حول علاقة أحداث أوكرانيا بالأزمة السورية وفقدان حزب إردوغان قوته في أنطاكيا
مختارات «الجمل» من الصحافة التركية- ترجمة: محمد سلطان:
ما علاقة أحداث أوكرانيا بالأزمة السورية؟
الجميع يتساءل عما يحصل في أوكرانيا وعن أسبابه. الجميع يشترك برأي مفاده أن الولايات المتحدة الأميركية قامت بهجوم مفاجئ على شرق أوربا بعد تراجعها في الشرق الأوسط. فهي تحاول أن تصطاد روسيا على حين غرة في عقر دارها بسبب تزايد تأثيرها في الشرق الأوسط. إن بعض الليبراليين من أنصار الغرب يحللون الحادثة على أنها انتفاضة ديمقراطية وحملة تخلص من الإمبريالية الروسية.
إن رأينا هو من الرأي الأول. أي أن المعارضة اليمينية المتشددة ومن ضمنهم النازيون الجدد والمدعومون من قبل الولايات المتحدة الأميركية قاموا بخلع نظام يانكوفيتش المقرب من روسيا.
هنا الحديث عن استخدام "العنف الخفيف" على شاكلة الثورة البرتقالية بعد مرحلة الاحتلال وحروب الوكالة. ولكن إذا نظرنا إلى ما حصل في شبه جزيرة قرم, إن هجوم "العنف الخفيف" هذا مشابه للذي عرض جورجيا إلى هزيمة نكراء أمام روسيا. أي أن روسيا مستعدة أن تضم قرم إلى أراضيها إذا ساءت الأمور. عند التفكير في كل هذه الأمور لفت انتباهي خبر مهم عن وكالات الأنباء.
روسيا تسحب أسطولها من سوريا:
بحسب خبر وكالة DHA: «اليوم مرت سفينتين حربيتين روسيتين من مضيق تشاناك كالي باتجاه البحر الأسود. استدعت روسيا السفينة التي تحمل رقم 150 اسمها ساراتوف والسفينة التي تحمل رقم 156 اسمها يامال, واللتان كانتا قد وكلتا بمهمة في البحر الأبيض المتوسط بسبب الحرب في سوريا, إلى المنطقة ما بين روسيا وأوكرانيا بعد الأزمة التي حصلت في القرم».
وبعدها أذيع خبر آخر.
إدعاءات توجه السفن الحربية الأميركية إلى البحر الأسود:
DHA: «بعد زيادة حدة التوتر بين روسيا وأوكرانيا توجهت سفينتان حربيتان من الأسطول الأميركي المتواجد قبالة سواحل اليونان باتجاه البحر الأسود».
نشر موقع kronos.gr اليوناني, المختص بالأخبار العسكرية الميدانية, خبراً مستنداً إلى مسئولين دبلوماسيين أن حاملتي سفن، هما US Ramage وUS Navy، تابعتان للأسطول البحري الأميركي السادس، تركتا محملتين بمنظومة صاروخية متطورة وعلى متنهما 300 جندي للتمركز قبالة سواحل شبه جزيرة القرم.
بعد هذه الأخبار علم أن قصر تشانكايا الرئاسي التركي وجه دعوة لعقد اجتماع عاجل. دعوكم أيضاً من ذهاب وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو صاحب نظرية "صفر سلام" إلى كييف, وبعد ذلك اجتماعه مع جمعيات القرم في أنقرة.
أنا أرى أنا كل ما يحصل في أوكرانيا يحصل بسبب سوريا.
في الفترات الأخيرة تكاثف ضغط المسئولين الأميركيين على تركيا. وفي الطرف الآخر يستمر القائد السوري بشار الأسد بضرب الإرهاب والإرهابيين. وهنا أتساءل: «هل من الممكن أن يحاولوا جعل روسيا تركز على الموضوع الأوكراني ضمن نطاقها فقط لجعلها تسحب أسطولها من سوريا ومن بعدها لينفذوا عملية عسكرية على سوريا؟».
كما يعرف أن أميركا وإسرائيل وحلفائهما مثل السعودية وقطر وتركيا اصطدموا بالحائط الروسي في سوريا, وفشلوا في مشروع إسقاط نظام الرئيس الأسد ووضع نظام بديل يكون حليفاً لهم.
هل الغاية هنا أن يقوموا بتهديد روسيا عبر أوكرانيا وجعلها تسحب يدها من سوريا؟ لأنه واضح جداً أنه بالشروط الطبيعية لن يستطيعوا أن يحققوا أي نتيجة في أوكرانيا وسوف يتعرضون للهزيمة أمام روسيا كما الموضوع الجورجي سابقاً.
كما نستطيع أن نتناول موضوع الهجوم الإرهابي الذي تعرضت له الصين من قبل المتطرفين المنتمين لتنظيم القاعدة ضمن نفس النطاق, حيث أنه جاء بعد قيام الصين بمناورات عسكرية مشتركة مع روسيا في البحر الأبيض المتوسط.
إنهم يحاولون معاقبة روسيا والصين على صمودهم المستبسل في سوريا.
هنا الولايات المتحدة الأميركية هي الدولة الإمبريالية, وروسيا والصين هم من يتعرض للهجوم.
(حسين وودينالي – موقع: أوضا تي في)
لماذا فقد حزب العدالة والتنمية قوته في أنطاكيا؟
نحن في المدينة القديمة التي أنشأها ضابط من ضباط اسكندر الكبير يدعى سيليوكوس في القرن الرابع قبل الميلاد. إنها أنتيوتش (أنطاكيا). اكتسبت هذه المدينة أهمية كبيرة في تجارة "طريق الحرير" ولعبت دوراً مهماً في تاريخ الأديان وخصوصاً المسيحية واليهودية. حكمت هذه المدينة من قبل الرومان والعرب والعثمانيين. وهي الآن ضمن حدود الدولة التركية.
يشكل السنة الأتراك والعلويون العرب غالبية سكان أنطاكيا. وسكانها هم أكثر الناس الذين دفعوا فاتورة أحداث الحرب في سوريا. اليوم دخل كلاً من حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري وحزب الحراك القومي ضمن منافسة كبيرة لكسب انتخابات رئاسة البلدية في أنطاكيا, لأهميتها الإستراتيجية جغرافياً وسياسياً.
يشارك حزب العدالة والتنمية بمرشح لعب دوراً مهماً في وزارة العدل وكسب احتراماً وتقديراً من محافظة هاطاي (لواء اسكندرون) سعد الله أركين. زجّ حزب العدالة والتنمية أقوى أوراقه في إزمير وأنطاكيا المعروفتين بأنهما من قلاع حزب الشعب الجمهوري, ليس من أجل كسب البلديات فيها فحسب بل من أجل الحفاظ على نسبة الأصوات 50% التي كسبها في الانتخابات السابقة أيضاً وذلك تحضيراً لانتخابات رئاسة الجمهورية. وهنا أتكلم عن المرحلة ما قبل فضائح التسجيلات الصوتية.
رشح حزب الشعب الجمهوري الدكتور لطفي ساواش والذي ربح الانتخابات السابقة عند ترشحه من حزب العدالة والتنمية. كما رشح حزب الحراك القومي متي أصلان الذي ربح رئاسة بلدية مدينة اسكندرون ثلاث دورات متتالية.
إن عدد نفوس مدينة أنطاكيا يبلغ حوالي مليون ونصف, وعدد الناخبين يبلغ 900 ألف ناخب. وميزة هذه المدينة أن نسبة الأصوات التي سيكسبها حزب العدالة والتنمية منها سوف تؤثر على مجمل أصوات حزب العدالة في كامل تركيا.
بشكل عام الرؤية اليسارية هي الحاكمة فيها. وبالنظر إلى المرشحين الثلاث فهم من القوميين الأتراك أو محافظين.
اجتازت أنطاكيا مشاكل البنية التحتية والطرق حديثاً. ولكن هي تواجه مشكلة حقيقية في قضايا ثقافة المدينة. فهي في وضع لا يليق بمدينة بهذا الحجم الحضاري التي تضمه. أهملت كثيراً؛ البناء غير المنظم, الطبيعة التي فقدت خضارها, الشوارع المتسخة.
ولكن هذه التفاصيل لا تهم الناخب كثيراً. لأن سياسة المدينة ترسمها تركيبة تعايش المجتمع العربي العلوي والسني, وإضافةً إلى ذلك هناك قضية اللاجئين السوريين والتوتر الذي يحصل بسببهم. إن مدينة أنطاكيا مدينة حساسة جداً. وهي تقع على خط توتر عالي. وهناك حقيقة لا يمكن أن ننكرها أنه هناك من يحاول استغلال هذه التركيبة لمصالحه الشخصية.
هناك خط مقاومة قوي من قبل العلويين العرب لسياسة أردوغان. وظهرت بوضوح خلال أحداث حديقة كيزي. عندما صرّح أردوغان بأنه قتل 53 مواطناً سنياً في تفجيرات الريحانية, ذلك شكل قلقاً لدى هذا الخط وباتوا يرون أنفسهم هدفاً للمتدينين المتشددين.
في الحقيقة خلال مرحلة حكم حزب العدالة والتنمية مدة 10 سنوات أجريت استثمارات ضخمة في المدينة. ومرشح حزب العدالة والتنمية يعد بمرحلة تغير وتطور في أنطاكيا وقد أعلن عن مشاريعه بما يخدم ذلك. ومرشح حزب الشعب الجمهوري يعد بالاستمرار في مشاريع التنمية ومواضيع البنية التحتية وقنوات الصرف الصحي المركزي وشبكات الري المركزية. جاء مرشح حزب الحراك القومي بمشاريع مشابهة للمشاريع التي نفذها في مدينة اسكندرون.
كل هذا الصراع وهذه المنافسة الشرسة لا تلبي طلب المواطنين. فالشارع في أنطاكيا يهتم بمواضيع أخرى. هل سيكون هناك تمثيل للقومية العربية في الكادر الجديد لمجلس المدينة؟ هل سيكون هناك تمثيل للعلويين فيها؟ هل ستنحل مشكلة اللاجئين السوريين الذين يعملون في تركيا دون تأمين وبأجور ضعيفة؟ فهناك الكثير يعتقد أنهم لن يعودوا ثانيةً إلى بلدهم.
هنا أرى أن أصوات الطائفة العلوية التي شكلت 50% من أصوات حزب العدالة والتنمية في الانتخابات السابقة هذه المرة سوف تذهب بالكامل لمصلحة حزب الشعب الجمهوري. وذلك بسبب الوعود التي لم يحققها لهم حزب العدالة والتنمية. بالنسبة لمحافظة هاطاي سيكون موضوع اللاجئين السورين وموضوع التوتر الطائفي هو الحاكم على الانتخابات أكثر من مواضيع الفساد والتسجيلات الصوتية التي ضجت فيها البلاد.
بالنظر إلى هذه المعطيات نرى أنه من الصعب جداً أن ينجح سعد الله أركين لأن هذه النقاط لا تصب في مصلحته بل ضده. كذلك إذا نظرنا إلى موجات الحماس العارمة لمجيء حزب العدالة والتنمية التي لفت شعب أنطاكيا في انتخابات 2002 نرى صعوبة عودة حزب العدالة لحكم هذه المدينة مرة ثانية.
(أركون باباهان – موقع: T24)
الجمل
إضافة تعليق جديد