القبلة التي ارتدت على «بينيتون»
إذا كان هدف أي حملة إعلانيّة هو الترويج والربح، فحملة «بينيتون» الأخيرة قد لا تؤتي ثمارها... دخل صانع الملابس الإيطالي الشهير في متاهة تسويقيّة، إثر هجمة شرسة شنّها الفاتيكان على حملته «لا للكراهيّة». هكذا، اضطرت «ألوان بينيتون المتحدة» أخيراً إلى سحب ملصق تتصدّره صورة مركّبة لقبلة Bouche à Bouche، يتبادلها شيخ الأزهر محمد أحمد الطيّب، والبابا بينديكتوس السادس عشر.
ولم يقتصر ردّ فعل الكنيسة الكاثوليكية على الملاحقة القضائيّة، بل امتدّ ليطال مصالح العلامة عبر إطلاق «بعض المؤمنين» حملةً لمقاطعتها تحت شعار «باي باي بينيتون». أمّا الأزهر فكان تعليقه الوحيد، أنّه لن يتنازل للردّ على «تفاهات» مماثلة. ملصق القبلة بين البابا والإمام يندرج ضمن سلسلة تضمّ ملصقاتٍ وشريطاً مصوّراً تهدف إلى «محاربة ثقافة الكراهية بكلّ أشكالها»، بحسب «مؤسسة Unhate» التابعة لبينيتون. في باريس وميلانو وروما، وقف المارّة مذهولين أمام واجهات احتلّتها صور لقبل حارّة، تجمع باراك أوباما وهوغو تشافيز، وأنجيلا ميركل ونيكولا ساركوزي، وحتى بنيامين نتنياهو ومحمود عبّاس.
تغطية الأهداف الترويجية بقالب مؤدلَج، تقليد ليس جديداً على فريق «بينيتون» الإعلاني. يقف خلف حملة Unhate ثلاثة عقول، هم المديرون الفنيون لوكالة «فابريكا» كارلو كافالوني، وإريك رافيلو، وباولو مارتنز. يحيي هؤلاء تقليداً من الإعلانات الصادمة والاستفزازيّة، أرساه المصوّر الإيطالي الشهير أوليفييرو توسكاني في الثمانينيات والتسعينيات. خطّ هذا الأخير أثناء وجوده على رأس امبراطوريّة «بينيتون» الإعلانية، نهجاً طليعياً في صناعة الملصق الترويجي. أقصى الملابس وعارضات الأزياء عن الإطار، مولياً الأهمية للصور المسيّسة والساخرة، فتناول الحروب، والفصل العنصري والإجهاض، والآيدز. هكذا، أنجز ملصقات تعتبر أيقونات في علم الصورة، منها قبلة الراهبة والكاهن الشهيرة، وملصقاً يصوّر مريض آيدز على فراش الموت. لكنّ أعماله أثارت سجالات أخلاقيّة: إلى أيّ مدى يجوز استغلال قضايا إنسانيّة حساسة في سياق تسويقي، وإن كانت واجهته إبداعيّة؟
محلياً، وحالما انتشرت حملة «لا للكراهية»، تلقّفت مواقع التواصل الاجتماعي الملصقات لتضعها في السياق اللبناني. هكذا، رأينا الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله يقبّل رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، ورئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» ميشال عون، يقبّل رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع. نشرت الصور في البداية على مدوّنة تابع لموقع «ناو ليبيانون». لكنّ الملفت أنّ صورة نصر الله/ الحريري اختفت في اليوم التالي عن رابط الموقع!
وبعد ردود الفعل على حملة Unhate، قد يصعب التصديق أنّ مبدعي الإعلان لم يبتهجوا مع تداول كلمة Benetton ملايين المرات على محركات البحث خلال الأيام الماضية. نسمة هواء كانت تحتاجها العلامة، بعد سنة من الكساد على صعيد المبيعات. هذه «الفضيحة» رسمت إذاً، عن سبق إصرار وتصميم. والدليل أنّ الملصقات استخدمت إحالات تمسّ ذائقة شريحة كبيرة من الزبائن الأوروبيين (الكاثوليكيين بمعظمهم): الصراع بين الأديان، العلاقات المثليّة، وأزمة اليورو. في هذا السياق، قد يصعب على عشاق فنّ الملصقات ألا يتطلّعوا بإعجاب كبير إلى الطاقة الفنيّة خلاقة خلف حملة Unhate. نبرة السخرية والكوميديا في الأعمال، لم تكن تستدعي ردّ فعل الفاتيكان الطهراني. كأنّ حسّ الفكاهة عند الكنيسة ومحاميها صار معدوماً... أو أنّ الضرب على وتر العفّة والمثليّة أمر غير متاح للنقاش في صرح ديني يترنّح على وقع فضائح البيدوفيليا؟
في المقابل، لا تخفي ادعاءات المسؤولية الاجتماعية والسياسية التي اختارتها «بينيتون»، منسوباً عالياً من التسطيح، يكتنفه شعار أجوف كالترويج للحب والسلام العالمي... وخصوصاً في ملصق عبّاس/ نتنياهو. أيّ متلقٍّ فلسطيني ينظر إلى هذا الملصق، سيسأل: «عفواً، ولكن أليس من حقّي أن أكره قاتلي؟».
سناء الخوري
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد