حجارة الأجداد رواية من داخل الأتون الأفريقي
حجارة الأجداد رواية أولى للكاتبة السيراليونية أميناتا فورنا التي تستوحي فيها أجدادها الأفارقة، لترسم من خلال ذلك صورة عن تحولات المجتمع الأفريقي من عصر الكولونيالية وحتى عصور الاستقلال والحروب الأهلية.
الرواية التي تعرف اليوم نجاحا كبيرا في البلدان الأنغلوساكسونية ، تخبر الكثير عن هذه الكاتبة التي ولدت العام 1964 من أم اسكتلندية وأب سيراليوني. هنا مقالة معدة عن مجلة الكورييه انترناسيونال التي عرضت للكتاب.
على الغلاف الأخير من كتاب حجارة الأجداد نقرأ أن هذه الرواية هي قصة أفريقيا في القرن العشرين وقد رُويت عبر حياة نساء أربع . قد يبدو الأمر سخيفا بعض الشيء، كما لو كنّا نعتبر مثلا أن حكاية تدور أحداثها في اسكتلندا، تمثل في واقع الأمر قصة أوروبا. فأفريقيا قارة شاسعة، على كثير من التعقيد وهي متنوعة بشكل كبير لا يمكن تصديقه، ومع ذلك، نجد دائما ربما لتسهيل الأمر علينا أنها قارة متناسقة في ما بينها، تمتلك بلدانها العديد من الصفات المتشابهة لتجعل منها وحدة متكاملة. فمن لا يعرف أفريقيا حقا إلا من خلال صور الفقر والفساد والحروب المتنوعة التي تجتاحها والتي تأتينا عبر وسائل الإعلام، نحن اليوم أمام رواية طموحة، مكتوبة من داخل هذا الأتون الكبير. رواية تمتد على مساحة هذا المجتمع المحدد بشكل كبير.
رواية، تدور في مكان متخيل ، روائي، من أفريقيا الغربية يشبه بشكل كبير سيراليون ، وتتألف من حكايات متعاقبة ترويها أربع نساء ينتمين إلى عائلة خليفة. أربع نساء أخوات غير شقيقات يحملن الأسماء التالية: أسانا، ماري، حوا، ساره، وهن جميعا بنات الفاحش الثراء البطريرك جبريل، (من زوجات متعددات) الذي وافته المنية عن عمر تجاوز المئة عام، وعن 11 زوجة تركهن وراءه.
كانت أسانا، كبيرة أخوتها وابنة نامينا زوجة جبريل الأولى صاحبة موقع خاص في هذه العائلة الكبيرة، إذ إنها كانت تمارس سلطتها على جميع زوجات أبيها اللاحقات. تبدأ أسانا حكايتها، التي ترويها، في العام ,1926 أي في السنة التي أسس فيها والدها قريته في قلب الغابة روفاثان ، حيث أنشأ هناك مشروع زراعة البن. كانت في العاشرة من عمرها حين فقدت شقيقها التوأم ألوساني، الذي كانت تعبده . كانت أسانا تطمح بكسب عطف والدتها إلا أن هذه الأخيرة تجد أن ابنتها مسكونة بروح أخيها، لذلك قضت حياتها وهي تحاول طرد هذه الروح التي تتملك ابنتها.
تبدأ قصة ماري العام .1931 كانت والدتها ساكي، وهي زوجة جبريل الثالثة، تقضي وقتها في نشاطين يأخذان جلّ وقتها: بيع التبغ والنشوق كما القراءة في الأحجار والتحدث معها، وهي ممارسة روحانية متوارثة من الأجداد الأقدمين. لكن وصول داعية مسلم إلى تلك الأنحاء وإقامته فيها وفرضه لقانون أخلاقي جديد، دفعت زوجها إلى منعها من الاستمرار بنشاطيها. تغرق ساكي، من جراء ذلك، في انهيار عصبي كبير، تغادر القرية وينتهي بها الأمر بأن تفقد عقلها. ماري، ابنتها، لم تكن في الواقع إلا مارياما، توضع في أحد الأديرة، حيث يتم تعميدها وتنصيرها ويصبح اسمها ماري.
مع العام 1939 تبدأ حكاية حواء. هي ابنة تنكامو، زوجة جبريل السادسة، وهي الزوجة المفضلة لديه، ما سبب اليأس والغيرة لزوجاته الأخريات اللواتي كن يحتقرنها ويرغبن في التخلص منها. حين تقع تنكامو فريسة المرض، تبدأ الاتهامات والأقاويل بأنها هي السبب في كل هذه الشرور التي تصيب القرية. وعند موتها، تنتقم ابنتها حواء من كل الذين اتهموا والدتها بمختلف التهم.
تروي ساره، أصغر بنات البطريرك، قصتها انطلاقا من العام .1950 والدتها صافي، كانت زوجة جبريل العاشرة، أي لم تكن تتمتع بأي اعتبار لتفرض احترامها. اتهمت بالخيانة الزوجية والفسق والدعارة ما دفعها إلى مغادرة القرية. تتزوج ساره وتتابع دراستها في إنكلترا حيث تحصل هناك على استقلاليتها. لكن بعد عودتها إلى بلادها مع زوجها تصاب بالخيبة والإحباط حين تجد أن زوجها تكيف بسرعة مع عادات هذا المجتمع المتعدد الزوجات .
تشكل فكرة الفقدان وبخاصة فقدان الأمهات أحد محاور هذه الرواية. كذلك نجد فكرة محورية أخرى تتمثل في عالم الأرواح والأشباح الذي يؤرق العالم الحقيقي والواقعي. كل نساء الرواية يخضعن لهرمية البنية العائلية التي تتمحور على قضية تعدد الزوجات، وهي بنية إما أن تجمع بينهن وإما أن تفرقهن وتتركهن لمصيرهن المجهول. ومع ذلك، نجد أسانا، في العام ,1998 وهي تفكر بحنين بالحياة التي كانت سائدة في روفاثان : كان هناك نظام، نظام يجد فيه الجميع مكانه. صحيح أنه نظام غير متكامل إلا أننا كنا نفهمه .
تدور الأحداث والمآسي التي كانت تعيشها هذه النساء في قلب مجتمع لم يتوقف يوما عن التحول و التطور : الكولونيالية، الاستقلال، رعب الحروب الأهلية التي تتحدث عنها الكاتبة بلباقة وتدخلها في روايتها بمهارة أسلوبية كبيرة لدرجة أنه يلزم القارئ الوقت كي ينتبه إلى هذه التغييرات الكبيرة التي أصابت المجتمع في تلك الفترة. وما دور هؤلاء النساء الأربع إلا بكونهن يشكلن دعما لهذا السرد المنساب أمامنا. بيد أن الأسف الوحيد الذي نشعر به: لم تفرد الكاتبة لأصواتهن الكثير من المساحة الفردية إذ ينتهي بها الأمر بأن تتداخل مع بعضها البعض حتى لتضيع. كذلك ترسم الكاتبة بطلاتها بطريقة محترمة جدا إذ ينقصها بعض المزاج كي يبدين ككائنات حقيقية. ومع ذلك، ما من لحظة تشعر بأنك أمام رواية أولى. لقد عرفت أميناتا فورنا كيف ترسم خطوط هذا الكتاب بشكل مدهش.
اسكندر حبش
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد