الخصاء الإعلامي في النهج الساركوزي
الجمل ـ هنادي الشوا: في البداية لابد لي من الوقوف قليلاً على أحدث المصطلحات التي تعج بها قنوات عُشاق الربيع العربي, وأبدأ بالنهج الساركوزي: وهو النهج السائد حالياً بين أوساط مُقامري الربيع العربي, تيُمنناً بالملهم الروحي. هذا النهج يضمن من جهة, للمواطن للفرنسي التحرر من عقدة المواطن الأميركي فقد أصبح للمواطن الفرنسي أخيراً بحسب هذا المنهج كياناً سياسياً خاصاً يمثله, ومن جهة أخرى يشكل داعماً لعرابِه بعد أن نزع القذافي في ليلة ناتو ساخنة ورقة التين عن عورة الرئيس المأفون.
المصطلح الثاني هو الجاندارما الكونية وهو للأسف مصطلح نطالعه في معظم قراءات المواطنين الفرنسيين, ولكن لا تتناوله بالذكر قنوات الربيع العربي. الجاندارما الكونية, هو التعبير السائد اليوم في فرنسا للتعبير عن سياسة أميركا وتدخلها في شؤون البلاد العربية والغربية على حد سواء. نعلم جميعاً أنه على الرغم من الود والتجاذب بين أزلام السياسة في أميركا مع نظرائهم في فرنسا , يعتبر غالبية الشعب الفرنسي أميركا مفوضة غير شرعية ناطقة باسم الغرب, وهذا خلق لدى الفرنسيين إحساساً بالنقص يشبه إلى حد بعيد عقدة الأجنبي التي لازالت إلى اليوم تميَز كتابات بعض أطفال المعارضة السورية في فرنسا.
إذاً باختصار, النهج الساركوزي هو التغني بكينونة سياسة الحكومة الفرنسية, والتبرك بعباءة الربيع العربي ,مما يعني العودة إلى الاستعمار ولكن بأسماء معولمة تتناسب مع تطور الوعي في الشارع العربي, من قبيل: إنهاء الديكتاتوريات والسماح بإطلاق اللحى للديناصورات , مكافحة الدول المُناهضة للإرهاب, انتهاء لعبة الفزاعات الإسلامية ,التبرك بالعمائم, العودة إلى الحنة والسواك بدلاً من الصبغات التي تحتوي مواد كيماوية مسرطنة, كنوع من الدعم الاقتصادي لمنتجات ثورات الربيع العربي الأصولية, وكل ذلك فقط من أجل إلقاء التحية على العشائر الفراتية قبل تسليم مفاتيح القواعد القطرية ,وعودة المارينز إلى الولايات المتحدة الأميركية.
المُلفت للنظر أن الاهتمام بدأ ينصب على هذا النهج من قبل بعض العرب المقيمين في فرنسا أكثر من الفرنسيين أنفسهم. فمن هم أتباع النهج الساركوزي؟ إنهم باختصار بعض الجمعيات التي يتولى نشاطاتها -في الواجهة- العرب المقيمين في فرنسا, لتبقى صورة فرنسا العلمانية كبلد تحترم سيادة الشعوب واستقلالها بمنأى عن الاتهام, ولكي لا يتهم أحداً النهج الساركوزي بالضلوع أو التواطؤ في عودة الديناصورات اللاهثة.
يستطيع المقيم في فرنسا أن يلاحظ تزايد نشاط هذه الجمعيات في الآونة الأخيرة بشكل غير مألوف فصرنا نرى هذه الجمعيات اليوم تنشط بشكل شبه مستمر لتغطية مايجري في ليبيا وتونس ومصر,وغض البصر عن ما يحدث في اليمن, وليس فقط هذا بل تتميز هذه النشاطات أيضاً أنها أحادية الجانب. بمراقبة عمل هذه المجموعات نجد أنها تختص بتغطية طرف واحد من المعادلة, وتظهر ساحة الاقتتال بشكل يجعلك تظن أن الصراع في سوريا ناجم عن اقتتال بين شياطين و ملائكة. فلا نرى مثلاً في التظاهرات أفعال التخريب ولا ضحاياها, ولا حتى أعمال النهب والسرقة وتدمير الممتلكات العامة وحرق المتاحف, والاستيلاء على المرافق العامة , وتدمير البنى التحتية, والتمثيل بالجثث, لا نرى مُطلقاً شهداء الجيش المنشقين بحسب الرواية الدونكيشوتية, ممن وقعوا تحت رصاص زملائهم لأنهم رفضوا إطلاق النار على المدنيين ؟؟ بالمقابل نرى وبشكل مضخَم صور أطفال ونساء وشيوخ و شعارات إسقاط النظام ذاتها في كل مرة ترفرف في الساحات الفرنسية ,فمن هي هذه الجمعيات؟ ولماذا نشطت في أسابيع الربيع العربي؟
كنا نعتقد أن حرية الإعلام في فرنسا حقيقة , وظننا أننا قادرين على إيصال صوتنا كما استطاعت جمعية معينة في فرنسا أن توصل صوتها هي الأخرى في الثلاثين من نيسان عندما طالبت عن طريق أحد ممثليها – مغربي الجنسية-بسقوط النظام السوري, ولكننا فوجئنا بأن الإعلام في فرنسا مخصي,وهذا شرط من شروط ركوب النهج الساركوزي.
