"اختراق دبلوماسي" هزيل في المشكلة السورية
الجمل -قسم الترجمة- أليساندرا باجتش- ترجمة: د.مالك سلمان:
بينما يحضر وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف ووزير الخارجية الأمريكية جون كيري لمؤتمر دولي في جنيف هذا الشهر, يلوح في الأفق السوري سباق تسليح تشترك فيه قوى خارجية. فقد فشل أعضاء الاتحاد الأوروبي اﻠ 27 في تجديد قرار حظر توريد السلاح, مما يمهد الطريق أمام بريطانيا وفرنسا للسماح بتوريد الأسلحة للمتمردين السوريين. وقد ردت روسيا بأنها ستبيع نظام الأسد صواريخَ متطورة مضادة للطائرات.
وبينما تقوم القوى الدولية بدفع الحكومة السورية والمعارضة إلى حضور المؤتمر, لا يزال الزمان والأجندة ولائحة الحضور غامضة.
حتى الآن, يبدو أن هناك مؤشرات تدل على أن القرارات التي اتخذها اللاعبون الإقليميون يمكن أن تصعدَ الحرب السورية, التي ذهب ضحيتها أكثر من 80,000 شخصاً مع دخولها عامَها الثالث.
قام بيبي إسكوبار, مراسل "إيشا تايمز" في هونغ كونغ/تايلندا, بتغطية الشرق الأوسط منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي. ويقدم إسكوبار هنا آراءَه حول الأحداث الأخيرة في سوريا.
تحاول الولايات المتحدة وروسيا جمعَ ممثلين عن طرفي النزاع السوري إلى طاولة المفاوضات. ما هو التقدم الذي تم إحرازه حتى الآن؟
إسكوبار: يبذلان كل ما بوسعهما لعقد هذا المؤتمر, فإذا فشل سوف تخسر وزارة الخارجية الأمريكية ووزارة الخارجية الروسية ماء وجهيهما. المعارضة نفسها مكونة من خليط كبير من الفصائل, والمنشقين, والجهاديين – والكثير منهم مرتبط بعصابات القاعدة والانتهازيين فيها. ومن العسير جداً جمع هؤلاء معاً. فهناك شيء واحد يمكنهم الاتفاق عليه, وهو رحيل الأسد, ولكن ليس لديهم أي سياسة لسوريا.
إضافة إلى ذلك, تقوم قطر والسعودية بإعاقة مؤتمر السلام سلفاً, وتعارضان حضور إيران. لكن إيران لاعب رئيس فيما يحدث. يجب على الجميع الجلوس إلى طاولة المفاوضات, بما في ذلك تركيا وإسرائيل وحزب الله.
تم إعلان خطة السلام برعاية أمريكا وروسيا في خضم دعوات متزايدة للرئيس أوباما للتدخل في سوريا من خلال تزويد المتمردين بالأسلحة الفتاكة. ما هي الخيارات المتوفرة لواشنطن؟
إسكوبار: أحد الخيارات هو إقامة منطقة حظر جوي فوق سوريا, والذي تدرك الولايات المتحدة الآن أنه مستحيل من الناحية السياسية. حيث إن روسيا والصين ستستخدمان الفيتو في الأمم المتحدة (كما استخدمتاه للاعتراض على قرارات سابقة مدعومة من الغرب في "مجلس الأمن"). وبالمقابل, سيكون على الولايات المتحدة تجاوز الناتو, لكن روسيا والصين ستقومان بهجوم عكسي ثانية. ففي داخل الاتحاد الأوروبي والناتو, الجميع ضد هذا التدخل باستثناء بريطانيا وفرنسا والدنمارك.
الإمكانية الأخرى هي تسليح قوات المعارضة بشكل كامل, لكن وزارة الخارجية أعادت التفكير في الموضوع لعجزها عن معرفة الأماكن التي ستذهب إليها هذه الأسلحة داخل سوريا.
الخيار الثالث يتمثل في تكليف الحلفاء بإدارة الحرب, وهذا ما يحدث. فمعظم التمويل الحربي يأتي من السعودية وقطر, مع الدعم اللوجستي من تركيا, ومساعدة قوية من "سي آي إيه". ولأن أوباما متردد في توريط الولايات المتحدة بشكل مباشر في حرب أخرى, نراه يقود من الخلف بحيث يضمن خروجاً آمناً في حالة خرج الوضع عن السيطرة.
جاءت زيارة كيري إلى موسكو بعد أيام فقط من شن إسرائيل هجومين جويين على مواقع ذخيرة مشتبه بها داخل سوريا. هل كانت إسرائيل تهدف إلى إضعاف حزب الله فقط؟
إسكوبار: إسرائيل لا تفعل أي شيء دون موافقة واشنطن. فقد أعطى البنتاغون الضوءَ الأخضر لإسرائيل لقصف المنشآت العسكرية في سوريا. وبعد ذلك, أعلنت إسرائيل أن الغارة الجوية استهدفت مواقعَ عسكرية لإيقاف نقل الأسلحة المزعوم من إيران إلى حزب الله عبر سوريا. الإسرائيليون مرعوبون من فكرة امتلاك حزب الله أسلحة أكثر تطوراً من سوريا أو إيران.
كما أن إسرائيل كانت تعرف أن سوريا لن ترد على الهجوم, لأن من شأن ذلك أن يعطي ذريعة مثالية للولايات المتحدة وتركيا وإسرائيل للشروع في حملة قصف "على الطريقة الليبية". فسوريا لا تشكل تهديداً لإسرائيل بأية طريقة.
كانت روسيا والولايات المتحدة على خلاف منذ بدء النزاع في سوريا. ما هي المسائل التي يمكن لهما أن يجدا فيها "أرضية مشتركة"؟
إسكوبار: لقد شكلَ اتفاقهما على "جنيف 2", في رأيي, أولَ اختراق منذ سنتين. لكن سوريا في غاية الأهمية بالنسبة إلى مصالح الناتو بعيدة المدى. إذ إن مدينة طرطوس الساحلية, الواقعة على البحر المتوسط, تحوي القاعدة الروسية الوحيدة في شرق المتوسط. والناتو لا يريد وجود تلك القاعدة الروسية بصفتها عائقاً أمام توسع الناتو عبر المتوسط. لكن هذا خط أحمر بالنسبة إلى موسكو.
الأمر لا يقتصر فقط على كون سوريا حليفاً موثوقاً لروسيا, وزبوناً جيداً, حيث إن طرطوس تشكل قناة رئيسة للسفن الحربية الروسية. ولذلك من المؤكد أن بوتين لن يتخلى عن قاعدة طرطوس, وعلى الولايات المتحدة أن تسلمَ بذلك إذ ليس بمقدورها تقديم أي شيء بدلاً مقابل هذه القاعدة.
وفوق ذلك, تخشى موسكو من زعزعة الاستقرار وتأثيره على روسيا في حال وصول حكومة سنية أصولية, يمكن أن تكون متحالفة مع الجهاديين, إلى السلطة. فسوريا ليست بعيدة جداً عن الشيشان في نهاية المطاف.
الحل المثالي بالنسبة إلى الروس يتمثل في العمل على تحقيق انتقال دبلوماسي في سوريا, سواء بوجود حكومة الأسد أو حكومة أخرى. لكنهم لا يقبلون تغيير النظام بالقوة من قبل القوى الغربية وحلفائها العرب في الخليج.
كيف يمكن أن يكون شكل سوريا بعد الأسد؟
إسكوبار: لا أحد يعرف ماذا سيحدث لاحقاً. يمكن أن تكون حكومة إخوان إسلامويين أو حاكم سني متطرف جداً. إسرائيل تفضل التعامل مع ‘الشيطان’ الذي تعرفه (الأسد). ويعتقد بعض الجنرالات في وزارة الخارجية الأمريكية الآن أنه من الأفضل بقاء الأسد في السلطة. حتى تركيا بدأت بإعادة التفكير في الأمر.
ماذا يمكن أن يحدث في حال تقدم المتمردين على الأرض في سوريا؟
إسكوبار: رأينا سلفاً في بعض أحياء حلب أمثلة على ما يمكن أن يحدث. فمن المناطق التي تسيطر عليها بعض أطراف المعارضة, ظهرت تقارير تتحدث عن اعتقال المتمردين للنساء, وتطبيق قانون الشريعة, وقطع رؤوس الناس. ففي الأحياء الرئيسة في حلب, انقلب الناس على المعارضة عندما شاهدوا ما تفعله هذه العصابات بمدينتهم.
أصحاب المحلات التجارية في دمشق القديمة – والعديد منهم مسيحيون – خائفون حتى الموت, حيث يتوقعون أنه في حال سيطرة المعارضة على دمشق, فسوف يأتي الجهاديون ويشرعوا في قتل المسيحيين والعلويين, وتأسيس الإمارات الصغيرة داخل سوريا.
يبقى موضوع مصير الأسد غامضاً, بينما ترفض المعارضة السورية أي خطة لا تستبعد الأسد من المفاوضات. كيف يمكن لذلك أن يشكل تحدياً لخطة السلام الأمريكية – الروسية؟
إسكوبار: هذا يعتمد على المواضيع التي سيناقشونها في مؤتمر جنيف. فإذا تحدد عقد المؤتمر, وإذا كان كافة اللاعبين سيجلسون إلى طاولة المفاوضات, فسوف يكون عليهم التفاوض على حلٍ يبقي على الأسد في المرحلة الانتقالية. فحتى لو تم الاتفاق على عدم ترشح الأسد للانتخابات العام القادم, فإنه سيبقى في السلطة إلى ذلك الوقت.
إذا كان هناك تفاوض جدي مع المعارضة السورية, يمكن أن يتفق اللاعبون على طاولة المفاوضات على خارطة طريق حتى سنة 2014. فمن المستحيل حصول محادثات جدية عندما تكون هناك شروط مسبقة للبدء بعملية انتقال سياسي. وهو نفس الخط الرسمي الذي تصر عليه إدارة أوباما, "على الأسد أن يذهب". في الوقت الحالي, لافروف هو الدبلوماسي الأكثر خبرة بين جميع الأشخاص الذين يرتبون للمؤتمر.
لماذا علينا أن نتوقع أن يكون هذا الجهد الدبلوماسي الأخير أكثر نجاحاً من المحاولات السابقة؟
إسكوبار: الحل الحقيقي للأزمة السورية بشير إلى انتخابات 2014, تبعاً للدستور السوري الذي وافق عليه معظم الناخبين السوريين السنة الماضية – وهو شيء لا يأتي الإعلام الغربي على ذكره مطلقاً.
الحل الوحيد هو نجاح مؤتمر "جنيف 2", في حال اتفقوا على وقف إطلاق النار, وخارطة طريق باتجاه انتخابات 2014, ولاحقاً حول تشكيل حكومة انتقالية.
إن محاولة العديد من الدول إعاقة محادثات السلام ليست مؤشراً جيداً. ويجب على القوى الكبيرة أن تظهر أنها تسعى إلى إيجاد حلٍ أثناء التحضيرات للمؤتمر, لكنها لا تقوم بذلك, وتتبع سياسة التأجيل.
هل هناك أي فرصة واقعية لرؤية مبادرة تضمن مصالح الشعب السوري وتحترم سيادته؟
إسكوبار: هناك على الأقل ست قوىً رئيسة متورطة في الأزمة, ولكل منها أجندته المختلفة. لم يعد أحد يهتم بالشعب السوري. فالسوريون مستبعَدون تماماً عن تقرير مصير بلدهم. يفضل الكثيرون عدم بقاء الأسد في السلطة, كما أنهم لا يريدون للمعارضة أن تحكمهم. إنهم يطمحون إلى انتخابات حرة ونزيهة, ويأملون في عملية انتقال سياسي. لكن ذلك لن يحدث.
في حال فشل اجتماع جنيف, هل سنرى نزاعاً مسلحاً مفتوحاً إلى ما لا نهاية؟
إسكوبار: يتعرض مؤتمر "جنيف 2" للهجوم حتى قبل انعقاده, لذلك من المرجح أن يفشل المؤتمر. وفي تلك الحالة, يجب أن نتوقع حرباً أكثر شراسة بعد ذلك. والخطوة التالية ستأتي من خلال تسليح الولايات المتحدة لمسلحي المعارضة بشكل مباشر. وعندها سيكون من المستحيل منع وقوع الأسلحة في الأيادي الخطأ.
وإذا قام الحلفاء الغربيون بتزويد المتمردين بأسلحة حديثة فعلاً, مع ضخ مزيد من الأموال من قبل الملكيات الخليجية, سوف ترد روسيا بتزويد الجيش السوري بصواريخ أكثر تطوراً. وإذا تم استخدام هذه الأسلحة داخل سوريا, سوف يتضاعف عدد القتلى. وسوف نرى إعادة لما حصل في أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي. سوف تكون حرباً طويلة الأمد تنتهي باغتيال الأسد, أو تنحيه, أو مغادرته البلد. ويراهن العديد على حرب أهلية طويلة على نمط الحرب اللبنانية في سبعينيات القرن الماضي.
تُرجم عن ("كاونتر بنتش", 31 أيار/مايو – 2 حزيران/يونيو 2013)
الجمل: قسم الترجمة
إضافة تعليق جديد