ثياب الإمبراطورية:الإمبريالية العارية و "التدخل الإنساني"
الجمل- آجامو بركة- ترجمة: د. مالك سلمان:
وصفَ بعض النقاد اليساريين واليمينيين مقالتي الأخيرة "سوريا وزيف التدخل الإنساني" [نشرت مترجمة على موقع "الجمل"] بأنها إدانة قاسية وغير ضرورية لسياسة تسلح المجتمع الدولي بأداة ضرورية لحماية حقوق الإنسان وإنقاذ الأرواح البريئة.
لكن القرار الأخير الذي اتخذته إدارة أوباما بتصعيد الأمور في سوريا عن طريق تورط عسكري أكثر مباشرة أكدَ أطروحتي الأساسية القائلة إن ليس هناك علاقة بين "التدخل الإنساني" والأهداف الإنسانية, وهو عبارة عن أداة دعائية تقدم "للدولة الأمريكية الغطاءَ الإيديولوجيَ المثالي والتبريرَ الدولي للاستمرار بصفتها "جندرمة" النظام الرأسمالي.
انظروا إلى المسرحية المرتبة التي قادت إلى إعلان سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا والتي تم إخراجها الأسبوع الماضي في واشنطن. ففي إعادة سريالية للعملية التي قادت إلى الحرب على العراق, اتضحَ أنه بينما كان الجميع ينتظرون ليعرفوا نتائج الاجتماعات التي عقدها مسؤولون رفيعو المستوى في إدارة أوباما – والذين قيلَ لنا إنهم يناقشون الخطوة التالية في سياسة الولايات المتحدة حول سوريا – اكتشفنا, عوضاً عن ذلك, أن قرار زيادة تورطها المباشر في الحرب الأهلية التي أشعلتها في سوريا قد تم اتخاذه قبل أسابيعَ عدة. إذاً, كانت اجتماعات الأسبوع الماضي مجرد مسرحية سياسية وفرت للإدارة الخشبة لإعلان "النتائج" حول استخدام الأسلحة الكيماوية من قبل الحكومة في سوريا. وكما قال أحد المسؤولين, قدمت نتائج الأسلحة الكيماوية "تبريراً جديداً للتدخل".
عبر مراجعتها لخديعة "أسلحة الدمار الشامل", "أكدت" الحكومة أن القوات السورية قد استخدمت الأسلحة الكيماوية التي أودت بحياة أكثر من 100 شخصاً من بين 90,000 شخصاً ذهبوا ضحية النزاع. وبلا أية دلائل أو تحقيق مستقل, أعلنت الإدارة أنها مضطرة الآن للتورط بشكل أكثر مباشرة في النزاع لإنقاذ الشعب السوري من حكومته المجرمة.
ولكن, في علامة إيجابية دالة تبعث على الأمل, هناك شرائح ضخمة من الشعب الأمريكي لا تصدق هذه الادعاءات, على الأقل في الوقت الراهن. وربما بسبب التسريبات الأخيرة حول الهجوم الحكومي على الصحافة, أحجمت بعض المؤسسات الإعلامية عن التحدث باسم الحكومة بذلك الأسلوب الكثيف والعدواني الذي سبق الهجومَ على العراق.
ويمكن لذلك أن يفسرَ أيضاً سماح بعض المؤسسات الإعلامية الرسمية الأمريكية أخيراً بتقديم بعض المعلومات الأساسية والتحليلات حول النزاع في سوريا للشعب الأمريكي من منظور أكثر نقدية. ويشمل ذلك معلومات تمت التغطية عليها بشكل منتظم عبر العالم ونادراً ما يأتي الإعلام الأمريكي على ذكرها, مثل حقيقة أن الحكومة السورية لا تزال تتمتع بدعم الأغلبية الساحقة, بما في ذلك أعداد ضخمة من المسلمين السنة المرعوبون من المتعصبين الدينيين الذين تدفقوا إلى بلدهم بهدف "تحريرهم". وبدلاً عن الفبركة المستمرة لأعداد قتلى النزاع نتيجة أعمال الإبادة الحكومية, قدمت بعض المؤسسات الإعلامية دلائلَ تشير إلى أن قتلى الجنود السوريين والميليشيات الحكومية تشكل 43% من مجموع الضحايا.
وهناك مثال آخر صغير وهام على التغير الطفيف في المعلومات, وهو رأي حديث وجد طريقه إلى "نيويورك تايمز" ينتقد بشدة سياسة الإدارة في سوريا. وفي تلك المقالة, يقول الكاتب إن الرئيس أوباما – الذي يفتقد إلى استراتيجية شاملة حول سوريا والشرق الأوسط – قد أصبح ضحية مصيدة بلاغية "نتيجة دعوته لتنحي القادة السوريين (دون أن يكون لديه خطة واضحة لإجبارهم على التنحي), وصولاً إلى رسمه العلني لخطوط حمراءَ حول استخدام الأسلحة الكيماوية, ليجد نفسه بعد ذلك مرغماً على تنفيذ تهديده."
ولكن, وعلى الرغم من أهمية المنظور النقدي في وسيلة إعلام رئيسة, من الخطأ الافتراض أن الإدارة تفتقر إلى استراتيجية محددة حول سوريا لها أهداف ملموسة. إذ إن مضمون القول بافتقار الإدارة لأجندة في سوريا وإن تلك البلاغة التائهة قد أرغمتها على اتخاذ القرارات التي تتخذها الآن هو ادعاء مألوف بالبراءة غالباً ما يلجأ إليه الليبراليون.
فضلاً عن المصيدة البلاغية, قامت إدارة أوباما – بشكل واعٍ ومستمر – بالمناورة منذ بداية الأزمة السورية على الأرض خدمة لمصالح أهدافها الاستراتيجية. ويتمثل الهدف في تغيير موازين القوى في المنطقة ضد إيران إما من خلال إخضاع الدولة السورية أو تدميرها.
وعندما سنحت الفرصة تم اعتناق وتنفيذ هذا الهدف الاستراتيجي, الذي أملاهُ موقع استراتيجية الأمن القومي الأمريكي, بقوة كبيرة ومدمرة من قبل إدارة أوباما عبر تصنيع الحرب الأهلية في سوريا. فالخلط الذي قامت به "نيويورك تايمز" وضخمته هو "غياب الاستراتيجية" عن القرارات التكتيكية المبنية على الظروف المتغيرة, على غرار القرار العلني بتزويد "المتمردين" بالأسلحة.
رأت الولايات المتحدة فرصة استراتيجية لتنفيذ خطتها في تغيير النظام في سوريا من خلال استخدام أوهام ما يسمى "الربيع العربي", والحرب الغربية "الناجحة" على ليبيا, وورقة التوت الإيديولوجية للتدخل الإنساني.
من المؤسف أن النشطاء المناوئين للحرب والمعادين للإمبريالية والمهتمين فعلاً بحقوق الإنسان لم يطوروا استراتيجيات ناجعة لمواجهة سُعار الحرب. وهكذا نواجه اليوم وضعاً لم تقم فيه إدارة أوباما فقط بنفض الغبار عما يجب أن يكون كتاباً عراقياً فاضحاً حول استغلال الجماهير لدعم الحرب, بل أضافت أيضاً عنصرَ التدخل الإنساني بهدف إرباك القوى المعارضة لسياساتها. فبدلاً من النقاش القائل بالخطر المحدق, الذي تم استخدامه لتوجيه التهمة العبثية بإمكانية تسليم صدام حسين أسلحة الدمار الشامل للقاعدة, تم تقديم الحاجة إلى التدخل في سوريا على أنها ضربٌ من "الغيرية".
لهذا السبب فإن الأولوية العاجلة للنشطاء المناوئين للحرب والمعادين للإمبريالية والمهتمين فعلاً بحقوق الإنسان في الولايات المتحدة, بهدف مواجهة جهود الحكومة لتطبيع الحرب, تتمثل في تعرية الذريعة الأخلاقية للتدخل الإنساني وفضح حقيقته الإمبريالية القبيحة. وليس هناك أي مجموعة تتمتع بالمسؤولية والقوة اللازمتين للقيام بذلك أكثر منا. لذلك علينا أن نشير بجرأة إلى أنه بينما تتبختر الإمبريالية حول العالم مرتدية أكاذيبَ الاهتمام الإنساني, إلا أنها عارية تماماً, كما أن منظرَها يثير القرف والاشمئزاز.
http://www.globalresearch.ca/the-empires-new-clothes-the-naked-imperialism-of-humanitarian-intervention/5339577
تُرجم عن ("غلوبل ريسيرتش", 18 حزيران/يونيو 2013)
إضافة تعليق جديد