ندوة ابن خلدون وخطاب الاصلاح
بمناسبة مرور 600 سنة على رحيل ابن خلدون أقامت جمعية البحوث والدراسات بالتعاون مع المركز الثقافي الاسباني بدمشق وبدعوة من اتحاد الكتاب العرب, اقامت ندوة بعنوان :
ابن خلدون وخطاب الاصلاح ,شارك فيه مجموعة من الباحثين في الفكر الخلدوني مقدمين قراءات واضاءات على أهم ما جاء به من علوم سواء أكانت معروفة أم غير معروفة في أيامه .
احتفى الاستاذ اسماعيل الملحم كغيره ممن احتفى بابن خلدون على انه يشكل حالة دفاعية عن الذات المهزومة او المقهورة التي عاشت مرحلة طويلة خارج الفعل التاريخي دون الاسهام فيه او الاستفادة من حالات التقدم التي حققها الآخرون اضافة لعرضه مواضع النقص في نظرة ابن خلدون الشمولية عندما يبني نظرياته على استقرار تاريخ المجتمعات العربية وجعلها مبادئ عامة لا تقتصر على المجتمعات اياها.
ويحدثنا عن نظرية الدولة عن ابن خلدون عندما ميز بين اهل العصبية واهل الحرف والصنائع فمقابل مصطلح اهل الدولة كما هو متعارف عليه في الكتابات الغربية وضع اهل العصبية مبينا اهمية ان يكون هناك مجتمع ينتج ثقافته وعلاقات التبادل ودولة ضابطة لعلاقات البشر .
وأجمل السياسة كم تبرزها المقدمة فعل من الاعلى الى الاسفل واشار الى ان غياب مفاهيم السياسة المدنية اليونانية من خطاب ابن خلدون لم يكن ظاهرة اختص بها ابن خلدون وانما تعم الخطاب العربي عامة.
ولم يغب عن ذهنه ان يشير الى ان ابن خلدون أب لكل العلوم الانسانية, وعرض لأمور هامة تتصل بعلم النفس العام وعلم النفس التربوي واشار اليه كمؤرخ ميز بين المؤرخين والمتطفلين .
اما الدكتور مصطفى علواني فقد عرض لأفكار ابن خلدون المالية والاقتصادية وآثارها في العمران والمجتمع ولا سيما النمو الاقتصادي والاجتماعي ومعالجة بعض القضايا المالية وانعكاساتها على الدولة والمجتمع بأفكار ومقولات سبقت عصره فأتت بمقولات يعتبرها الفكر الاقتصادي الحديث من نتاجه في حين قالها ابن خلدون منذ مئات السنين ومن تلك الافكار الجباية وآثارها في الدولة والمجتمع سواء ايجاباً او سلباً اضافة للحديث عن التجارة من السلطان المضرة بالرعايا والمفسدة للجباية وان نقص العطاء من السلطات نقص في الجباية.
واشار الى د ور الانفاق في تحريك الدورة الاقتصادية ومساعدة الاسواق على الانتعاش وبأن الظلم مؤذن بخراب العمران لأنه اعم في اخذ المال بلا عوض واكد على حفظ مقاصد الشرع الخمسة وهي ( الدين والنفس والعقل والنسل والمال) .
والدكتور فوزي معروف تحدث عن افكار ابن خلدون في الاصلاح واهمية الاصلاح من الداخل أمام فشل الاصلاح من الخارج وبالتالي باتت العودة الى ابن خلدون وامثاله ضرورة ملحة بعد الهزائم المذلة التي منينا بها والتي لا تزال تتوالى طالما الاستبداد على صدورنا والاحتلال فوق ارضنا وما دامت معظم مصائر العرب تنفر خارج حدودنا واسس الاصلاح حسب رأيه هي:
-الاصلاح السياسي .
-والاصلاح الثقافي.
-اصلاح التعلم والتركيز على تحصيل الملكية والابتعاد عن طرق الحفظ والتلقين وتحدث عن الفصل بين الدين والسياسة وضرورة الانفتاح على الاخر فمنهج ابن خلدون يحدد مجالات العلم والدين تحديدا منهجيا يرمي الى التوازن والاثراء العلمي وتوسيع آفاق المعارف الانسانية بالتساند والتكامل بين العقل والوحي.
وحذر من خطر التطرف الذي يقود في معظم الاحيان الى الارهاب .
والدكتور يوسف سلامة عرض لموقف ابن خلدون من فلسفة الموقف السلبي والتقليدي والمتناقض مع موقفه من التصوف حيث يدين الفلسفة والمتفلسفين من العرب مقررا انهم ساروا وراء افلاطون و ارسطو (حذو النعل بالنعل ) مجحفا حق الفلسفة العربية في حلها لمشكلات العرب انفسهم ودون ان يلحظ الخصوصية الثقافية والوظيفية المميزة التي كان على الفيلسوف العربي ان ينهض بها من بيئة سيطرت فيها الشريعة على تكوين ثقافتها وذهنيتها .
وبالمقابل يتخذ موقفا ايجابيا من التجربة الصوفية وهي تجربة في ما وراء العقل وما وراء الحس فيتحدث عن هؤلاء المتصوفة بمنتهى الاعجاب والاحترام وينتقدهم فقط بمسألة الشطح التي يصل اليها المتصوف .
وكنموذج عن الحوار الحضاري والثقافي بين الامم يشارك من الاندلس الدكتور رفائيل بينياميليغيثو ليحدثنا عن ابن خلدون والاندلس وتأثيره في اسبانيا مستعرضا كيف ان افكار ابن خلدون تدرس عندهم ويعمل بها في اسبانيا المعاصرة وكمثال عبد الله احمد بن الازرق الذي ولد في ملقة 1428 وتوفي في القدس 1491 والذي نقل معظم اعمال ابن خلدون في السلك السياسي.
-ايضا الباحث الاسباني فرانسيسكو كاثيري اول من وضح شخصية ابن خلدون واعطاها معنى مختصا اكثر في القسم الثاني من القرن الثامن عشر عبر عمل مخطوط موجود في المكتبة العربية باسبانيا الاسكوريال .
-ومنذ القرن الثامن عشر قام باحث اسباني اوسبالدو بنشر اعمال مترجمة لابن خلدون في احدى المجلات التاريخية في اسبانيا .
-باحث آخر عرض لأهم ما قدمه ابن خلدون من مفاهيم اجتماعية وذلك في عام .1928
-اضافة للجهود المبذولة في اسبانيا للتعريف بابن خلدون ومن بينها معرض في قصر اشبيليا.
ومعرض السيدة ماريا خوسيه حول ابن خلدون والذي افتتحه ملك اسبانيا .
واهم الاعمال الرؤية الاسبانية حول ابن خلدون في مدريد.
وأفرد الاستاذ محمد راتب الحلاق بحثه للحديث عن (السياسة في فكر ابن خلدون) حيث قال:
1-حظي فكر ابن خلدون بما لم يحظ به اي مفكر آخر منذ بدايات ما يسمى بعصر النهضة.
2-ابن خلون ابن البيئة الثقافية والفكرية العربية الاسلامية ليس لغزا من الغاز الثقافة الاسلامية ولم يكن نبتة شاذة في تلك البيئة.
3-استفاد ابن خلدون من لسان الدين بن الخطيب عندما سبقه في الرسائل السلطانية والتي سماها ابن خلدون فيما بعد بالفرائض.
4-مارس ابن خلدون العمل الدبلوماسي الداخلي لدى ملوك العرب والمسلمين والدبلوماسي الخارجي لدى ملوك اسبانيا ويدخل نشاطه السياسي في الدسائس والمؤامرات..
5-مواقفه السياسية متذبذبة وغير مبدئية حيث يعمل لخدمة مصلحته الشخصية ومصلحة السلطان ويميل دوما للجهة الاقوى وهذا شأن كل من عمل بالسياسة آنذاك .
حيث ان المواطنة لم تكن قد ظهرت بعد.
6-في فكره السياسي نجد:
1-سياسة شرعية عامة وكلية تتناول رأي الدين الاسلامي بحجة علمية واستقراءات واقعية في قضايا المجتمع والحكم والاقتصاد.
2-الآداب السلطانية التي تعتمد على شرعنة النظام السياسي القائم ونجد خلطا بين تنظيراته وعمله اضافة لعدم الاستفادة من منهجه وتطبيقه.
وكان يقيس على الدول التي كان يعرفها .
ما انتجه من فكر سياسي يدخل في مجال السياسة الشرعية والذي يتميز بالفهم العميق لمنطق قيام الدول وتطورها واضمحلالها فالدولة عنده هي الشخص الزمكاني لحكم عصبية محددة والتي يتميز بها شخص معين بذاته .
وبرأي ابن خلدون الفساد الناجم عن اشتغال الحاكم واشتغال السياسي عموما بالتجارة وما ينجم عن ذلك من فساد سيدفع بعض المتدينين لمحاولة ازالة المنكر باليد ومحاولة الوقوف في وجهه وهذا ما يقوم به بعض رجال الدين وبعض جماعات ما يعرف بالاسلام السياسي ويتبعهم في ذلك بعض الغوغاء والدهماء حسب تعبير ابن خلدون ناسين ان العصبية الدينية غير قادرة على مواجهة العصبية العشائرية وما في حكمها ما يؤدي بهم الى التهلكة وبهذا أهل الحل والعقد في منظومة الفكر الخلدوني هم ثلة من القوى المجتمعة المؤثرة وليسوا فقهاء كما يظن بعضهم .
هناء دويري
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد