هل بدأت مرحلة عرقنة سورية؟
حمل الهجومان الانتحاريان اللذان هزّا قلب العاصمة السورية دمشق صباح الجمعة، إشارة تحول في الصراع الدامي المتجدد منذ أكثر من نصف قرن للاستحواذ على سورية.
وسارعت السلطات السورية التي ما انفكت تقول منذ شهور إنها تواجه عصابات إرهابية مسلحة تسعى للفتنة وتدمير سورية، وتسهيل عدوان عسكري عليها بحجة حماية المدنيين، الى اتهام تنظيم القاعدة بالجريمتين.
وتشير التقارير الصحفية الغربية منذ مدة إلى أن سورية أصبحت هدفاً لقدوم مقاتلي تنظيم القاعدة من ليبيا والعراق و السعودية ، وتشير تقارير خاصة إلى أن مشغل جماعات القاعدة في العالم، دفع بالتنظيم لصدارة الأحداث في سورية إيذاناً ببدء المرحلة الجديدة من خطة إسقاط سورية في الفوضى تمهيداً للسيطرة عليها، و إخراجها من محور المقاومة ضد العدو الصهيوني ، وتفكيكه لاحقاً .
لكن أين هم سوريو المعارضة والثورة من هذا التطور الخطير ؟
في الحقيقة أفرزت الأحداث شريحة من السوريين ستبرر هذين العملين الإجراميين بذرائع شتى ، تحت باب رد الفعل على القمع ، أو انسداد أفق التغيير، ويصل التبرير منتهاه الأصدق بأن هذا نوع من الجهاد ضد البعث الكافر!
لكن هل الجهاد يعني قتل الأبرياء؟ سنفترض جدلاً أن للمعارضة السورية المسلحة "جماعة اسطنبول" الحق في خوض ثورة مسلحة ضد السلطات، هل هذا يبرر لهم قتل المدنيين عرضاً من المارين في منطقة التفجير، أو حتى ممن هم مواطنون معارضون، ولديهم استدعاء أمني لمراجعة الفرع المهاجم أو قادمون للسؤال عن ذويهم ويضطرون للانتظار أمام باب الفرع ؟
يمكن المقارنة بين نضال وجهاد حركة أصيلة وشريفة حتى في مواجهتها للعدو الصهيوني وعملائه ، التزمت معايير أخلاقية رفيعة أدهشت العالم كله ، هي المقاومة الإسلامية في لبنان حزب الله ، وبين شذاذ الآفاق من مجاهدي تنظيم القاعدة الذراع الوحشي لمجلس اسطنبول ،و الذي ترك بصماته في العراق متبعاً معادلة رياضية سعودية تقول: لقتل جندي أمريكي يجب أن يقتل معه 20 مواطن عراقي .
و مع عدم إغفال أن المقاومة في جنوب لبنان كانت تواجه عدواً وعملاء له ، لديهم تاريخ عريق في القتل وسفك الدماء وقصف المدنيين و ارتكاب المجازر ، ومع ذلك وبوجود كل الأبعاد النفسية تعامل حزب الله مع العملاء أثناء استهدافهم بإنسانية عميقة ؟
قبيل دحر العدو الإسرائيلي من جنوب لبنان تمكن مقاومو حزب الله من تصفية العميل عقل هاشم الذراع اليمين للعميل أنطوان لحد بعد طول مراقبة وإلغاء لأكثر من عملية تفجير لسيارته حتى لا يصاب أي أحد بأذى و آخرها كان نتيجة وجو د ابنه معه ، رغم أنه موظف في مؤسسات الجيش العميل .
المقاومة – حزب الله تلغي عملية نوعية استغرق التحضير لها والرصد شهوراً طويلاً لكي لا يقتل ابن العميل معه ، وهو موظف في مؤسسات العمالة ويقبض راتبه من الصهاينة ، في حين أن إرهابيي تنظيم القاعدة يقتلون ويجرحون عشرات المدنيين في سبيل استهداف مركز أمني يلمون جيداً أنه لن يقتلوا سوى حراسه.