ما حدث في الثامن والعشرين من شهر أيار كان وبدون أدنى شك سقطة خطيرة في إعلام المنهج الساركوزي , لقد نظمنا نحن طلبة سوريا من مختلف المدن الفرنسية تظاهرة أمام مبنى الاتحاد الأوربي وتحديداً أمام مبنى حقوق الإنسان. لقد كانت تظاهرتنا ومنذ لحظة حصولنا على الموافقة واضحة المعالم بشكل لا يثير اللبس فيها , طلاب سوريا يقولون لا لانتحال صفة الطلبة السوريين من قبل المنظمات والمجموعات والأفراد في فرنسا ,ولاسيما تلك التي تنادي بالتدخل الأجنبي في سوريا. وبهذا الخصوص كنا قد أعددنا عريضة تم التوقيع عليها من قبل مائة وخمسة وخمسين طالب سوري, وقُدمت العريضة إلى مُمثل حقوق الإنسان, وتم قراءتها علناً وباللغتين العربية والفرنسية أمام مبنى حقوق الإنسان وبتغطية مباشرة من القناة الثالثة في التلفزيون الفرنسي وهي قناة الألزاس.
لن نخُفي على أحد مقدار تفاؤلنا فقد كنا مجموعة من الشباب الواعي والمُدرك تماما بأن ما يحصل في سوريا هو مؤامرة للنيل من هيبتها ,ولذلك فقد كانت المظاهرة بهدف دعم الشعب السوري والجيش العربي السوري والرئيس السوري بالتأكيد. أما عن الصور التي تم رفعها والتي لا تحتاج إلى تفسير فهي من وحي بياننا : بيان الطلاب السوريين في فرنسا: لماذا يغض الإعلام الغربي بصره عن شهداء الجيش العربي السوري؟ لماذا لا يُعنى ممثل حقوق الإنسان بإحصاء أعداد الشهداء من الجيش السوري أسوة بالمدنيين؟ لماذا لا يُذكر في قوائم الناشطين الحقوقيين أسماء من سقطوا لأنهم رفضوا إطلاق النار على المدنيين أ فليس من الواجب تكريمهم لا تغييبهم؟ طبعاً لم نكن نتوقع ًأن تُعرض هذه التظاهرة وهي الأولى في مدينة ستراسبورغ على التلفزيون الفرنسي بهذه الصورة . في مساء يوم السبت الساعة السابعة مساء ً وجهت لنا القناة الثالثة في التلفزيون الفرنسي صفعة قوية ً فقد عُرضت المظاهرة خلال عشر ثوانٍ تم تقسيمها إلى قسمين : الأول لتقول المذيعة , اجتمع قرابة ثمانين شخص سوري أمام البرلمان الأوربي لينددوا بالعنف الذي يشوب المظاهرات المناوئة للرئيس بشار الأسد . أما القسم الثاني من التغطية : في الوقت الذي نشهد منذ قرابة الشهرين الشعب السوري في الشوارع يطالب بالإصلاح...
إذاً يمكننا أن نفهم أنه وحسب المنهج الساركوزي ُملهم ثورات الربيع العربي ليس بإمكان هذا الإعلام المخصي أن يعرض المظاهرة إلا من خلال عرض المظاهرات في سوريا, وهذا أمر ربما يمكن استيعابه , أما ما لم نطيق سماعه فهو التشويه القصدي للمظاهرة وأهدافها فتحولت مظاهرتنا من تأييد للجيش السوري الوطني, وللشعب السوري, و للرئيس, مُسخت هذه المسيرة بتحويلها إلى مظاهرة للتنديد بالعنف . لكن إن نحن أمعنا النظر في موضوع العنف نجده هو الآخر ُقدم بصورة مبهمة على نحو يراد منه أن لا يفهم الفرنسي أكثر من كوننا سوريين ظرفاء ولطيفين لا نقبل بالعنف الذي يقوم به الجيش العربي السوري في تصديه للمتظاهرين , لتلوح أمام الفرنسي صورة كبيرة لشهداء الجيش المُمثل بهم مكتوب عليها مئتي شهيد من الجيش العربي السوري أين إعلامكم؟ وهنا سقطة أخرى تضاف إلى سقطات هذا الإعلام, فمما لاشك فيه سيسأل الفرنسي نفسه بعد رؤيته لهذه الصور عن أي عنف يتكلم هؤلاء الطلبة الظرفاء؟ ولكن لأن هذا الإعلام إعلام موجه وبشدة لا يستطيع أن يقدم المظاهرة إلى الشعب الفرنسي سوى بهذه الصورة تحت طائلة التهديد,ولكن بماذا؟ بمخالفته للنهج الساركوزي القائم على أن تغطى فعاليات ثورا ت الربيع العربي الخاصة بسوريا من قبل العرب فقط وليس السوريين .
إذاً باختصار إذا أردنا أن نعيد جمع الأوراق تصبح لدينا المعُطيات التالية : الطلبة السوريين تظاهروا في ستراسبورغ للتنديد بالعنف...
لمن يحب يمكنكم الإطلاع على الرابط المنشور وفيه تغطية القناة الثالثة لمسيرة ستراسبورغ التي انطلقت من أمام مبنى حقوق الإنسان.
http://www.facebook.com/video/video.php?v=229105600439862&comments
إضافة تعليق جديد