السيناريو الجزائري في سوريا
الجمل - نظرة انتقائية غير موضوعية للتاريخ القريب:
العنوان السابق أعلاه هو مقدمة ضرورية لتبيان أن ما سيرد أدناه هو نظرة ذاتية أحادية الجانب لحدث تاريخي معين لا أدعي صحتها ولا أطلب من أحد تبنيها.
في عام 1988 حدثت اضرابات و مظاهرات طلابية وعمالية في الشارع الجزائري كان لها مطالب متعددة سياسية و اقتصادية و اجتماعية وقد تعددت التسمية اللاحقة لهذه الأحداث ما بين ثورة الخبز أو انتفاضة أوكتوبر أو أوكتوبر الأسود،...الخ، اتخذت هذه الأحداث شكلاً عنيفاً في بعض المناطق تمثل في حرق للمتلكات العامة وسيطرة المحتجين على مناطق بأكملها خارج سلطة الدولة التي بدورها تصدت بالقوة بهدف إعادة الهدوء للبلاد وقامت بإعلان حالة الطوارئ واستخدمت الجيش ووقعت مصادمات عنيفة أدت إلى مئات القتلى و آلاف المعتقلين من الطرفين.
و في بدايات العام 1989 وبعد أن هدأت الأمور نسبياً و عاد الاستقرار الأمني إلى حد ما في البلاد أعلن الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد سلسة إصلاحات سياسية عميقة تضمنت تعديلات دستورية أقرت التعددية الحزبية وصدرت قوانين للأحزاب إضافة إلى قوانين جديدة للانتخابات التي تعهدت الحكومة بضمان نزاهتها، وترافق ذلك مع إجراءات حكومية لضمان حرية الصحافة و حرية الرأي و التعبير، و في ذلك الوقت اعتبر الكثير من الجزائريين أنهم حققوا نقلة نوعية في المجتمع الجزائري باتجاه التعددية والديموقراطية الحقيقة في البلاد كنتيجة طبيعية لنجاح انتفاضة أوكتوبر و مارفقها من حراك شعبي وتضحيات بشرية، واتجه الجزائريون للمرة الأولى ربما لممارسة تجربتهم الديموقراطية الجديدة فعمدوا إلى تأسيس الأحزاب السياسية، وفي هذا الإطار تم في العام 1989 تأسيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ كحزب سياسي يمثل الإسلاميين السلفيين الذين اعتبروا أنهم أصحاب الفضل في ما اعتبروه نجاح انتفاضة 1988 و كل ما أعقبها من إصلاحات (علماً أن الحراك الشعبي لم يقتصر عليهم وحدهم بل شمل إلى جانبهم فئات و شرائح أخرى واسعة من المجتمع إلا أنها ربما كانت أقل تنظيماً و أكثر تشتتاً) وقد تم اختيار عباس مدني رئيساً للجبهة بصفته كأستاذ جامعي يمثل الوجه الديني الأكثر اعتدالاً (إلى حد ما) في صفوف تياره وذلك بالإضافة إلى خلفيته التاريخية الوطنية كمحارب سابق في حرب تحرير الجزائرية بما قد يمثل عاملاً مطمئناً للفئات الأخرى (علماً ان نائبه علي بحاج الذي يمثل الجناح التكفيري الأكثر تطرفاً في الجبهة كان صاحب تأثير فعلي أكبر على الأرض وله العديد من التصريحات التي تشير إلى تكفير أي حكومة لا تحكم بسلطة القرآن المباشرة)، في عام 1990 جرت انتخابات محلية (بلدية) حققت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ انتصاراً كاسحاً على الحزب الحاكم (جبهة التحرير الوطني) وبالرغم من كل محاولات الحكومة الجزائرية لاحقاً إدخال تعديلات على قوانين الانتخابات إلا أن انتخابات عام 1991 النيابية أدت إلى اكتساح جديد لصالح الجبهة الإسلامية للإنقاذ تمثل بالفوز بـ 188 مقعداً من أصل 288 (مقابل 16 مقعد للحزب الحاكم)، و قد رفض الجيش نتائج الانتخابات، وقد تعددت المبررات وراء قرار الجيش هذا فربما منها أن قادة الجيش يعتبرون هذه الجبهة جماعة إرهابية متطرفة، وربما لقناعتهم بأنها بدورها تعتبر الجيش خصمها المباشر الذي سبق أن قاتلها و قاتلته وبالتالي فمن البديهي أن أولى أولويات هذا الفريق في حال استلام السلطة ستكون حل الجيش و الأمن وملاحقة قادته وتعيين قادة جدد من أتباعها (ربما على غرار عبد الحكيم بلحاج الليبي) ومن المعروف ما جرى بعد ذلك من استقالة للرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد و إلغاء نتائج الانتخابات و تشكيل مجلس رئاسي عسكري لحكم البلاد (سرعان ما اغتيل رئيسه محمد بوضياف لاحقاً على يد أحد حراسه العسكريين المتعاطفين مع الإسلاميين، و تم على إثر حادثة الاغتيال هذه ملاحقة واعتقال عباس مدني و نائبه بلحاج وغيرهم من قيادات جبهة الإنقاذ).
بدأ الصراع المسلح بين الحركات الإسلامية المسلحة مع السلطة بحجة الاحتجاج على إلغاء نتائج الانتخابات "الديموقراطية" وقد استمر لأكثر من عشر سنوات بما عرف في ما بعد بالعشرية السوداء التي بدأها الجيش الإسلامي للإنقاد (الجناح العسكري للجبهة الإسلامية للإنقاذ والذي ضم قيادات الصف الثاني للجبهة الذين نجوا من الاعتقال) بحرب عصابات ضد أفراد الجيش و الشرطة الجزائرية ومن ثم عمليات تفجير و اغتيالات، وسرعان ما برزت على الأرض لاحقاً قوى مسلحة جديدة أكثر تطرفاً (وتقع خارج تأثير الجبهة الإسلامية للإنقاذ ولا تأتمر بأمرها) تمثلت في حركة التكفير و الهجرة والجبهة الإسلامية للجهاد المسلح و الجماعة الإسلامية المسلحة التي سرعان ما استأثرت بقيادة الجزء الأكبر للعمليات العسكرية على الأرض، واستمرت هذه العمليات وتوسع نطاقها وازدادت حدة العنف فيها وبدأت باستهداف المرافق الحيوية للبلاد مثل تفجير مطار الجزائر العاصمة، إلا أنها بعد عام 1995 اتخذت منحىً جديداً أكثر دموية حيث لم تعد تقتصر على العسكريين بل امتدت لتشمل المدنيين أيضاً حيث قامت الجماعة الإسلامية المسلحة (والتي اعترفت رسمياً بذلك في وقت لاحق) و تحت مبرر تكفير كل من يؤيد الجكومة الجزائرية أوحتى تكفير كل من لا يقاتلها أو كل من يرسل أولاده للخدمة العسكرية في صفوف الجيش الجزائري قامت بإبادة قرى بأكملها ذبحاً بالسواطير من خلال عمليات ذبح ومجازر جماعية لقرى و عائلات بأكملها من أطفال و نساء و شيوخ و رجال لعل أشهرها مذبحة ريس التي تم فيها ذبح 400 مدني، ومذبحة غليزان 1280 مدني، ومذبحة بن طلحة 200 مدني وغيرها الكثير.
وبالمحصلة فقد آلت الأمور إلى حرب طاحنة استمرت أكثر من 10 سنوات و تسببت في عشرات الآلاف من القتلى (يقدر بأكثر من 100 ألف قتيل) و في تدمير اقتصاد البلاد. والآن وبعد أكثر من عشر سنوات على انتهاء الأحداث الأمنية بشقها الأساسي يعتبر الكثيرون أن الجزائر لم تتعاف تماماً من تلك المرحلة حتى الآن وما زلنا نسمع بين فترة و أخرى بهجمات على نقاط عسكرية واستهداف للعسكريين الجزائريين في مناطق متعددة من البلاد مع محاولات لتكرار انتفاضات شعبية محلية في مناطق متفرقة على غرار أحداث 1988 وكأن هناك من يريد أن يعيد الكرة من جديد.
ملاحظة هامة أولى: إن أي تشابه بين الأحداث المذكورة أعلاه وأية أحداث أخرى تجري حالياً في أي مكان من الأماكن هو مجرد مصادفة بحتة و تشابه غير مقصود.
ملاحظة هامة ثانية: إن كاتب هذه السطور (العبد الفقير لله) لا يدعي أنه باحث تاريخي ولا محلل سياسي و لا خبير استراتيجي، ولكن بالرغم من ذلك فهو لا يجد حرجاً في تصديع رؤوس قارئي هذه السطور بالترهات أسوة بنجوم الفضائيات من مذيعين و مشايخ و محللين ومفكرين.
ملاحظة هامة ثالثة: إن القراءة السابقة هي مجرد لغو فكري لإضاعة الوقت وهو بالتالي لا تلقي على عاتق قارئه أي التزامات لذا يرجى من جميع الأصدقاء الذين ابتلوا بقراءتها إهمالها ونسيانها مباشرة.
ملاحظة هامة رابعة: إن أية نفس متحيز قد يستشف من الكلام أعلاه ضد تيار محدد بعينه أو مجموعة من التيارات لا يستند إلى أية مبررات موضوعية بل هو نتاج للأهواء الشخصية للكاتب، و إن أي قلق أو تشكيك أو تخوف من سلوك هذه التيارات ليس له ما يبرره إطلاقاً باستثناء العقد النفسية و الأوهام التي يعاني منها الكاتب.
ملاحظة خامسة هامة: لمن يرفض تصديق الملاحظات الهامة الأربعة أعلاه، وما زال يصر أنني أحاول إجراء إسقاطات و مقارنات معينة وأنني أحاول استحضار فزاعات و أشباح جديدة من مستودعات الماضي لنصبها في حقول الحاضر لإخافة طيور الحرية الباسلة، فإنني أطمئنه أن القصة أبسط من ذلك بل وأكثر سطحية ربما، ففي زحمة التحليلات و السيناريوهات التي تبحث الشأن السوري، وبين من يطالب باتباع السيناريوهين المصري و التونسي (وهما مع كامل الاحترام للشعبين المصري و التونسي ومع كامل تمنياتنا لهم بالخير و التوفيق إلا أنهما سيناريوهان لما يكتملا بعد ومازال الحكم عليهما مبكراً بحكم أن الأمور بخواتيمها)، وبين من يطالب بتطبيق السيناريو الليبي (بحكم أنه قد أنجز أهدافه النهائية بالنسبة للكثيرين واستنفذ ربما كل ما بجعبته من قتل وتدمير في حين مازال البعض يرى عكس ذلك ويحاجج أن الآتي أقسى و أصعب)، فإن قلة من المحللين تحدثت عن السنياريو العراقي بوصفة السيناريو الأسوأ للحالة السورية، وقد استفزني جداً أن ذاكرتنا القصيرة كعرب لم تسمح لأي محلل أو مفكر بأن يسرح بذاكرته إلى ما قبل بداية الألفية الجديدة بحكم أن اللي فات مات ربما، لذا آثرت طرح احتمال جديد قد تساعد مقاربته على ملئ وقت المفكرين العرب و جهابذة البحث و التحليل على الفضائيات العربية الغير سورية التي باتت متخصصة بالشان السوري على ما يبدو، أو ربما هو فقط من باب العبث و فتح آفاق المزيد من احتمالات التدمير و التفجير أمام الإخوة "الثوار" على مبدأ إذا بدك تحيروا خيروا، وقد تعددت الأسباب والموت واحد.
أنس محمود
إضافة تعليق جديد