عقوبات إدارة أوباما تطول العيون السورية
أرادت أن تهديها النور بدلاً من الظلمة التي تعيشها وتعطيها أملاً جديداً في رؤية ما حولها من هذا العالم المملوء بالجمال والبهاء، هي إحدى المريضات التي قررت التبرع بقرنيتها لقريبتها بعد أن أخذت أذن ذويها بقطف القرنية.
على لائحة الانتظار في مشفى العيون 7000 مريض يحلمون بأن يعود لهم بصرهم من خلال عمليات زرع القرنية في ظل ندرة المتبرعين بعد أن أوقفت عمليات الاستيراد للقرنيات بفضل العقوبات الأميركية على سورية كأحد أهم البلدان الموردة، القوانين تبيح التبرع لكن ما يعيق ذلك قلة الوعي والجهل بهذه القوانين من جهة ومن جهة أخرى الخوف وعدم المعرفة فيما إذا كان الشرع يبيح ذلك أم لا, بين هذه وتلك هل يبقى هؤلاء المرضى يحلمون ويبقون بقية حياتهم على قائمة الانتظار في عتمة حالكة؟.
محمد الحمود شاب في مقتبل العمر من محافظة حلب انتظر أعواماً حتى حظي بمتبرع للقرنية لكن سعادته لم تكتمل لأنه لم يحظ إلا بقرنية لعين واحدة، وقد وصف حالته خلال فترة الانتظار بالقول: لقد كانت مرحلة مأساوية بالنسبة لي حيث إن هذه الحالة بدأت معي من عمر التسع السنوات وكنت لا أرى الأشياء بوضوح على مسافة ستة أمتار فقط حتى مع استعمال النظارات الطبية أما الآن فإنني أستطيع أن أرى بشكل طبيعي في العين التي أجريت لها عملية القرنية وكلي أمل بأن أحصل على قرنية للعين الأخرى سواءً من خلال متبرع أو من بنك العيون في المشفى.
أما ريم العبد الله 14 عاماً من دير الزور التي تراجع المشفى كل شهر للاطمئنان على عملية القرنية، العملية التي أجريت أيضاً لعين واحدة بسبب قلة المتبرعين وتوقف الاستيراد، فقد أكدت فرحتها بحصولها على هذه القرنية بعد معاناة طويلة متمنيةً أن يتم نشر ثقافة التبرع بالقرنية بين المواطنين لأن الكثير من الأطفال الذين يحتاجون إلى إكمال دراستهم سيسعدون بذلك، وتقول أجمل شيء في حياتي هو عندما عدت من جديد لمتابعة دراستي.
وتحدث محمود وريم عن سهولة الإجراءات في المشفى وعند توافر متبرعين قاموا بالاتصال بنا، وأشارا إلى سهولة العملية وأنه من دون تكاليف مادية علماً أن عملية القرنية الواحدة في المشفى الخاص تكلف المريض بين 100 و150 ألف ليرة سورية.
فهناك 7000مريض على قوائم الانتظار من أجل قرنية ، فخلال ثلاث أشهر قامت المشفى بإجراء 200 عملية قرنية لكن هذه العمليات توقفت من الشهر الخامس للعام الماضي وذلك بسبب العقوبات التي فرضت على سورية من الخارج وخاصةً الولايات المتحدة الأميركية, الأمر الذي أثر على عمليات الاستيراد من هذا البلد، وهذا يدل على أن العقوبات ليست فقط على الحكومة بل على الشعب أيضاً وهو المتضرر الأكبر منها، مع العلم أنه تتوافر لدينا المنظومات الصحية المتكاملة والتجهيزات الحديثة والقوانين التي صدرت تبيح التبرع.
بنك العيون
تأسس بنك العيون بالمرسوم الجمهوري رقم 3 عام 2007 المتعلق بتشكيل هيئة صحية مستقلة مقره دمشق لتسريع انطلاق العمل بهذا البنك وتفعيل دوره بشكل أمثل لتحقيق هدفه بتوفير القرنيات لمئات المواطنين المحتاجين لها ،ويتضمن القانون مواد عن إدارة البنك ومجلس الإدارة وصلاحيات المدير العام ومهامه .
الهدف الأساسي من تأسيس البنك هو القيام بقطف القرنيات و فحصها وحفظها والإشراف على استيراد القرنيات ودراستها وفحصها وحفظها بطريقة جيدة وفق أحكام القانون 30 تاريخ 20/11/2003 الناظم لزرع الأعضاء، والقرنيات هي الجزء الأمامي من العين تؤخذ من الميت حديث الوفاة ، هذا وتضمن المرسوم شرحاً مفصلاً لآليات العمل وطريقة التعامل مع المريض ومع الهيئات العامة والخاصة وكيفية قبول التبرعات والهبات، كما أن مجلس الإدارة هو السلطة المختصة برسم الخطط التي سيسير عليها البنك وهو المسؤول عن إقرار الخطة الصحية وضمان سير العمل بشكل قانوني وفق الأنظمة النافذة في وزارة الصحة، وتضمن المرسوم أيضاً إنشاء فروع للبنك في المحافظات السورية وإقامة وحدة خاصة تثقيفية مهمتها القيام بالنشاطات اللازمة لتوعية المواطنين وحثهم على التبرع للبنك وفق القوانين والأنظمة النافذة في سورية وتشجيع المختصين على القيام بإجراء أبحاث في أمراض القرنية وجراحتها.
مهام البنك
تخبرنا د.رنا عمران مديرة البنك بأن البنك له مهمتان الأولى: استيراد القرنيات من الخارج بطرق جيدة ونظامية، والثانية: هي تولي مسؤولية قطف القرنيات إذا كان هناك متبرعون والإشراف على موضوع فحصها وحفظها وتوزيعها على المشافي وأيضاً تحضير الغشاء الامينوسي وحفظه وحفظ الصلبة والأنسجة الأخرى.
تقول د. رنا إنه في هذه الحالة الاسعافية هناك قرنيات غير القرنيات للحالات العادية وان لكل حالة خصوصيتها وهناك أولوية للحالة الاسعافية عن غيرها وفي هذه الحالة نلجأ إلى زراعة الغشاء الأمينوسي ليساعد على الشفاء وترميم القرنية وتكون هذه في الحالات الخفيفة والمتوسطة أما في الحالات الشديدة فحكماً سنتجه إلى زراعة القرنية، والغشاء الأمينوسي هو من بقايا عمليات قرنية ويمكن استخدام هذا الغشاء لترميم عدة قرنيات أصلية، وتخبرنا د.عمران بأن القرنيات لا تحتاج لتطابق زمر دموية ولا تطابق أنسجة ونسبة الرفض المناعي في الحدود الدنيا بعد زرع الأعضاء وأنه من أروع النتائج أن تحولي شخصاً ضريراً لشخص مبصر بعملية بسيطة جداً .
مصادر القرنيات
وتشير د.عمران بأن هناك مصدرين للقرنيات مصدر داخلي عن طريق التبرع وهو مصدر مازال بنسبة قليلة جداً بسبب نقص التوعية لدى الناس في مجال التبرع ، فيجب أن تكون هناك أكثر من جهة تهتم بهذا الموضوع وتقترح د.عمران أن تقوم وزارة التربية بحملات توعية وتكون موجهة إلى طلاب المدارس وتقوم بنشر موضوع كهذا ويمكن أن تضاف في المناهج الدراسية بعض الأمور المتعلقة بالتبرع، وتضيف بأن التبرع بالقرنية لا يترك أي تشوه على الجثة، أما المصدر الخارجي فالاعتماد على استيراد القرنيات من الخارج والمصدر الرئيسي هو من الولايات المتحدة الأميركية.
وتكمل د.عمران بأن بنك العيون لهذه اللحظة لم يعمل بالطريقة التي نأملها وأنه لا توجد مشكلة في التجهيزات ولا في الكادر الطبي لكن العائق في موضوع التبرع عدم الثقافة في هذا الموضوع فبين الدين والعادات والتقاليد يضيع موضوع التبرع وأيضاً استيراد القرنيات ضمن القوانين النافذة وحرفية القوانين لا تتماشى مع الجزئية الخاصة التي تميز القرنية والأجزاء البصرية فعمر القرنيات 14 يوماً من تاريخ قطفها ونحن نعمل على تعديل هذه القوانين للخروج من هذه المتاهة.
وقد صدر مرسوم تشريعي عام 2010 الذي عدل بموجبه المادة 3 من القانون رقم30 لعام 2007 بما ينظم لبنك العيون تداول القرنيات واستجرارها، كما أقر في أحد مواده صدور نظام مالي خاص تراعى فيه خصوصية القرنيات.
وهناك حوالى عشرة شبان بعمر 21-23 عاماً قدموا أوراقهم كمتبرعين في حال الوفاة، فالشخص الذي على قيد الحياة إذا أراد التبرع بعد وفاته يجب أن يملي استمارة ويكتب رقم هويته ويكون هناك شاهدان ومن الأفضل أن يكون أحد الشاهدين من أقارب المتبرع .
مباح..!
يقول الداعية الإسلامي عبد الرحمن علي ضلع عن شرعية التبرع إنه في ضوء المناقشات التي وجهت الأنظار إلى أن هذا الموضوع أمر واقع الأحيان بالأضرار النفسية والاجتماعية الناجمة عن ممارسته من دون الضوابط والقيود الشرعية التي تصان بها كرامة الإنسان، مع مراعاة مقاصد الشريعة الإسلامية الكفيلة بتحقيق كل ما هو خير ومصلحة غالبة للفرد والجماعة، والداعية إلى التعاون والتراحم والإيثار.
وتجوز الاستفادة من جزء من العضو الذي استؤصل من الجسم لعلة مرضية لشخص آخر، كأخذ قرنية العين لإنسان ما عند استئصال العين لعلة مرضية .
ويجوز نقل عضو من ميت إلى حي تتوقف حياته على ذلك العضو أو تتوقف سلامة وظيفة أساسية فيه على ذلك العضو، بشرط أن يأذن الميت قبل وفاته أو ورثته بعد موته، وينبغي ملاحظة أن الاتفاق على جواز نقل العضو في الحالات التي تم بيانها، مشروط بألا يتم ذلك بواسطة بيع العضو، إذ لا يجوز إخضاع أعضاء الإنسان للبيع بحال ما، أما بذل المال من المستفيد، ابتغاء الحصول على العضو المطلوب عند الضرورة هو مكافأ أو مكرم، ومحل اجتهاد ونظر.
ويجوز عند جمهور العلماء الإسلامي نقل أعضاء الإنسان لآخر كالقلب والعين والكلية إذا تأكد الطبيب الثقة العدل من موت المنقول عنه، أو بتبرع الإنسان لإنقاذ مصير آخر بحاجة إلى هذه الأعضاء، لأن الحي أفضل من الميت، وتوفير البصر أو الحياة لإنسان نعمة عظمى مطلوبة شرعاً وإنقاذ الحياة من مرض عضال أو نقص خطير أمر جائز للضرورة لأن القاعدة الفقهية تقول: الضرورات تبيح المحظورات.
على الرغم من إحداث هذا البنك الذي يعتبر خطوة مهمة جداً لإنقاذ آلاف الحالات التي تنتظر بفارغ الصبر رؤية من يحبون وربما استمرار مشاريعهم وأحلامهم التي توقفت بسبب فقد البصر، إلا إنه بحاجة إلى مزيد من الاهتمام بتوفير هذه المستلزمات الضرورية و خاصة المستوردة منها من الخارج، وبث الوعي بين الناس حول أهمية مساعدة الآخرين وإدخال السرور إلى قلوب آلاف الأسر من خلال التبرع بالأعضاء خاصة من قبل ذوي المرضى الذين فقدوا حياتهم ولم تعد هذه الأعضاء تمنحهم أي فائدة بقدر ما تنعكس على المرضى الأحياء.
نهلة سليمان طه
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد