لعبة الحرب ضد الإرهاب في الصحراء الغربية: الخلفيات والمعطيات
الجمل: تحدثت التقارير الجارية عن المواجهات العسكرية المسلحة التي استهدفت عناصر تنظيم القاعدة المتمركزين في مناطق غرب الصحراء الكبرى، وتحديداً في المناطق المتاخمة لنقطة التقاء حدود موريتانيا-الجزائر-مالي: فلماذا تنظيم القاعدة في هذا الوقت وهذا المكان؟ ولماذا قيام القوات الموريتانية بالمهمة دون غيرها علماً بأن معظم عناصر القاعدة في هذه المنطقة من الجزائريين ومنطقة التمركز هي أراضي دولة مالي أما المخطوفين فهم من الرعايا الفرنسيين؟
* مواجهات مسرح غرب الصحراء الكبرى: ماذا تقول المعلومات؟
تقول المعلومات بأن عناصر تنظيم القاعدة قد نجحوا يوم الخميس الماضي في تنفيذ عملية اختطاف مجموعة مكونة من 7 أشخاص (خمسة فرنسيون وأفريقيان) في نيامي عاصمة دولة النيجر، وتم تحويل الرهائن عبر الحدود حيث تم احتجازهم في جمهورية مالي المجاورة للنيجر والجزائر وموريتانيا.
أعقبت عملية الخطف تحركان عسكريان:
- تحركت القوات الموريتانية واتجهت شرقاً حيث تغلغلت في مناطق غرب جمهورية مالي، ودخلت في مواجهات مع بعض عناصر تنظيم القاعدة في المنطقة.
- تحركت السلطات الفرنسية وأرسلت نحو 80 جندياً و بعض طائرات الهيلوكبتر التابعة للقوات الفرنسية للعاصمة النيجرية نيامي حيث أقامت قاعدة عسكرية فرنسية مؤقتة لجهة إدارة أزمة خطف الرهائن.
اللافت للنظر في هذه المواجهات تمثل في الآتي:
• أعلنت السلطات الموريتانية بأن عمليتها العسكرية لا تهدف إلى تحرير الرهائن وإنما تهدف لجهة تنفيذ عملية عسكرية استباقية ضد تنظيم القاعدة.
• أعلنت السلطات الفرنسية بأن عمليتها العسكرية لا تهدف إلى الدخول في أي مواجهات مسلحة، وإنما حصراً لجهة الاستطلاع وجمع المعلومات التي تفيد لجهة تحديد مكان احتجاز الرهائن.
أثارت المواجهات المسلحة التي قامت بها القوات الموريتانية العديد من التساؤلات خاصة وأن القوات الجزائرية المعنية بشكل رئيسي بمواجهة القاعدة في المنطقة وأيضاً القوات المغربية الحليف الرئيسي لمحور واشنطن-تل أبيب، لم تحركا ساكناً. أما التحركات الاستطلاعية التي زعمت فرنسا بأن قواتها تقوم بها بالانطلاق من نيامي عاصمة النيجر، فقد أثارت المزيد من الشكوك والتساؤلات المريبة حول أسباب حيوية باريس المصحوبة ببرودة واشنطن؟
* لعبة الحرب ضد الإرهاب في الصحراء الغربية: الخلفيات والمعطيات
تعتبر المملكة المغربية بمثابة الحليف الرئيس للولايات المتحدة الأمريكية في منطقة المغرب العربي، أما تونس، فقد ظلت تسعى لجهة القيام بدور الحليف الرئيس لفرنسا في المنطقة، وبالنسبة للجزائر، وإن كانت ترتبط بعلاقات وثيقة مع فرنسا، فإن النخبة الحاكمة الجزائرية ظلت أكثر اهتماماً لجهة السعي من أجل تعزيز الروابط مع أمريكا، وبالنسبة لموريتانيا، فقد ظلت أكثر تأرجحاً بين نخبة عربية-إسلامية ونخبة فرنسية ونخبة تسعى إلى بناء الروابط مع أمريكا وإسرائيل.
تصاعد نفوذ الصراع الجزائري الداخلي بين الإسلاميين بقيادة جبهة الإنقاذ الإسلامي الجزائري (التي يقودها عباس مدني وعلي بلحاج) والقوى العلمانية التي تقودها جبهة التحرير الوطني الجزائري، وعندما تبين أن جبهة الإنقاذ الإسلامي الجزائري على وشك الفوز بنتائج انتخابات مطلع تسعينات القرن الماضي، فقد سارع الجيش الجزائري للانقلاب على الحكومة منفذاً انقلاب قصر، أتاح تدخل الأجهزة الأمنية بما أدى إلى تمديد فترة سيطرة جبهة التحرير الوطني الجزائري.
في مجرى عملية المقاومة الإسلامية ضد الحكومة الجزائرية انقسم التيار الإسلامي إلى مجموعة أقرت ضرورة المقاومة بالوسائل السياسية، ومجموعة أخرى أقرت ضرورة المقاومة بالوسائل العسكرية، الأمر الذي أدى إلى ظهور ما عُرف بالجماعات السلفية للجهاد والدعوة، والتي تحولت لاحقاً إلى تنظيم القاعدة في المغرب.
أما بالنسبة لتونس، فقد حدثت مواجهات بين الحركة الإسلامية التي يتزعمها راشد الغنوشي في مطلع تسعينات القرن الماضي، وانتهت بنجاح نظام الرئيس التونسي زين العابدين بن علي في احتواء الحركة الإسلامية التونسية، وبخروج الزعيم الإسلامي التونسي راشد الغنوشي إلى المنفى في العاصمة البريطانية لندن، فقد انقسم أنصاره إلى قسمين أحدهما اختار البقاء داخل تونس، والآخر تمثل في المتشددين الذين التحقوا في نهاية الأمر بالجماعة السلفية للجهاد والدعوة.ونفس الشيء بالنسبة للحركة الإسلامية في المغرب، وأيضاً في موريتانيا، حيث اختارت العناصر المتشددة الانضمام للجماعة السلفية للجهاد والدعوة، والتي تحولت لاحقاً إلى تنظيم القاعدة في المغرب العربي.
أدت الضغوط العسكرية-الأمنية المكثفة إلى دفع عناصر تنظيم القاعدة في المغرب العربي إلى التمركز في المناطق الصحراوية النائية الواقعة في جنوب الجزائر وشرق موريتانيا وشمال دولتي مالي والنيجر.
سعى محور واشنطن-تل أبيب لجهة إدماج منطقة المغرب العربي ضمن مشروع الحرب ضد الإرهاب، وفي هذا الخصوص استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية إقناع دول المنطقة: المغرب، الجزائر، موريتانيا، مالي، النيجر وتونس إضافة إلى بعض دول غرب أفريقيا الأخرى لجهة الانضمام ضمن ما أطلقت عليه أمريكا تسمية مبادرة عبر الصحراء لمكافحة الإرهاب، وإضافة لذلك، سارعت واشنطن لجهة ضم حلف الناتو وإسرائيل لجهة المشاركة في المناورات والتدريبات المشتركة مع دول مبادرة عبر الصحراء.
تقول المعلومات والتقارير، بأن فرنسا قد سارعت خلال فترة الرئيس جاك شيراك إلى المشاركة وتقديم الدعم لمبادرة عبر الصحراء، ولكن لاحقاً بدأت باريس أكثر تردداً إزاء المضي قدماً في فعاليات هذه المبادرة، وذلك بسبب إدراك باريس الواضح إلى أن واشنطن ومعها إسرائيل تسعيان من أجل فرض النفوذ والهيمنة على بلدان المغرب العربي وبلدان غرب أفريقيا، والتي تعتبرها باريس المجال الحيوي الأكثر أهمية لمستقبل النفوذ الفرنسي.
* هل بدأت الحرب الباردة الفرنسية-الأمريكية؟
ظلت منطقة المغرب العربي ومنطقة غرب أفريقيا إضافة إلى معظم منطقة وسط أفريقيا تشكل العمود الفقري لما عرف منظمة الدول الفرانكفونية، والتي ظلت تعمل كمظلة جيو-سياسية للنفوذ الفرنسي على القارة الأفريقية، ولاحقاً حدثت التطورات الآتية خلال الفترة التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفييتي:
• سارعت الولايات المتحدة إلى تعزيز نفوذها في البلدان الأفريقية التي كانت خاضعة للنفوذ البريطاني.
• سارعت الولايات المتحدة إلى منافسة فرنسا، عن طريق إقناع باريس بضرورة التعاون المشترك، وبالفعل فقد دخلت واشنطن في روابط مع الدول التي كانت واقعة تحت النفوذ الفرنسي، مثل الجزائر، تونس، النيجر، مالي، جيبوتي وتشاد.
حدثت بعض التطورات الجديدة، فقد سارعت واشنطن إلى دعم خصوم فرنسا السياسيين في العديد من دول الفرانكفونية بما أدى إلى إضعاف موقف القوى السياسية الحليفة لفرنسا، وظهور قوى سياسية جديدة موالية لأمريكا ومرتبطة بإسرائيل. ثم سعت أمريكا بالتعاون مع إسرائيل لجهة تدبير الانقلابات العسكرية كما حدث في دولة مالي الغنية باليورانيوم، بما أدى إلى إلحاق المزيد من الأضرار بأنشطة شركة أريفا الفرنسية المختصة باستخراج اليورانيوم والتكنولوجيا النووية.
تقول بعض الشكوك، بأن عملية اختطاف الرهائن، قد تم تدبيرها مسبقاً بواسطة المخابرات الفرنسية وتحديداً عن طريق بعض عناصر تنظيم القاعدة في المغرب العربي المخترق بواسطة المخابرات الفرنسية، وفي هذا الخصوص، فإن العملية العسكرية الموريتانية قد جاءت بالتزامن والتنسيق مع العملية الاستطلاعية العسكرية الفرنسية، وذلك بما يتيح إفساح المجال أمام فرنسا لجهة الانخراط في علاقات تعاون عسكري-مخابراتي مع بعض دول المغرب العربي، وهذه المرة باستخدام النافذة الموريتانية بدلاً عن البوابة المغربية المخترقة بواسطة أجهزة محور واشنطن-تل أبيب.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
التعليقات
صناعة الإرهاب لنهب الثروات واحتلال البلاد
إضافة تعليق جديد