سيمور هيرش: سارين من؟ (4 ـ 4)
الجمل ـ سيمور هيرش ـ ترجمة محمد صالح الفتيح:
ذكرت سلسلة من الرسائل السرية المرسلة من سورية خلال الصيف أن أعضاءً من الجيش السوري الحر كانوا يتذمرون إلى مشغليهم في الاستخبارات الأمريكية حول الهجمات المتكررة على قواتهم من قبل مقاتلي "النصرة" و"القاعدة". قدمت هذه التقارير، بحسب مستشار كبير في الاستخبارات كان قد قرأها، أدلة تفيد بأن الجيش السوري الحر "هو أكثر قلقاً من هؤلاء المجانين من قلقه من الأسد". يتكون الجيش السوري الحر إلى حد بعيد من المنشقين عن الجيش السوري. سعت الإدارة الأمريكية، الملتزمة بإنهاء نظام الأسد والاستمرار في دعم المتمردين، في بياناتها العلنية منذ حصول الهجوم، إلى التقليل من نفوذ الجماعات الوهابية والسلفية. صعق جون كيري جلسة الاستماع في الكونغرس بتصريحٍ مفاجئٍ مفاده أن "النصرة" والجماعات الإسلامية الأخرى كانوا مجرد لاعبين صغار في المعارضة السورية. قام لاحقاً بسحب إدعاءه.
تجاهلت الإدارة الأمريكية في تصريحاتها العلنية وبياناتها الخاصة بعد 21 آب (أغسطس) المعلومات الاستخبارية حول احتمال امتلاك "النصرة" للسارين واستمرت في الادعاء بأن حكومة الأسد كانت وحدها من يمتلك الأسلحة الكيميائية. هذه هي الرسالة التي تم إيصالها عبر الإبلاغات السرية التي كان أعضاء الكونغرس يتلقونها في الأيام التي تلت الهجوم، عندما كان أوباما يسعى للحصول على الدعم لهجومه الصاروخي على منشآت الجيش السوري. أخبرني عضو في الكونغرس يمتلك أكثر من عقدين من الخبرة في الشؤون العسكرية أنه عاد مرة من أحد هذه الإبلاغات مقتنعاً أن "حكومة الأسد هي وحدها من يمتلك السارين وأن المتمردين لايملكونه". وبشكل مشابه، و بعد صدور تقرير الأمم المتحدة في 16 أيلول (سبتمبر) الذي كان قد أكد استخدام السارين، صرحت "سامانثا باور"، سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، في مؤتمر صحفي: "من المهم جداً أن نلحظ أن نظام الأسد فقط هو من يمتلك السارين، وأننا لانمتلك أي دليل أن المعارضة تمتلك السارين".
ليس من المعروف إذا ماكان التقرير العالي السرية حول "النصرة" كان متاحاً لمكتب باور، ولكن تعليقها كان يمثل انعكاساً للموقف الذي انتشر في الإدارة الأمريكية. "كان الافتراض الفوري هو أن الأسد هو من فعل ذلك"، هذا ما أخبرني به المسؤول الكبير السابق في الاستخبارات. "قفز مدير المخابرات المركزية الأمريكية الجديد جون برينان إلى ذلك الاستنتاج... ومضى إلى البيت الأبيض وقال "«انظروا ماذا وجدت!». كان كل ذلك كلاماً شفوياً؛ قاموا فقط بالتلويح بالقميص الدامي. كان هناك الكثير من الضغط السياسي لدفع أوباما لمساعدة المتمردين، وكان هناك تفكير راغب بأن يجبر ربط الأسد بهجوم السارين أوباما على التصرف بسرعة: «كانت تلك برقية تسيمرمان (1) في الثورة السورية وعلى أوباما الآن أن يرد». إنه التفكير الطموح لتيار سامانثا باور داخل الإدارة الأمريكية. لسوء الحظ، بعض أعضاء هيئة الأركان المشتركة الذين كانوا قد حُذروا من أنه [أوباما] كان ماضياً في الهجوم لم يكونوا واثقين أن ذلك كان قراراً جيداً".
لم ينل الهجوم الصاروخي الأمريكي المقترح على سورية الدعم الشعبي فسارع أوباما سريعاً إلى الالتفات إلى الأمم المتحدة والمشروع الروسي لنزع مجمع الأسلحة الكيميائية السورية. وفي 26 أيلول (سبتمبر) تم وبشكل نهائي تلافي أي إمكانية للعمل العسكري عندما انضمت الإدارة الأمريكية إلى روسيا في الموافقة على مسودة مشروع قرار الأمم المتحدة الذي يطالب حكومة الأسد بالتخلص من ترسانتها الكيميائية. قدم تراجع أوباما الراحة للعديد من كبار ضباط الجيش. (أحد كبار مستشاري العمليات الخاصة أخبرني أن الهجوم الصاروخي السيء التخطيط على المطارات العسكرية ومرابض الصواريخ السورية، كما تم تصوره في البداية من قبل البيت الأبيض، كان ليكون "بمثابة تقديم دعم جوي مباشر للنصرة").
إن تحريف الإدارة الأمريكية للحقائق المتعلقة بهجوم السارين يطرح سؤالاً لامفر منه: هل لدينا القصة الكاملة لدافع أوباما للتراجع عن خطه الأحمر وتهديده بقصف سورية؟ لقد ادعى امتلاكه قضية محكمة ولكنه وافق فجأة على نقل القضية إلى الكونغرس، ولاحقاً وافق على قبول عرض الأسد بالتخلي عن الأسلحة الكيميائية. يبدو أنه في مرحلة ما كان قد ووجه بشكل مباشر بالمعلومات المعاكسة: الأدلة القوية الكافية لإقناعه بإلغاء خطة هجومه وتقبل الانتقادات التي ستأتي بكل تأكيد من قبل الجمهوريين.
تعامل قرار الأمم المتحدة، الذي صدر يوم 27 أيلول (سبتمبر) من قبل مجلس الأمن، بشكل غير مباشر مع فكرة أن قوات المتمردين مثل "النصرة" يجب أن تجبر على نزع سلاحها: "يجب أن لايقوم أي طرف في سورية باستخدام، تطوير، إنتاج، حيازة، تخزين، الاحتفاظ، أو نقل الأسلحة الكيميائية", طالب القرار أيضاً بإبلاغ مجلس الأمن فوراً في حال استحوزت أي عناصر غير حكومية على الأسلحة الكيميائية. لم يتم ذكر أي مجموعة بالاسم. وبينما يتابع النظام السوري عملية القضاء على ترسانته النووية، فإن السخرية هي أن "النصرة" وحلفائها الإسلاميين قد ينتهي بهم المطاف بكونهم الفصيل الوحيد داخل سورية الذي يمتلك المكونات التي يمكن أن تصنع السارين، وهو سلاح استراتيجي لايشابهه أي سلاح آخر في ساحة الحرب. وقد يكون هناك المزيد للتفاوض.
---------------------
الهوامش
(1) برقية تسيمرمان يقصد بها البرقية التي أرسلها وزير الخارجية في الامبراطورية الألمانية سنة 1917 إلى السفير الألماني في المكسيك بغرض حث السلطات هناك على الانضمام إلى قوى المحور (ألمانيا، النمسا، بلغاريا، والسلطنة العثمانية) إذا ما دخلت الولايات المتحدة الحرب. التقطت المخابرات البريطانية البرقية وكشفت للشعب الأمريكي وسببت حالة عارمة من الغضب الشعبي أدت إلى تسريع دخول الولايات المتحدة الحرب ضد ألمانيا وضد قوى المحور (المترجم).
كل ما هو موضوع بين [] ضمن النص هو إضافة من قبل المترجم للتوضيح عند الالتباس.
رابط المقالة الأصلي:
http://www.lrb.co.uk/2013/12/08/seymour-m-hersh/whose-sarin
الجمل
إضافة تعليق جديد