أحلام الثورة المصرية تتحول إلى كابوس اقتصادي
في الوقت الذي كان يردد فيه الآلاف من المتظاهرين هتافاً مدوياً في ميدان التحرير يرتد صداه في شارع الفلكى، على بعد مئات الأمتار، لم يشعر بائع الفول، أشرف إبراهيم، بأي دافع للانضمام إلى الحماسة الثورية.
وقد علق ابراهيم، البالغ من العمر 36 عاماً، على ذلك بقوله أن "الثورة لم تجلب سوى الخسارة والفقر لأمثالي. أتمنى لو أنها لم تحدث قط".
فبعد مضي ما يقرب من 10 أشهر على النشوة التي أعقبت الإطاحة بحسني مبارك، تجد قطاعات كبيرة من السكان أنفسها قريبة من الانهيار الاقتصادي التام. حيث بدأ الكثير ممن أشادوا في البداية بالانتفاضة الشعبية التي أنهت 30 عاماً من حكم مبارك معتقدين أنها قد فتحت الطريق أمام الرفاهية السياسية والرخاء الاقتصادي، يلومون الثورة الآن على تردي أوضاعهم الاقتصادية، لأنهم يرون أنها لم تجلب سوى خسارة الوظائف وارتفاع أسعار السلع الأساسية والاضطرابات السياسية.
وفي هذا السياق، كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم قد ذكر مؤخراً أن احتياطيات مصر من النقد الأجنبي سوف تنخفض بمقدار الثلث إلى 15 مليار دولار بحلول نهاية يناير القادم، وأن العجز في الميزانية سوف يزداد، مما قد يؤدي إلى إعادة النظر في دعم السلع الأساسية، وهي قضية حساسة.
من جهته، قدر البنك المركزي احتياطيات النقد الأجنبي بنحو 22 مليار دولار في نهاية أكتوبر، مسجلاً انخفاضاً قدره ملياري دولار عن الشهر السابق، مما يدل على تدهور أسرع من المعدل المسجل في الأشهر السابقة. ويرى خبراء الاقتصاد أن هذا المستوى يحد من قدرات الدولة على التعامل مع أزمة سيولة تلوح في الأفق.
وقد علق رشاد عبده، أستاذ الاقتصاد في جامعة القاهرة، على ذلك بقوله: "لقد توقف السياح عن المجيء، وأغلقت العديد من المصانع أبوابها، وفقد مئات الآلاف من الناس وظائفهم...إن كل المؤشرات تشير إلى أزمة اقتصادية حساسة للغاية بدأت تنزلق إليها هذه البلاد بعد الثورة".
وقد تحولت هذه المؤشرات بالفعل إلى واقع مؤلم للمصريين العاديين مثل إبراهيم. ففي مثل هذا الوقت من العام الماضي، لم يمكن هذا الرجل الذي يعول ستة أطفال يجد مكاناً في الشارع المزدحم الكائن بالقرب من عدة وزارات ليجلس فيه زبائنه العديدون.
أما الآن، فإن الاضطرابات المستمرة في محيط ميدان التحرير تؤدي إلى انخفاض عدد الأشخاص الذين يأتون إلى المكاتب الحكومية، وتدمر عمل إبراهيم وتجعله يشعر بالقلق حيال المستقبل. وقد علق إبراهيم على ذلك بقوله: "قبل الثورة، كنت أكسب ما يكفي من المال لدفع إيجار الشقة وإطعام أطفالي وإرسالهم إلى المدرسة. ولكن يوماً بعد يوم أجد أنه من المستحيل تحمل كلفة كل هذه الأمور، وقد يزداد الوضع سوءاً في المستقبل".
واقع صعب
بعيداً عن ميدان التحرير، يبدو التدهور الاقتصادي الذي أعقب الثورة واضحاً. فقد خسر حوالي 337,000 مصرياً وظائفهم في عام 2011، وفقاً للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء التابع للحكومة، وارتفع معدل البطالة إلى 11,9 بالمائة بعد أن كان يبلغ 8,9 بالمائة في الربع الثالث من العام المالي الماضي.
وفي هذا السياق، أفادت يُمن الحماقي، وهي أستاذة اقتصاد في جامعة عين شمس، ثاني أكبر جامعة حكومية، أن "الظروف السياسية والأمنية الحالية في مصر لا تبشر بأي نمو اقتصادي، فالمستثمرون العرب والأجانب يغادرون البلاد، وقد يؤدي هذا إلى خسارة المزيد من فرص العمل".
وكان البنك المركزي المصري قد أشار في 24 نوفمبر إلى انخفاض تدفق الاستثمارات الواردة إلى مصر بنسبة 20 بالمائة في النصف الأول من السنة المالية الحالية.
ووفقاً لرشاد عبده، قد حدثت معظم الخسائر الوظيفية في قطاع السياحة الذي يعمل فيه ملايين المصريين، كما أن العديد من العاملين في المجال اضطروا لقبول خفض رواتبهم ضماناً للحفاظ على وظائفهم على الأقل.
وأضاف عبده أن "معدلات الإشغال في الفنادق المصرية لا تزيد عن 8 بالمائة في الوقت الحاضر، وقد تتفاقم الأوضاع إذا لم تتحسن الظروف السياسية والأمنية. كما أن بعض الدول تطالب مواطنيها بعدم السفر إلى مصر".
على الحافة
يستفيد حوالي 64 مليون مصري، من إجمالي عدد السكان البالغ 85 مليون نسمة، من دعم سلع الأرز والعدس وزيت الطبخ والسكر والشاي، وذلك باستخدام البطاقات التموينية، ولكن وزارة التضامن الاجتماعي لا تستطيع توسيع نطاق استخدام هذه البطاقات لتشمل المزيد من المحتاجين، وفقاً لتصريحات مسؤولين بهذه الوزارة.
وفي السياق نفسه، أشار جيمس رولي، المنسق المقيم للأمم المتحدة في مصر، إلى أن 20 بالمائة من المصريين يعيشون تحت خط الفقر، بينما يعيش 20 بالمائة آخرون فوقه مباشرة.
وأضاف رولي أن "الاستثمارات مجمدة تقريباً، ومصر تستخدم الكثير من عملاتها الأجنبية، وهناك ضغوط على سعر الصرف. وإذا تم تخفيض قيمة الجنيه المصري، فمن المرجح أن ترتفع أسعار السلع، بما في ذلك الغذاء، وارتفاع أسعار المواد الغذائية سيزيد من المخاطر التي يمكن أن تظهر في أشكال عديدة، من بينها زيادة سوء التغذية الذي أصبح بالفعل مشكلة خطيرة في مصر".
وقد بدأ الناس يتمردون على هذا الواقع. ففي 5 نوفمبر، أوقف سكان قرية البدرشين جنوب الجيزة قطار شحن يحمل طنين من القمح وسرقوا محتوياته، فيما وصفه البعض بالعلامات المبكرة على "ثورة الجياع".
وفي تعليق له على الموضوع، قال أحمد خورشيد، أحد مستشاري وزير الزراعة للبحوث الغذائية، أن الأوضاع الاقتصادية المتدهورة منتشرة في جميع أنحاء مصر، ولكنها تزداد حدة في الجنوب بسبب إهمال الحكومة تنمية هذا الجزء من البلاد لعدة عقود، مما أدى إلى معدلات فقر وسوء تغذية "لا تصدق". وأضاف أن من يذهب إلى هناك سيرى بنفسه أن الناس غير قادرين على تلبية أبسط احتياجاتهم.
المصدر: شبكة إيرين
إضافة تعليق جديد