الموهوب .. السيد إيردوغان
الجمل- شبنغلر (ديفيد غولدمان)- ترجمة: مالك سلمان:
الولايات المتحدة مصدومة – مصدومة – لاكتشافها أن تركيا, الحليف الأمريكي النَزَوي, قد ساعدت إيران على الالتفاف على العقوبات أكثر من أية دولة أخرى. فقد تضاعفت صادرات تركيا من المعادن الثمينة خمس مرات لتصل إلى 14.3 مليار دولار أمريكي, ذهبَ معظمها إلى إيران بشكل مباشر أو غير مباشر. وتستخدم إيران هذه المعادن الثمينة للالتفاف على العقوبات التي تمنعها من الدخول إلى النظام المصرفي.
وقد جاء في "وول ستريت جيرنال" في 30 تشرين الثاني/نوفمبر: " أقرَ مجلس الشيوخ يوم الجمعة إجراءً يشدد العقوبات ضد إيران ... يمنع التشريع الجديد نقل المعادن الثمينة إلى إيران, بما في ذلك الذهب. ومن المتوقع أن يصادق البيت [الأبيض] على العقوبات بشكل سريع. تأتي مبادرة المجلس بعد أن قام أوباما, بصمت, بتمكين وزارة المالية خلال الصيف من فرض العقوبات على أي شخص أجنبي أو شركة أجنبية تساعد إيران في الحصول على دولارات أمريكية أو معادن ثمينة, تبعاً لمسؤولين أمريكيين."
أهلاً بكم إلى الشرق الأوسط ما بعد – الأمريكي. تطالب تركيا "منظمة معاهدة شمال الأطلسي" (الناتو) بنصب صواريخ باتريوت على الحدود السورية لدعم المتمردين في القتال ضد حليف إيران الأساسي في المنطقة, الرئيس السوري بشار الأسد, بينما تلعب دورَ الممول الرئيسي لإيران. رئيس الوزراء التركي رجب طيب إيردوغان هو النسيب الجيوسياسي ﻠ "الموهوب .. السيد ريبلي ", بطل رواية باتريشا هايسميث المضطرب عقلياً. كيف ينجو بفعلته هذه؟ لأن كل دولة من الدول التي يمكن أن تحاسبَه قلقة من أن المنطقة ستكون أسوأ بدونه.
الصادرات التركية, مع ودون المعادن الثمينة
إن شحنات تركيا من الذهب إلى إيران كبيرة بشكل يكفي لتترك أثراً كبيراً على عجز الحساب الجاري الضخم للبلد. فبنسبة سنوية تبلغ 17 مليار دولار أمريكي, تشكل صادرات تركيا من الذهب 2.2% من الناتج المحلي الإجمالي التركي. ودون هذه الصادرات فإن التحسُن الإسمي في عجز البلد التجاري المتضخم (البالغ 7.5% "فقط" من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة مع العجز في السنة الماضية الذي بلغ 10%) سوف يتلاشى.
الدَين التركي الخارجي قصير الأمَد, الإجمالي والمَدين للمصارف
كيف تمكنت تركيا من إقناع العالم بأنها دولة ناجحة اقتصادياً مع أن عجزها الاقتصادي مساوٍ لعجز اليونان انهيار الموارد المالية لهذه الأخيرة؟ إن دَينَ تركيا الخارجي منخفض نسبياً, على الرغم من أنه في ازدياد يبعث على القلق. والشيء الأكثر إقلاقاً هو الطريقة التي يتزايد بها. فقد ارتفع دَينُ البلاد الخارجي قصيرُ الأمد مرتين ونصف منذ أزمة 2008, وثلثا الدين قصير الأمد مَدين للمصارف. وتشير الدلائل, المتضمنة في الحكايات والنوادر السائدة, إلى أن معظم الأموال المتداوَلة بين المصارف تأتي من السعودية ودول الخليج الأخرى.
رَسَنُ إيردوغان قصير. ففي حال توقفت السعودية عن تسديد التزامات المصارف التركية, سوف تنهار البلد خلال أسبوعين.
في مطلع هذه السنة, كنت أعتقد أن هذه العيوب البنيوية سوف تمنع المستثمرين من الاقتراب من البورصة التركية, كما حصل في سنة 2011. لكنني قللتُ من أهمية استجابة العالم لضعف تركيا. فقد استمرت الأموال في التدفق إلى تركيا (بالإضافة إلى المشتقات النفطية الإيرانية, ربما بأسعار مخفضة مقابل الذهب التركي), مما أدى إلى ازدهار البورصة.
مؤشر التمويل التركي
لدى السعوديين, الذين يستمرون في تغطية العجز الضخم في الحساب الجاري التركي, العديد من الأسباب الصغيرة لكرهِ السيد إيردوغان. فهو يزود عدوتهم إيران بما تحتاجه؛ ويدعم الإخوان المسلمين في سورية كبديل لنظام الأسد (والسعوديون يكرهون الإخوان المسلمين ويخشونهم لأسباب وجيهة)؛ كما أن لدى إيردوغان طموحات عثمانية جديدة تغضِب السعوديين الذين يعتبرون أنفسَهم القائدَ الأخلاقي للعالم السني.
ومع ذلك, لدى السعوديين سبب كبير للاستمرار في دعم تركيا. هناك ثلاثة جيوش سنية كبيرة فقط في العالم يمكنها الوقوف في وجه إيران. أحدها ينتمي إلى دولة واهنة هي باكستان؛ والثاني تحت سيطرة الإخوان المسلمين في مصر؛ والثالث, والأقوى, هو الجيش التركي. وبغض النظر عن الألعاب الجانبية التي تلعبها تركيا مع إيران, إلا أنها لا تريد لإيران أن تصبحَ قوة إقليمية مهيمنة. لهذا السبب تقوم السعودية بحماية إيردوغان.
روسيا, التي تمتلك تأثيراً قوياً على تركيا من خلال موقعها بصفتها ممول الطاقة الرئيسي لتركيا, تجد نفسَها في الجهة المقابلة لتركيا في ... [الأزمة] السورية. ومن المحتمل أن تقوم صواريخ باتريوت التي طالب إيردوغان الناتو بها بإسقاط الطائرات التي تزود بها روسيا النظامَ السوري.
مع ذلك, لدى روسيا سبب وجيه للمحافظة على الاستقرار في تركيا. فخلال الأشهر الثلاثة الأخيرة, زعمت روسيا أنها قتلت أكثر من 300 إرهابي مسلم في القوقاز. لاحظوا أن روسيا لم تعلن عن القبض على أي إرهابي أو سَجنه؛ هناك قتلى فقط. وعلى الرغم من شكوكها حول النظام التركي, لا تزال روسيا تأمل في مساعدة تركيا لإعادة الاستقرار إلى حدودها الجنوبية. ومع تواجد أكثر من 10 ملايين من العمال الضيوف من تركيا أو من الجمهوريات التوركمانية [أذربيجان, قرغيزيا, إلخ] الذين يعملون الآن في روسيا, فإن لدى موسكو مصلحة في استقرار تركيا.
تستمر إدارة أوباما في اعتبار إيردوغان حليفَ أمريكا الرئيسي في المنطقة, على الرغم من دعم إيردوغان المزعج ﻠ "حماس". وبالرغم من الاختلافات البسيطة إلا أن أوباما وإيردوغان متفقان على نقطة أساسية في الإستراتيجية: أن الإخوان المسلمين يمثلون مستقبلَ العالم العربي.
من المرجح أن يخيبَ أملُ الاثنين معاً.
كما نوهتُ على هذا الموقع في 10 تشرين الأول/أكتوبر, يهدد تداعي سورية في دفع الأكراد إلى الأمل في بناء دولة مستقلة من خلال تحريك مليونين من الأكراد يعيشون في هذا البلد. وتأمل تركيا أن نظاماً سنياً بقيادة الإخوان المسلمين سوف يعمل على قمع القوى النابذة التي تهدد بتحويل الأكراد إلى لاعب مستقل. لا أعتقد أن هذا المشروع سينجح لعدة أسباب أهمها أن السعودية لا تريد له النجاح. وفي هذه الأثناء, يتحول نجاح الإخوان المسلمين البارز في مصر إلى فشل مرير.
سواء اجتاز محمد مرسي الأزمة التي ولدها استحواذه على سلطات دكتاتورية الأسبوع الماضي أم لا, سوف تبقى مصر مزعزعة لفترة طويلة. فمن المرجح أن تتحول دكتاتورية الإخوان المسلمين إلى شيء أقربَ إلى كوريا الشمالية على نهر النيل.
لا أزال أعتقد أن فقاعة تركيا الاقتصادية سوف تنفجر – في نهاية المطاف – ولكن طالما أن بدائلَ الموهوب السيد إيردوغان تبدو أسوأ منه بكثير, فسوف يتآمر شركاؤه وخصومه على إبقائه في منصبه.
تُرجم عن: "إيشا تايمز أونلاين", 4 كانون الأول/ديسمبر 2012)
الجمل: قسم الترجمة
إضافة تعليق جديد