استقالة فياض بين الجمود الفلسطيني وجهود كيري
فتحت استقالة رئيس الحكومة الفلسطينية سلام فياض الباب في الضفة الغربية على مصراعيه، بعدما ألقت بثقلها على حال الشعب الفلسطيني المأزوم مالياً وسياسياً واقتصادياً، وفي ظل تزايد الأنباء عن خطط أميركية جديدة في المنطقة قد تعيد إطلاق العملية السلمية. ويضاف إلى ذلك، عدم وجود أي مؤشرات على قرب تحقيق المصالحة الفلسطينية، التي لطالما اعتبر البعض أن فياض كان عقبة في طريقها.
وبعد أسابيع عدة من الحديث حول خلاف نشب بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس وفياض، بسبب قبول الأخير لاستقالة وزير المالية نبيل قسيس، تحقق أمس الأول ما توقعه الكثيرون. قدم فياض استقالته إلى عباس، وما كان من الأخير إلا أن وافق عليها، خصوصاً أن رئيس الحكومة المستقيل بقي مصراً على موقفه بعدم إعادة قسيس إلى منصبه. وربما استقالة وزير المالية ليست سوى واجهة لخلافات أعمق بين الرجلين.
وتبقى التساؤلات المطروحة في الأراضي الفلسطينية حالياً: ماذا بعد، مصالحة أم مفاوضات أم بقاء الحال على ما هو عليه؟ أم ان استقالة فياض قد تكون طلقة الرحمة الأولى على السلطة الفلسطينية الهشة؟
يقول الكاتب والمحلل السياسي خليل شاهين لـ«السفير» إنه «على صعيد المصالحة الفلسطينية، لا أرى أن استقالة فياض ستغير شيئاً، فتطور المصالحة مرهون بالإرادة السياسية لحماس وفتح، والأقوال التي كانت تروج أن فياض كان عقبة في طريقها لم تكن صحيحة».
أما على الصعيد السياسي، يعتبر شاهين أن بقاء فياض كان احد رهانات المجتمع الدولي، الذي كان «راضيا عن الوضع الفلسطيني الداخلي تحت إدارة فياض، فهو يرى أن الأخير حافظ على حالة من الاستقرار الاقتصادي والأمني، ومضى قدما في تحقيق عملية التنمية، إلى جانب ما قام به في سبيل مكافحة الفساد، وتعزيز الشفافية، وتحقيق الإصلاحات».
وفي ما يتعلق بما قد يرافق استقالة فياض من الناحية السياسية. يرى شاهين أن التغير في الملف السياسي سيكون مرتبطاً بالجهود الأميركية من جهة، والمصالحة الفلسطينية من جهة ثانية. وأوضح أن «الرئيس الفلسطيني محمود عباس منح الجانب الأميركي مهلة أسابيع لإعطائه فرصة لتحريك عملية السلام، وبالتالي هو قد ينتظر من أسبوعين إلى ثلاثة لمعرفة هذه النتائج، قبل تكليف شخصية جديدة لرئاسة الحكومة». وأضاف: «لكن هو أيضا لن يشكل هذه الحكومة إلا بعد أن يتأكد من عدم إمكانية تحقيق مصالحة مع حماس، فإذا تحققت هذه المصالحة، سيترأس هو حكومة الوحدة الوطنية التي ستشرف على انتخابات عامة».
وفي محاولة لتطويق الأوضاع بعد استقالة فياض المثيرة للجدل، أطلقت مبادرات فلسطينية، خصوصاً في ظل التساؤلات حول بديل رجل استمر في منصبه سبع سنوات تخللتها انجازات عديدة، ولا شك رافقها بعض الإخفاقات.
وقدم الأمين العام لـ«حزب الشعب الفلسطيني» بسام الصالحي مبادرة من أربع نقاط لاحتواء الأزمة الحالية، تقوم على التالي: «استقالة رئيس حكومة حماس في غزة إسماعيل هنية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وعقد جلسة طارئة للبرلمان، بموازاة جهود لعقد انتخابات عامة في غضون ثلاثة إلى ستة أشهر».
ويبقى احتمال تحقيق المصالحة هو الأمل الوحيد، الذي قد يعيد رسم الساحة السياسية الفلسطينية من جديد، وعدم استمرار وجود دولتين محتلتين تسيطران على أقل من 30 في المئة من مساحة أراضي الدولة الفلسطينية التي اقرها اتفاق اوسلو. وربما وفي حال فشل تلك الجهود، لن يجد الفلسطينيون أنفسهم سوى أمام مخرج وحيد هو إحياء عملية السلام من خلال الجهود الأميركية.
وكانت مصادر فلسطينية قالت إن الجانب الفلسطيني أعطى وزير الخارجية الأميركي جون كيري مهلة شهر تقريباً من أجل بذل جهود لإحياء مسار السلام. ومن المفترض أن يزور كيري الأراضي الفلسطينية خلال الأسابيع المقبلة، لمناقشة قضايا من بينها الإفراج عن أسرى فلسطينيين، وتخفيف القيود على الحركة في الأراضي الفلسطينية، وإعطاء السلطة الفلسطينية السيطرة على مناطق جديدة.
الكاتب والمحلل السياسي هاني المصري قال إن «استقالة فياض قد تشكل محركاً لانهيار السلطة ليس لأنه استقال، وإنما لأنها تأتي بالتوازي مع جهود اللحظة الأخيرة لإحياء مفاوضات السلام، فضلاً عن الحراك الأخير لإحياء المصالحة المتعثرة».
وفي ظل الحديث عن سيناريوهات ما بعد استقالة فياض أيضاً، اعتبر المصري أن هناك أكثر من احتمال. وأوضح أنه «ربما الرئيس حالياً وبتحويل حكومة فياض الحالية إلى حكومة تسير إعمال، لم يغير شيئاً، فقد تستمر هذه الحكومة بهذه الصفة لسنوات. أما الاحتمال الثاني، فهو أن الرئيس سيبقي حكومة تسيير أعمال ما بين شهرين إلى ثلاثة حتى يعرف نتائج جهود كيري وجهود إطلاق المصالحة». وأشار إلى أنه «وفي حال لم يتحقق هذا ولا ذاك، فقد يكون السيناريو الذي يجب أن يناقش هو التالي: ألم يحن الوقت لتغير النهج كله، وإعادة النظر في وظائف السلطة، والتزاماتها مع إسرائيل، وما وُقع معها من اتفاقات؟».
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد