكتفِ كولومبيا بذلك، وتقدمت خطوة ثانية إضافية عندما طلبت عقد اجتماع طارئ استثنائي لمنظمة دول أمريكا الجنوبية من أجل مناقشة شكوى وتظلمات كولومبيا ضد فنزويلا، وفي هذه الأثناء تحدث الناطق الرسمي باسم الخارجية الأمريكية موجهاً المزيد من الاتهامات ضد فنزويلا، وقائلاً بأن نظام الرئيس هوغو تشافيز مازال أكثر تمادياً في عدم احترام مواثيق الأمم المتحدة ومنظمة دول أمريكا الجنوبية ومنظمة اتحاد أمم أمريكا الجنوبية وذلك بدليل قيام فنزويلا بإعطاء الدعم والملاذ الآمن للحركات الإرهابية المسلحة الكولومبية.
* رد الفعل الفنزويلي: تشافيز واستراتيجية الهروب للأمام
توقعت العديد من الأطراف الدولية والإقليمية أن يتراجع الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز أمام الضغوط الكولومبية-الأمريكية وأن يسعى باتجاه قبول المساومات وعروض التسوية الكولومبية-الأمريكية. ولكن، فاجأ الرئيس تشافيز الجميع عندما أعلن في يوم 22 تموز (يوليو) المنصرم عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع كولومبيا. هذا وقد أدى هذا التطور المفاجئ إلى الآتي:
- ترتيبات التصعيد: سعت فنزويلا إلى تعزيز نشر قواتها المسلحة على طول خط الحدود الفنزويلية-الكولومبية البالغ طولها 2200 كيلومتر تقريباً، وأعلنت الاستنفار الأقصى لقدراتها العسكرية-الأمنية-الاقتصادية-السياسية، وذلك في مواجهة الجانب الكولومبي، الذي سعى إلى إجراء الترتيبات المماثلة بالمقابل تحسباً لاحتمالات اندلاع المواجهة العسكرية. وإضافةً لذلك، سعت واشنطن إلى شن حملة إعلامية-سياسية أفضت من خلالها إلى ترسيخ مفهوم ثنائية الضحية والجلاد في أوساط الرأي العام الأمريكي والدولي وعلى وجه الخصوص الأمريكي اللاتيني بما يجعل من كولومبيا الحليفة لواشنطن بمثابة الضحية التي تقف في مواجهة خطر الجلاد الفنزويلي «هوغو تشافيز».
- ترتيبات التهدئة: سعت دول أمريكا اللاتينية إلى محاولة نزع فتيل الحرب. وفي هذا الخصوص تحرك الرئيس البوليفي «إيفو موراليس» طالباً من منظمة أمم أمريكا الجنوبية عقد اجتماع قمة طارئ من اجل تحقيق التهدئة في المنطقة.
اتجه الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز باتجاه المزيد من التصعيدات عندما سعى إلى التهديد بوقف إمدادات النفط الفنزويلي إلى الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي أدى إلى تزايد مخاوف الإدارة الأمريكية من مغبة أن يؤدي قطع إمدادات النفط الفنزويلي الى حدوث دمة نفطية في الأسواق الأمريكية التي تعاني حالياً من ضغوط الأزمة المالية الزاحفة، بما سوف يترتب عليه بالضرورة إلقاء المزيد من الأعباء المالية والاقتصادية على الأسواق الأمريكية المتهالكة بالأساس. وإضافةً لذلك، فقد تزايدت مخاوف واشنطن أكثر فأكثر من احتمالات أن يؤدي اشتعال الحرب الفنزويلية-الكولومبية إلى المزيد من الصراعات والاضطرابات في قارة أمريكا الجنوبية بما سوف يترتب عليه بالضرورة إلحاق المزيد من الأضرار بالاقتصاد الأمريكي.
* الصراع الفنزويلي-الكولومبي: إلى أين؟
نجحت الترتيبات الإقليمية التي قامت بها منظمة أمم أمريكا الجنوبية في نزع فتيل الحرب وعودة التهدئة على طول خط الحدود الفنزويلية-الكولومبية. وفي هذا الخصوص، فقد تم عقد قمة ثنائية فنزويلية-كولومبية جمعت بين الرئيس الفنزويلي تشافيز والرئيس الكولومبي سانتوس، وقد توصلت إلى صفقة تضمنت الآتي:
- تكوين لجنة مشتركة لجهة استقصاء ومعالجة المشاكل الأمنية الفنزويلية-الكولومبية.
- تكوين لجنة مشتركة لجهة إعادة العلاقات التجارية الفنزويلية-الكولومبية إلى ما كانت عليه قبل بضعة أعوام.
هذا، وعلى خلفية هذه الصفقة، قد أعلن الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز عن إعادة استئناف العلاقات الدبلوماسية الفنزويلية مع كولومبيا.
التدقيق الفاحص في بنود ترتيبات الدبلوماسية الوقائية التي قامت منظمة اتحاد أمم أمريكا الجنوبية يشير إلى الاستنتاجات الآتية:
- هشاشة بنود الصفقة، وذلك لأن كل ما تم الاتفاق عليه هو تكوين اللجان المشتركة والتي قد تنجز مهامها خلال فترة وجيزة بما يمكن أن يؤدي إلى الاتفاق المرضي على خط علاقات كراكاس-بوغوتا أو إلى الخلاف المؤدي بالضرورة إلى عودة التوترات، وإذا امتدت فترة عمل هذه اللجان لمدة طويلة فمن الممكن أن تعود الاحتقانات والتوترات مرة أخرى.
- الحركات المسلحة الكولومبية المتمركزة في فنزويلا تستطيع بكل سهولة تنفيذ المزيد من العلميات العسكرية داخل كولومبيا دون الحاجة لتحريك عناصرها المتمركزة في فنزويلا. وبكلمات أخرى، توجد العديد من العناصر الناشطة التابعة لهذه الحركات بشكل سري داخل كولومبيا. وبالتالي، في حال القيام بأي استهداف جديد، فمن الممكن أن يتيح للسلطات الكولومبية فرص تجديد الاتهامات ضد فنزويلا، وبالتالي تنهار صفقة الاتفاق الأخير.
تشير المعطيات إلى أن مفاعيل الصراع الفنزويلي-الكولمبي تتميز بجذورها العميقة الممتدة إلى الآتي:
- العوامل القومية-الاجتماعية: استطاع الزعيم «سيمون بوليفار» أن يقود الثورة البوليفارية التي انتهت بهزيمة القوات الاستعمارية الإسبانية في عام 1812م وبخروج الإسبان من المنطقة التي تشمل -كولومبيا-بنما-الأكوادور-بوليفيا-بيرو، وذلك ضمن ما أطلقت عليه آنذاك بلاد «كولومبيا الكبرى»، وحالياً، يرى القوميون الاجتماعيون ضرورة أن تسعى كولومبيا إلى فرض سيطرتها على هذه المناطق باعتبارها تمثل أرض كولومبيا الكبرى.
- العوامل المذهبية: ينتمي النظام الكولومبي إلى مذهبية الرأسمالية-الأمريكية، وقد ظلت كولومبيا حليفاً دائماً لأمريكا وإسرائيل. وفي هذا الخصوص فهناك حالة انفصام كبيرة بين النخبة السياسية الكولومبية الحاكمة ذات التوجهات الغربية-الأمريكية، والمعارضة السياسية الكولومبية ذات التوجهات اليسارية المسلحة.
أدت العوامل إلى حدوث المزيد من الاستقطابات السلبية التأثير على العلاقات الفنزويلية-الكولومبية. وعلى هذه الخلفية، فإن بوغوتا العاصمة الكولوكبية سوف تظل حليفاً رئيسياً لأمريكا وإسرائيل في القارة الأمريكية اللاتينية،/ وذلك في مواجهة كراكاس العاصمة الفنزويلية التي يقودها نظام الرئيس هوغو تشافيز الذي تنظر إليه واشنطن باعتباره يمثل أحد الخصوم الرئيسيين لمشروع الهيمنة الأمريكية في أمريكا الجنوبية والعالم، وذلك لأنه بحسب تعبير صقور الإدارة الأمريكية فإنه يمثل حليفاً لكل من: سوريا، إيران والحركات المسلحة الشرق أوسطية الساعية لدمار إسرائيل.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد