المفاضلة العامة حديث كلِّ عام
بات الحديث عن معدلات القبول في الجامعات السورية مُملاً، لكثرة ما تمَّ تداول الموضوع.. ولكن، أن يكون الموضوع حاملاً هذه الصفة، لا يعني أنه أصبح أمراً من الماضي، خاصة بعد أن هبَّت عليه هذا العام رياح التجديد.. إلا أنَّ فقدان الأمل بإحداث تغيير حقيقي في المعدلات التي طارت مع النجوم- لدرجة أصبح مجرد تذكُّرها يعني التسبُّب في كآبة لأيِّ طالب حاصل على الشهادة الثانوية- وكذلك محاولة وزارة التعليم العالي إقناع الناس بوجود تغيير جذري من خلال الإجراءات التي اتَّخذتها على صعيد تطوير التعليم العالي من وجهة نظرها..
أعادا إلى الكثير من الطلاب فكرة أنَّ الجامعة أصبحت حلماً صعب المنال.. بالتأكيد أنَّ اختبارات القبول وإحداث كليات جديدة أهم ما أعلنته التعليم العالي، وأنَّ القرارات الجديدة هي خطوة- علمياً- صحيحة، على اعتبار أنَّ أهم أهدافها- وفق ما صرَّحت به الوزارة- تلبية احتياجات السوق وتأمين فرص عمل للخرّيجين.. ولكن التكهُّن بنسب نجاح هذه القرارات مازال مبكّراً..
¶ توافق الفرع مع الرغبة
بعد صدور المفاضلة الأولى، كان إقرار وجود امتحانات اختبار لبعض الفروع هو القرار الأهم الذي أثار التباساً لدى العديد من الطلاب، على الرغم من أنَّ القرار جاء لدعم رغبات الطلاب، وفقاً لما صرَّح به الدكتور علي أبو زيد: «وزارة التعليم أقرَّت بوجود اختبارات، لأنَّ رغبة الطالب وقدراته يجب أن تتوافق مع الاختصاص الذي يدرسه».
وأضاف أبو زيد، أنَّ أسئلة الاختبارات وضعت بطريقة مدروسة من قبل متخصِّصين، وأنها كانت تشمل- بالإضافة إلى الأسئلة الاختصاصية- أسئلة عن الثقافة العامة.
وكان الدكتور غياث بركات، وزير التعليم العالي، قد بيَّن في أحد تصريحاته الآلية التي يتمُّ على أساسها قبول الطلاب في الأقسام التي تقدَّم طلابها إلى اختبارات القبول.. والآلية تتمُّ بحسب الدكتور بركات على الشكل التالي: «15% من المقاعد المخصَّصة في القسم ستتمُّ المفاضلة عليها على أساس علامة الاختصاص، إضافة إلى شرط النجاح في الاختبار. أما النسبة المتبقية من المقاعد المتاحة، وهي 85 %، فسيتمُّ القبول فيها وفق تسلسل معدل الثانوية، وللناجح في الاختبار أيضاً»...
¶ مشكلات تنتظر الطلاب على باب قاعات الاختبار
من أهم المشكلات التي صادفت الطلاب خلال تقدُّمهم إلى اختبارات القبول، عدا عن الازدحام الشديد في بعض المراكز، سوء التنظيم؛ فالعديد من الطلاب لم يجدوا مكاناً في قاعاتهم لتقديم الامتحان، كما أنَّ بعض الطلاب تاهوا عن قاعاتهم، بسبب تغيير قاعات الطلاب على موقع المفاضلة..
بعد ذلك، علمت وزارة التعليم العالي بهذه الأخطاء، فاتَّخذت مجموعة إجراءات لتداركها، تمثَّلت في السماح لجميع الطلاب المسجِّلين في الاختبارات بالدخول إلى القاعات الامتحانية، سواء كان هناك خطأ في البطاقة المعطاة للطلاب أم لم يكن، وكذلك زادت الوزارة مدة الامتحان نصف ساعة لجميع الحالات الطارئة في بداية الامتحان، ولتقديم معلومات إرشادية للطلاب..
الجانب المهم في القضية، أنَّ العديد من الطلاب اشتكوا من انتشار حالات الغش خلال اختبارات القبول، عن طريق استخدام بعض الطلاب أجهزة الهاتف النقال أثناء الإجابة عن الأسئلة، فكان تبرير الوزارة أنَّ «الجامعات قامت بواجبها باتِّخاذ الإجراءات المناسبة دون أن تبلغ الوزارة بآيِّ شيء حول هذا الموضوع».
وبعد المرور الكريم على حالات الغش التي انتشرت في قاعات الاختبار، لا يسعنا إلا أن نقول: «برافو» لكلِّ من غشَّ وانتهى الأمر بخلاصه من العقاب لمجرد أنَّ الوزارة مقتنعة بعكس ذلك.
ومن بين ثغرات اختبارات القبول، تحديد مسابقتي العمارة والإعلام في وقت واحد، وبذلك يتوجَّب على الطلاب الراغبين في التقدُّم إلى اختبار الكليتين، الاختيار بينهما، لأنَّ الوزارة حدَّدت اختبارهما في ذات الوقت. وفي هذا الشأن بيَّنت الوزارة أنَّ الواقع المنطقي والعلمي لا يجمع بين الرغبة في الهندسة المعمارية بمتطلباتها المهارية والموهبة، وبين موهبة الإعلام ومتطلباته المهارية والعلمية.. وعن ذلك قال الدكتور علي أبو زيد، معاون وزير التعليم العالي، بأنَّ نسبة الطلاب الذين يجمعون بين رغبة الإعلام والعمارة قليلة جداً، و لا تكاد تُذكر، وأنه بناءً على ذلك، فإنَّ وزارة التعليم العالي اختارت المصلحة العامة التي تقتضي التوحيد بين وقت المسابقتين.
وبالطبع يحقُّ للدكتور أبو زيد أن يقرِّر أنه من الصعب أن يرغب الطالب في التقدُّم إلى مسابقتي العمارة والإعلام، ولكن ما لا يحقُّ لأحد أن يقرِّره هو مدى صحة هذا التكهُّن وقبوله من الطلاب.
¶كفّة المعدلات ترتفع في العلمي وتنخفض في الفروع الأدبية
الدكتور علي أبو زيد، بيَّن سابقاً أنَّ وزارة التعليم تتبع في هذا العام قاعدة تناسب عدد الطلاب مع الأستاذ، مشيراً إلى أنَّ تطبيق هذه القاعدة سيؤدِّي إلى زيادة عدد الطلاب في الفروع العلمية، نظراً إلى كون نسبة الطلاب إلى الأستاذة في الكليات العلمية السورية هي أقل من النسب العالمية. إلا أنَّ ما لاحظناه بعد إعلان المفاضلة، أنَّ معدلات الفروع العلمية قد ارتفعت. وعن أسباب هذا الارتفاع، قالت مديرة شؤون الطلاب، هيام بشارة: «عدد الطلاب الذين حقَّقوا معدلات النجاح العليا بين 220 - 240 مرتفعة في هذا العام، فشريحة هؤلاء الطلاب زادت على الماضي حوالي 900 طالب، وهذا هو السبب الأساس لارتفاع المعدلات. أما النسب المحدَّدة من قبل الجامعات والمجالس المختصّة أخذت كما هي»..
¶ قرارات ميَّزت مفاضلة هذا العام
تمَّ الإعلان عن مفاضلة خاصة بالثانويات المهنية، وكان أهم ما يميِّزها قبول الطلاب الحاصلين على هذه الثانويات لأول مرة في المعاهد التقنية التابعة للجامعات ومعاهد الوزارة. كما بيَّنت بشارة، مديرة شؤون الطلاب، أنَّ هذه المفاضلة تتَّسم بتعدُّد أنواع اختصاصات شهادات الثانويات المهنية للتقدُّم إلى مفاضلة الثانويات المهنية للقبول في المعاهد المعلنة، ما يتيح فرصة أكبر للطلاب.. ودعت بشارة حملةَ الشهادات الثانوية المهنية إلى التقدُّم لمفاضلات الثانويات المهنية ابتداءً من تاريخ 28 الشهر الحالي حتى 2 إيلول، مشيرة إلى أنه خلال هذا العام سيتمُّ استيعاب عدد أكبر من الطلاب. كما تضمَّن إعلان المفاضلة اختصاصات وإحداثات جديدة، نتيجة لتطبيق المراسيم التشريعية القاضية بإحداث وافتتاح 9 كليات هذا العام ترتبط اختصاصاتها بالاحتياجات المجتمعية، مثل اختصاص الهندسة الميكانيكية والكهربائية في دير الزور بجامعة الفرات، وافتتاح اختصاص جديد وقسم في كلية العلوم يُعنى بالصناعات النفطية والغازية، إضافة إلى إحداث معاهد تلبِّي الاحتياجات التنموية للعديد من المناطق، وتعديل المناهج والاختصاصات والتسميات لمعاهد أخرى. وتمَّت بعض الإحداثات الجديدة للمعاهد؛ كالمعهد التقني للعلوم التقنية والمصرفية، ومعهد التقانة لشؤون البادية والتصحر، والتقاني للتنمية المستدامة للمناطق الجافة، والتقاني للخدمات الطبية الطارئة، والتقاني للصناعات الغذائية، إضافة إلى الأقسام الجديدة المفتتحة؛ كقسم الري الحديث في المعهد الزراعي، وقسم زينة وحدائق وأشجار مثمرة والتقانة للزراعات المتوسطية، لتحقيق ربط بين متطلبات سوق العمل والمجتمع.
- بلغ عدد الطلاب الذين تقدَّموا إلى المفاضلة العامة 116195 طالباً وطالبة، منهم 51472 من الناجحين في الثانوية العامة في الفرع العلمي، و64723 للفرع الأدبي، فيما بلغت نسبة غير المسجّلين في المفاضلة 27 في المئة من عدد الناجحين في امتحانات الشهادة الثانوية.
27 % لم يتقدَّموا إلى المفاضلة
بحسب أرقام وزارة التعليم العالي، فإنَّ 27 % من الناجحين في الشهادة الثانوية لم يتقدَّموا إلى المفاضلة، وهذا ما أكَّدته هيام بشارة، وفي محاولة لتفسير هذا الرقم قالت إنه لا يمكننا الجزم بأنَّ عدم تقدُّم أولئك الطلاب إلى المفاضلة بسبب قرار حرمان الطالب من التقدم للمفاضلة إلا لمرة واحدة فقط، إنما وبحسب بشارة هناك أسباب أخرى إضافية تتعلَّق برغبة الطالب نفسه، مبيِّنةً أنَّ وزارة التعليم العالي تمنح الطالب فرصة مجانية واحدة في نفس العام الذي حصلوا فيه على الشهادة الثانوية.
فإذا افترضنا أنَّ الطالب يملك حرية الاختيار فعلاً فيما إذا أراد التقدم إلى المفاضلة أم لا، فنحن متأكِّدون عندئذ أنه لن يوفِّر فرصة في محاولة حجز مقعد له في الجامعة على أمل ألا تحلّق المعدلات في السماء، وإذا ذهبنا بأحلامنا إلى أبعد من ذلك، واعتبرنا أو صدَّقنا أنَّ مَن لم يتقدَّم إلى المفاضلة إنما فعل ذلك بناء على رغبته الشخصية فقط، فعلينا أن نفرح ونقتنع بأنَّ طلابنا وشبابنا بخير على اعتبار أنهم باتوا يملكون حرية الاختيار بالتقدم إلى المفاضلة أم عدمه. وتصبح عندها مقولة أنَّ وزارتي التعليم العالي والتربية هما المسؤولتان عن تثبيط همم الشباب الراغبين في نيل شهادة جامعية، ضرباً من الهراء.. فإليهما يرجع الفضل في تحقيق أحلامنا وأحلام أولادنا وشبابنا..
لودي علي
المصدر: بلدنا
إضافة تعليق جديد