«رسائل غرامشي».. نُحزٍن أمهاتنا لنحافظ على شرفنا

13-05-2014

«رسائل غرامشي».. نُحزٍن أمهاتنا لنحافظ على شرفنا

«أمي العزيزة لا أريد أن أكرر ما قلـته لك مراراً وتكراراً عن حالتي الصحية والمعنوية. وأريد منك، كي أكـون مطمـئناً، ألا تجـزعي ولا تقلـقي كثـيراً حـتى ولـو بـطريقة عاطـفية جداً، إنه مهما كان حـكم المحكمة فأنا معتقل سياسي وسأكون متهـماً سياسياً. ولا ينبغي أبداً أن تشعري بالخزي...».
تلقى العالم بصدمة، نبأ وفاة غرامشي. رغم الحملة الاحتجاجية العالمية التي أطلقت من أجل حريته، إلا انها لم تفد في شيء، لأنه بمجرد إطلاق سراحه لم يستـطع حتى مغادرة عتبة بوابة السجن ليعانق الحرية والرفاق.
من المؤكد، أن أعمال غرامشي، التي ظهرت في عام 1937، كُتبت جميـعها في زنزانته، ولم تكن تعرف انتشاراً لا في تفاصـيلها، ولا في أفكارها، لأنها صدرت جميعها بعد وفاته.
هنا الجزء الأول من سلسلة الرسائل، قام بترجمتها «سعيد بو كرامي» وصادرة عن دار «طوى»، لندن. تُقدم لأول مرة للقارئ العربي، ويحتوي هذا الجزء على الرسائل التي أرسلها غرامشي إلى أمه. رسائل مفعمة بمرارة الحرمان، وتظهر التراجيديا التي عاشها غرامشي واضحة في رسائله سواء تلك التي أرسلها إلى أصدقائه أو افراد عائلته، عبر أمه.
نُشرت رسائل من السجن لأول مرة في إيطاليا في عام 1947 وسرعان ما حصدت نجاحاً كبيراً من طرف النقاد ومن الغالبية العظمى من الجمهور الايطالي. ثم تلاحق نشر الرسائل بين عامي 1948 و1951، وجمعت في 6 مجلدات، رفقة 32 دفتراً، وهي الدفاتر التي كتبها غرامشي في السجن عن المادية التاريخية وفلسفة بندييتو كروتشه، والمثقفين، وتنظيم الثقافة، وملاحظات عن مكيافيلي، والسياسة والدولة الحديثة، والأدب والدولة الحديثة، في الماضي والحاضر.
«لم أكن أبداً عاطفياً جداً...».
هكذا يصرح لأمه في ثنايا رسائله، أي ثمة اعتراف بأنه «عاطفي» لكن ليس «جداً».
هنالك رسائل ينهيها بقوله لأمه: «أقبلك بحرارة»، أو «أقبلك بحنان»، أو «أقبلك بقوة»، أو «لك مني قبلات كثيرة» أو «أقبلكم جميعكم، أما أنت يا أمي العزيزة، فأضمك بين ذراعي وأبعث قبلاتي اللانهائية». يحاول قدر إمكانه الاتسام بالهدوء، لكن ثمة شرارات عاطفية مفاجئة تنبثق في أعماقه. ويحاول منحها القوة بقوله: «تملكين، وهذا مؤكد، قوة الحديد».
في غالب رسائله يطمئنها عن حالته الصحية وكثيرا ما يربط بين حالته الصحية وظروف محاكمته. في رسائله قبل المحاكمة بدا عليه التفاؤل وهو يشرح لأمه: «لقد حُدد تاريخ محاكمتي في 28 مايو. لن تتأخر مغادرتي هذه المرة.. لأنهم لا يملكون أدلة حقيقية ضدي، وكيف لي أن أرتكب أشياء ليس عليها أدلة؟».
كان يكتب لها على الأقل مرة، خلال ثلاثة أسابيع وبمزاج جيد. وقليلاً ما تغلبت عليه الروح الانهزامية. وكثيرا ما يرفض اليأس وهو يخبرها بحزم: «يجب أن تصبري وفي كل الأحوال، يجب ألا تصدقي العبث الذي تنشره الجرائد عني».
كثيرا ما بدت رسائله كوسيلة متاحة لتملّك لحظاته اليومية الطويلة في السجن، يحوّل كلماته إلى أشباح صديقة مخلصة تعوضه عن خيانة وغدر من في الخارج والذين يلمح له في مناسبات عدة دون ذكر أسمائهم.
تحفل الرسائل بعبارات تندرج ضمن الأقوال الخالدة لأصحابها مثل قوله:
«أحياناً يجب أن يتسبب الأبناء بأحزان كثيرة لأمهاتهم، إذا أرادوا المحافظة على شرف وكرامة الرجال».

لينا هويان الحسن

السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...