أما تفجير منطقة القزاز قبل عامين والذي استهدف محرس مركز أمني فقد قتل فيه 17 من العابرين ساء حظهم العاثر والحقد "الوهابي" أن يمروا بالقرب من المركز الأمني العسكري المستهدف والذي لم يستشهد أحد من حراسه العسكريين !!
وقد عرض التلفزيون السوري لاحقاً اعترافات للإرهابيين الذين خططوا للعملية وكثير منهم من منطقة معرة النعمان التي شهدت تمرداً مسلحاً في بداية حزيران الماضي ، و نفذها انتحاري أرسله شيخ وهابي موجود في مخيم عين الحلوة كان يحصل على تمويل من شخصية لبنانية .
لقد تبجح المعارضون السوريون بسلمية الاحتجاجات ضد الحكم السوري ، وهو للحقيقة بدأ كذلك وسرعان ما تم امتطاؤه من قبل أعدائه ، والمفارقة أن المعارضين سعدوا أيما سعادة بهذا الامتطاء لهم ، ورفضوا أي مناقشة لتفسير مقتل المئات من العسكريين و الشرطة ثم صدرت لهم أوامر باستعمال مصطلح جنود منشقون لتبرير ذلك ، واليوم وقد ظهر للشعب السوري مدى الحقد الأعمى و الإرهاب الدموي ماذا سيقول المعارضون و "الثوار الحمقى" على حد تعبير ميشيل كيلو ؟
هل سيقولون إن عنصر أمن فجر نفسه في زملائه؟ أم سيقولون أن شقيق أحد المعتقلين أو قتلى الاحتجاجات فجر نفسه انتقاما ؟ أم أن الانتحاري هو منشق عن إدارة أمن الدولة ؟
وقد يقفز في وجهنا واحد من "ثوار التنسيقيات" ليقول : لا هذا غير صحيح إن الهدف من الهجوم على مركز الأمن ليس قتل العناصر في المبنى البعيد عن المحرس بل هو إرسال رسالة قوية للنظام تقول إننا قادرون على ضربك و إرهاب عناصرك القتلة !.
وقد يقفز آخر ليقول إن الهجوم مفبرك ولم يقع لأنه عرض على قناة الدنيا والسورية التي لا نصدقها ، ولم تعرضه قنوات الجزيرة والعربية و صفا ووصال !!.
لن يتحدثوا عن عشرات الأبرياء المدنيين الذين سقطوا في هذا العمل الإجرامي الجبان ، بل سيطالبون بحماية المدنيين بطريقة الناتو "نحمي المدنيين بأن نقتلهم كما جرى في ليبيا"!.
ما جرى اليوم في دمشق هو نقطة تحول هائلة في الصراع و إن تكشف الحقائق للسوريين الذي يسفك دمهم في مخطط غربي عربي تركي سيدفع لتلاحم وطني حقيقي وتكوين جبهة وطنية سورية من كل القوى السياسية والاجتماعية الشريفة في مواجهة المخطط الغربي الصهيوني وأدواته الصغيرة في تركيا و الخليج و شرق الأردن .
إن قذارة الجريمة وهول سفك دمائنا كسوريين تجعلني أتردد في السخرية السوداء ، لكن لا بد منها لوصف لسان حال تلك الزمر من الموتورين و العصابيين الذين تنطحوا للثورة على نظام وطني بمساعدة أعداء الوطن .
هل سيقوم غداً "ثوار" تنسيقيات دمشق وما حولها أثناء تشييع شهداء الجريمتين من المدنيين الأبرياء بتصوير الجنازات و إرسالها إلى قناة الجزيرة و توابعها ، والقول إنهم شهداء متظاهرون سقطوا برصاص الأمن السوري ؟
وهل سيقومون بتشييع الإرهابيين الذين قتلا في الهجوم ، وذلك في جنازة حاشدة والقول بأنهما قضيا في أقبية المخابرات السورية التي حولت جسديهما إلى أشلاء !
جوزف صانع
المصدر: عربي برس
التعليقات
سؤال خطير
إضافة تعليق جديد