تركيا وإيران تتقاسمان الملف السوري فأين العرب؟
حين كان وزراء الخارجية العرب يجتمعون في مقر جامعتهم العربية في القاهرة قبل أيام لتوجيه البروتوكول ـ الإنذار لدمشق، كان وزير الخارجية التركي أحمد داود اوغلو يستمع، وربما بشيء من الابتسام الخبيث، لرئيس وزراء قطر الشيخ حمد بن جبر آل ثاني، وهو يؤكد أن «كل ما قمنا به هو لتفادي حل أجنبي». فإما أن العرب باتوا يعتبرون تركيا دولة عربية وعضواً في الجامعة، أو أن وجود داود اوغلو في اجتماع كهذا كان خطأ.
وفيما كان اوغلو نفسه يودع آخر وعوده بـ«صفر مشاكل» مع جيران تركيا، وينتقل إلى مرحلة الوعيد والتهديد والعقوبات والقطيعة مع سوريا، كان وزير الخارجية الإيراني علي اكبر صالحي يقول في اجتماع وزراء خارجية الدول الإسلامية، ومن قلب السعودية، انه لا بد من منح سوريا «وقتا كافيا للقيام بالإصلاحات، وان دمشق قامت بخطوات مهمة في هذا الاتجاه».
اللافت أنه في الاجتماع العربي في القاهرة، تعمّد وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل الحضور من السعودية، بينما في اجتماع الدول الإسلامية الذي انعقد أصلا في جدة لم يحضر.
إن القراءة السريعة للمشهد العربي تؤكد أن قطر هي من يتولى فعليا الزعامة العربية هذا الأيام. دورها منتشر من السودان إلى ليبيا إلى تونس إلى المغرب وصولا إلى مصر، إما عبر دور سياسي أو دعم مالي أو غطاء إعلامي هائل، أو من خلال العلاقة الوطيدة مع الإخوان المسلمين. أما الدول العربية الكبيرة فهي إما مخنوقة الصوت بسبب أوضاعها الداخلية، أو لقلق من احتمال انتقال عدوى الثورات إليها، أو لأنها بصدد ترتيب أوضاع ما بعد ثوراتها.
وقد حضر العرب فعليا في الثورات العربية مرتين، الأولى حين منحوا حلف شمال الأطلسي غطاءً عربياً شرعيا لقصف ليبيا، والثاني حين قرروا رفع مستوى الضغط على سوريا إلى درجة القناعة بأنهم راغبون فعلا بإسقاط نظام بشار الأسد، ذلك أنهم في نهاية المطاف قرروا الوقوف إلى جانب المعارضة ووضعوا جل مطالبها في البروتوكول - الإنذار.
خلاصة كل ذلك، هو أن جزءاً كبيرا من ثبات النظام السوري بات مرتبطا بإيران، وجزءاً اكبر من المعارضة السورية بات مرتبطا بتركيا وقطر.
في هذه الحالة، يكون النظام السوري قد سلم جزءا من أوراقه لدولة غير عربية، ويكون العرب دفعوه أكثر بهذا الاتجاه، وتكون المعارضة قد سلمت جل أوراقها لتركيا التي تسعى لأن تكون صاحبة التأثير الأكبر في الملف السوري.
إيران تعتبر أن سقوط النظام السوري سيزيل أحد أبرز دفاعاتها في الشرق الأوسط ويقطع صلتها المباشرة بحزب الله، وتركيا تعتبر أن بقاء النظام السوري سيقطع طموحها نحو دور سياسي كبير يستند إلى عمق سني وايديولوجية إخوانية.
ولو أضفنا إلى هذا التنافس الإقليمي بين تركيا وإيران، تنافسا أكبر بين روسيا والصين من جهة والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا من جهة أخرى، نصل إلى يقين بأن الأزمة السورية باتت ورقة تجاذب أو تنافر كبير في المنطقة، ما يعني أن احتمالات الحل أو الانفجار فيها لم تعد لا بيد النظام ولا بيد المعارضة، وهنا تكمن الخطورة القصوى.
كان يمكن للعرب أن يلعبوا دورا توفيقيا منذ أشهر طويلة، وان يقنعوا النظام والمعارضة بالجلوس إلى طاولة حوار فعلية، لكن الضغوط الكبيرة التي مورست على الدول العربية الكبيرة داخليا وخارجيا في الأشهر القليلة الماضية، وفشل الدبلوماسية السورية في إحداث اختراقات مهمة على المستوى العربي، والتردد في المباشرة بإحداث اختراقات سياسية داخلية فعلية، واقتناع قطر بأنها تلعب دورا «ثورياً» كبيرا في خلع الأنظمة، وأنها قادرة على المضي قدما لخلع نظام الأسد. كل ذلك جعل إيران وتركيا توظفان الأزمة السورية كأحد أبرز رهاناتهما في المرحلة المقبلة.
حصلت تركيا على دعم غربي هائل للعب دور محوري في الأزمة السورية، وتريد إيران أن تكون هذه الأزمة إحدى أوراقها في الصراع المحتدم هذه الأيام مع الغرب، ذلك أن تحالفها مع سـوريا تحالف اســتراتيجي، وتريــد قطر أن تستمر في تقديم نفسها على أنها الدولة العربية الأولى الجديرة باحترام الغرب والقادرة على تنفيذ اســتراتيجية واسـعة تحت شـــعار الديموقراطية والإصلاحات متقدمة في ذلك على جل الدول العربية الكبيرة من السعودية إلى مصر وصولا إلى الجزائر.
خرجت الأزمة السورية من مجرد صراع بين النظام والمعارضة والمسلحين، وباتت ورقة في صراع أكبر لا أحد يستطيع اليوم تقدير مآله.
سامي كليب
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد