أزمة الغاز في سورية: دور تجار الأزمات في ظل غياب الرقابة
يأتي اشتداد الأزمة الشاملة في سورية مع قرب انتهاء العام الثاني لظهورها، وانعكاساتها الحادة على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبنية لتكرّس المزيد من التدهور، ولتعمّق الكثير من المآسي الإنسانية بكل تجلياتها المعيشية والأمنية في العديد من المناطق في المحافظات.
يأتي هذا الاشتداد للأزمة المركبة في ظل الصراع الدامي بين طرفي الحل العسكري ( المتشددين في النظام والمعارضة) وضمن سياق رفضهم للحل السياسي، وتحميل الشعب السوري الثمن الباهظ لفاتورة صراعهم في ظل غياب الدولة عن أداء دورها المطلوب للشعب أمناً واستقراراً وتأميناً للقمة عيشهم وصون كرامتهم كمواطنين.
في ظل هذه الأزمة أصبح الشعب في سورية، أكثر من قبل، فريسة سهلة أمام تجار الأزمات وعرضة للاستغلال من كبار التجار وصغارهم، الذين وجدوا في الظروف التي تعيشها سورية بيئة مناسبة لجني أرباح مضاعفة، حتى وإن كان ذلك على حساب قوت المواطن الفقير، الذي يعاني الأمرّين من نقص حاد في المواد الأساسية الضرورية لحياته المعيشية اليومية.
وفي هذا السياق تعتبر «المحروقات» من أهم هذه المستلزمات المعيشية اليومية، خصوصاً في فصل الشتاء الحالي، كما تعتبر مادة المحروقات مصدر طمع بعض ضعاف النفوس من كبار التجار وأتباعهم من الصغار، مستغلين غياب جهاز الرقابة والتموين، مما سبب في ظهور أزمات عدة كأزمة «المازوت، والغاز» التي بات يرى فيها معظم الفاسدين والمستغلين وصفة سحرية لـ «للاغتناء السريع»، الأمر الذي يبرر سعي عدد كبير من الحالمين بالثروة للحصول على رخصة لتوزيع إحدى مادتي «المازوت أو الغاز»، الأمر الذي ساهم في زيادة عدد المستغلين لمقدرات المواطن السوري، لبيعها بالعلن بأسعار خرافية تفوق السعر الذي حددته الدولة، مستغلين غياب جهاز الرقابة والتموين، فعبوة الغاز الواحدة بات يتراوح سعرها مابين «800 إلى 4000» ل.س بحسب المنطقة ودرجة التوتر فيها، علماً أن سعر الرسمي لعبوة الغاز في ظل الأزمة يقدر «500»ل.س، وهو السعر الذي تأرجح بين الصعود والهبوط خلال الفترات السابقة.
الغاز في دمشق:
وصل سعر عبوة الغاز في مدينة دمشق إلى «2500» ل.س رغم قربها من مركز توزيع الغاز الرئيسي في منطقة عدرا، والذي يقوم بتوزيع مادة «الغاز» على الموزعين يومياً بحمولة محددة لكل موزع، بهدف تأمين حاجة كل منطقة، إلا أن هذه الكميات لا تصل إلى المواطن بشكل كامل لعدة أسباب، من أهمها استغلال بعض ضعاف النفوس لبدلاتهم الرسمية، لإيقاف عربات نقل مادة «الغاز» من المركز الرئيسي إلى المراكز الفرعية، استبدال عدد كبير من عبوات الغاز تفوق حاجتهم فيما لو كانوا يأخذونها للاستعمال الشخصي بسعر الرسمي، فالأعداد الكبيرة التي يقومون باستبدالها، يدل على أنها أخذت المتاجرة بها.
أحد الموزعين الفرعيين يتحدث عن معاناته التي يعاني منها أثناء نقل حمولة الغاز من المركز الرئيسي إلى المراكز الفرعية:
ــ «سائق عربة النقل»: عندما نقوم بنقل حمولة الغاز نتعرض للإيقاف من الحواجز الأمنية، الذين يقومون باستبدال عدد كبير من عبوات الغاز قد تصل إلى «20» عبوة في كل مرة توقيف على أحد الحواجز الأمنية، إضافة إلى تعرض بعض المجموعات المسلحة لعربات نقل مادة الغاز، وفي كلا الحالتين الخاسر هو الموزع الذي دفع ثمن الحمولة من جيبه، قبل أن يخسر المواطن حصته بالحصول على هذه المادة بسعر رسمي.
ومن الأسباب التي ساهمت في تفاقم أزمة «الغاز»، تلاعب قسم من الموزعين الفرعيين بأسعار هذه المادة، من خلال بيع عدد قليل من الحمولة المخصصة لهم في مركزه بسعر الرسمي لعدد محدود من المواطنين، المقـدر بـ«500» ل.س، ويعمدون لأخفاء باقي الحمولة لبيعها ليلاً في المنطقة نفسها الموجود فيها أو بأماكن أخرى غير التي خصصت لها الحمولة بأسعار مرتفعة، تصل لـ «2500» ل.س، وهم بذلك يجنون أرباحاً مضاعفة تصل إلى أربعة أضعاف السعر الرسمي للعبوة الواحدة .
ــ أحد سكان الجسر الأبيض : كلما سمعنا بوصول مادة «الغاز» إلى المركز سارعنا للحصول على عبوة واحدة وإذا بالكمية لا تكفي إلا عدداً قليلاً من الناس، وعندما نسأل الموزع، يتذرع بقلة الكمية التي خصصت له، لكن نفاجأ بأشخاص يحملون عبوات بعد نفاد الكمية بفترة، قد اشتروها بسعر «2500» ل.س، من نفس الموزع، بحسب أهالي المنطقة، حيث الموزع يقوم بتخزين جزء من الحمولة في مكان أخر غير المركز المخصص لتوزيعه، لبيعها بأسعار مرتفعة.
مركز مساكن برزة:
لا تختلف معاناة أهالي مساكن برزة في تأمين مادة «الغاز» عن باقي المناطق في محافظة دمشق والمحافظات الأخرى، إلا أن لمعاناتهم فصلاً يضاف إلى الفصول السابقة التي ذكرت، وبهذا السياق، وردتنا أيضاً عدة شكاوى على لسان عدد من المواطنين، وجميع روايات الأهالي تصب في نفس المعاناة، وسنكتفي بـ حديث إحدى الشكاوى مثالاً نموذجياً لجميع الحالات المشابهة:
ــ « أ.ال » : ما يحدث في مركز توزيع مادة «الغاز» في مساكن برزة، يجب الحديث عنه عل المعنيين يجدون حلاً لما يحدث، بينما نحن واقفون في طابور الدور بأعداد كبيرة للحصول على عبوة غاز واحدة، يدخل عدد من العسكريين ويقومون باستبداد أعداد كبيرة من العبوات، يتراوح عددها بين «10إلى 20» عبوة دون الحاجة للوقوف في طابور الدور كما يفعل المواطن العادي، لكن المشكلة الأكبر تكمن في السيارة الرسمية التي تأتي للمركز لتقوم باستبدال أعداد كبيرة من العبوات رغم علمهم بقلة الكمية المتوفرة في المركز، والتي لا تكفي مع حجم الطلب على هذه المادة في المنطقة، عندما يحتج المواطنون يكون الرد من العناصر بأن هذه العبوات لـ «فلان وعلان».
وفي إحدى المرات عندما زاد احتجاج المواطنين الواقفين في طابور الدور، انهال عدد من العناصر عليهم بالضرب، وإطلاق عدد من الرصاصات في الهواء لإسكات المحتجين، هي معاناة يومية يصادفها المواطن في منطقة مساكن برزة كلما توفرت مادة «الغاز» في هذا المركز.
تسأل المواطنة «أ.ال» ألم يتم الحديث رسمياً في وسائل الإعلام عن تخصيص مراكز توزيع خاصة لتأمين حاجة العسكريين من مادة «الغاز»، وإن اضطروا لأخذ هذه المادة من مراكز المدينة لماذا لا يكتفون بعبوة واحدة بل يقومون باستبدال عشرات العبوات، وعلى حساب المواطن العادي .
مخيم الوافدين:
يعتبر تجمع مخيم الوافدين لـ«نازحين من أبناء الجولان المحتل» من أقرب المناطق لـ «مركز توزيع الغاز» في منطقة عدرا والتي لا يبعد عنها سوى بضعة كيلو مترات، إلا أنها تعاني من عدم توفر مادة «الغاز» رغم كثرة مراكز التوزيع الفرعية في التجمع المذكور، الذي يعتمد على نظام القسائم، أي التسجيل المسبق في دار البلدية للحصول على قسيمة تخول صاحبها شراء عبوة واحدة لكل شخص يحمل «بطاقة عائلية»، إلا أن الشكاوى التي وردتنا تفيد بعدم توفر مادة الغاز لدى عدد من أهالي التجمع منذ أكثر من شهر، رغم حصولهم على قسيمة (علماً أن القسائم توزع على المراكز الفرعية، بحسب عدد العبوات المخصصة لكل مركز، ويكون لدى صاحب المركز سجل بعدد أسماء الذين تم تسجيلهم لديه بشكل مساوي لعدد العبوات الموجودة لديه)، إلا أن معظم حاملي القسائم لا يحصلون على نصيبهم من مادة «الغاز»، إما بحجة عدم كفاية الكمية للأعداد الموجودة في السجل أو بسبب إقفال صاحب المركز لمركزه عند توفر مادة «الغاز» .
ــ «م.ع»: منذ ثلاثة أسابيع ونحن نستخدم السخان الكهربائي لطهي الطعام، بسبب عدم توفر مادة الغاز، رغم حصولي على قسيمة، في كل مرة نقصد مركز توزيع مادة «الغاز» عند وصولنا إلى المركز نجده مغلقاً، وعندما نلتقي بالموزع مصادفة، يتذرع بنفاد الكمية، لنضطر بعدها، لإعادة التسجيل من الجديد في دار البلدية والانتظار لأسبوع آخر، هذه المرة الرابعة التي أقوم فيها بالتسجيل على عبوة «غاز» خلال شهر واحد، فإن كان لكل مركز عدد محدد من القسائم تحول إليه مساوية لعدد العبوات التي تصله، لماذا يتذرع صاحب المركز بعدم كفاية الكمية، علماً أننا نسمع ونشاهد أشخاصاً من التجمع يحصلون على عبوات غاز بعد فترة نفاذها بأسعار مرتفعة، تتراوح بين «800 إلى 1200» فمن أين تنبع عبوات الغاز التي تباع بأسعار مرتفعة.
ــ « ع.ح »: خلال الشهر الماضي قمت بالتسجيل ثلاث مرات على عبوة «غاز»، لم أحصل عليها، للحجج الواهية نفسها، في الوقت الذي نسمع فيه بأن الغاز المخصص لتجمع مخيم الوافدين يباع بأسعار مرتفعة في ضاحية المخيم وضاحية حرستا بأسعار مرتفعة، يتراوح بين «1000 إلى 1500»ل.س، فأحدهم أخبرني بأنه يستطيع تأمين لي عبوة «غاز» فوراً بسعر «1000»ل.س.
وبحسب «ع ،ح»، لأن موزعين «الغاز» في تجمع مخيم الوافدين يعمدون إلى إخفاء جزء من مخصصاتهم من مادة «الغاز» في محلات تجارية أخرى مجاورة لمراكزهم أو في شوارع أخرى، ومنها تباع عبوات «الغاز» المخبأة ليلاً مستغلين غياب الرقابة والتموين نتيجة الظروف الأمنية المتردية، بفعل الأزمة التي تعيشها سورية.
وللتأكد مما يقال عن إخفاء الموزعين لمادة الغاز وبيعها ليلاً، تمكنا من رصد بعض الحالات التي يتم فيها بيع مادة الغاز ليلاً بالسر، كما تمكنت من رصد عدد من المحال السرية المخصصة لإخفاء مادة الغاز بهدف بيعها بأسعار مرتفعة بالخفاء، خلال جولة قامت بها ليلاً برفقة أحد سكان التجمع.
أزمة الغاز في المحافظات:
إن أزمة مادة «الغاز» في سورية، يتسع حجمها لتشمل معظم المحافظات السورية كغيرها من الأزمات الأخرى كـ «المازوت والخبز»، لكن حدة الأزمات تختلف بحسب حدة التوتر الأمني وانتشار العنف والعنف المضاد، وغياب الأمن على طرقات النقل بين المحافظات ما أدى إلى قلة كمية مادة «الغاز» التي تصل إلى المحافظات، كما أن سعر مادة «الغاز» يزداد من محافظة لأخرى للأسباب نفسها المذكورة أعلاه.
فعبوة « الغاز » في ريف دمشق تصل إلى «2500» ل.س ،وهي بذلك أقل من باقي المحافظات بسبب قربها من محافظة دمشق، يزداد سعر عبوة الغاز كلما ابتعدنا عن العاصمة بسبب الظروف الأمنية وانتشار العنف والعنف المضاد، مما يجعل مهمة جهاز الرقابة والتموين أصعب في ضبط أسعار المواد الأساسية كـ «المحروقات، والمواد الغذائية»، أما سعر عبوة الغاز في حمص وحماه فيتراوح بين «2500 إلى 3500» ل.س، وفي حلب وإدلب ودير الزور وصل سعر العبوة الواحدة إلى «5000» ل.س، بسبب تصاعد وتيرة العنف والعنف المضاد.
إلا أن أزمة «الغاز» ليست الأزمة الوحيدة التي يعاني منها المواطن في سورية، فعدد من الأزمات التي تمس حاجات المواطن ظهرت وبدأت بالتفاقم، وهي مهددة بالتصاعد فيما لو استمر انتشار العنف والعنف المضاد في معظم أرجاء سورية، والتي بدورها ستحد من قدرة الجهات الرسمية في ضبط الأسعار وحماية المواطن من طمع وجشع المستغلين من تجار الأزمات، والخاسر الوحيد وسط كل هذه الأزمات التي تعصف بالبلد لن يكون سوى الشعب السوري.
فهل من حل سياسي شامل يضيق الخناق على أطراف الحل العسكري المدمّر للبنية الاجتماعية بكل مستوياتها، يبلور بداية انفراج على طريق الاستجابة الحقيقية للمطالب والمشاكل المعيشية العاجلة للشعب السوري؟.
ماهر فرج
المصدر: قاسيون
إضافة تعليق جديد