أوروبا تهتز على وَقْع الزلزال الفرنسي وقادتها يلتقون اليوم لـ «احتواء» الصدمة
تلقى القادة الأوروبيون بقلق شديد الصعود التاريخي للمناهضين للبناء الأوروبي خلال الانتخابات الأوروبية الأخيرة، وقرروا الالتقاء مساء اليوم الثلاثاء في بروكسل لاستعراض الوضع وتحليل نتائج الاقتراع الذي تميز برفض للمؤسسات الأوروبية والنخب الوطنية الحاكمة.
واعتبر وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير أمس الإثنين عبر التلفزيون الألماني «أن العديد من الأحزاب الشعبوية والمشككة بأوروبا أو حتى القومية ستدخل إلى البرلمان الأوروبي. في بعض الدول ربما ليس الوضع كما كان يخشى. لكن في فرنسا إنه بالطبع مؤشر خطير مع (صعود) الجبهة الوطنية».
وعبر رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس عن «اقتناعه بأن أوروبا يمكن أن يعاد توجيهها لدعم النمو وسوق العمل بشكل أكبر مما تفعله منذ سنوات».
وغداة الانتخابات التي قاطعها أكثر من ناخب أوروبي من كل اثنين يبدو البرلمان الأوروبي أكثر تجزئة من أي وقت مضى.
فصحيح أن الأحزاب الكبرى المؤيدة لأوروبا مازالت تشكل الأغلبية لكنها فقدت جميعها بعضاً من قوتها. فأول تكتل من حيث النواب الحزب الشعبي الأوروبي الذي يضم الأحزاب الديمقراطية المسيحية ووسط اليمين نال 214 مقعداً، أي أقل بـ59 مقعداً من البرلمان المنتهية ولايته. والاشتراكيون والاشتراكيون الديمقراطيون خسروا سبعة مقاعد خصوصاً بسبب هزيمة الاشتراكيين الفرنسيين ولم يتفادوا الغرق سوى بفضل النتائج الجيدة التي حققها الحزب الديمقراطي بزعامة ماتيو رنزي في إيطاليا.
كذلك الأحزاب الأخرى المؤيدة لأوروبا سجلت تراجعاً، فبحصولهم على 66 مقعداً يكون الليبراليون خسروا 17 من ممثليهم. أما الخضر فقد تمكنوا بنيلهم 52 مقعداً من الحد من خسارتهم على الرغم من النتائج السيئة التي كانت من نصيب المدافعين عن البيئة في فرنسا، ولم يخسروا سوى خمسة مقاعد.
إلى ذلك فإن اليسار الراديكالي الذي على غرار المحافظين والاشتراكيين والليبيراليين والخضر، لعب على وتر تحديث المؤسسات بتقديمه مرشحاً إلى رئاسة المفوضية، وقد حسن حضوره في البرلمان بفضل نجاح لائحة سيريزا في اليونان وكسب سبعة نواب بحصوله على 42 مقعداً.
وتحظى الأحزاب المؤيدة لأوروبا على الورق بأغلبية 521 مقعداً (من أصل 751) لكنها تخرج من الانتخابات الأوروبية مزعزعة إلى حد كبير وربما غير قادرة على استعادة زمام الأمور.
ففي غياب أغلبية حقيقية بعد اقتراع الأحد من المرجح أن تستفيد الدول من هذا الوضع للحفاظ على صلاحياتها.
فرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أبدى على الدوام معارضته لإمكانية أن يختار البرلمان الرئيس المقبل للمفوضية الأوروبية. وفوز المناهضين لأوروبا في حزب يوكيب بزعامة نايجل فاراج في بريطانيا من شأنه أن يدعم رغبته في عدم السماح للبرلمان بأن يكون له اليد الطولى في هذه المسألة.
وعندما سئل الإثنين أثناء مؤتمر صحفي عما إذا كانت لديه رسالة ليوجهها إلى كاميرون، قال المرشح الرسمي للحزب الشعبي الأوروبي، جان كلود يونكر (لوكسمبورغ)، الذي يعتبر صاحب نزعة «فدرالية» في نظر البريطانيين، بجفاء «لن أجثو أمام أي قائد. إنني فائز في الانتخابات».
وفي رد فعل الإعلام على النتائج، بدت الصحافة الأوروبية أمس تحت وقع الصدمة إثر «الزلزال السياسي» الذي حققته الأحزاب المشككة في أوروبا بفوزها في الانتخابات الأوروبية وعلى رأسها حزب الجبهة الوطنية الفرنسية بزعامة مارين لوبان الذي أضحى «الحزب الأول في فرنسا». وعنونت صحيفة الأعمال الألمانية «فرانكفورتر الغيماينه تسايتونغ» «زلزال سياسي» مخصصة صفحتها الأولى على غرار جميع وسائل الإعلام الألمانية تقريباً لفوز الجبهة الوطنية في الانتخابات الأوروبية، ورأت أن «هذا ستكون له انعكاسات مهمة. يجدر أخذ شعار (كفى أوروبا) بجدية».
من جهتها تحدثت صحيفة «بيلد» الأكثر شعبية في ألمانيا عن «صدمة انتخابية في فرنسا»، في حين رأت صحيفة «دي فيلت» المحافظة «أنها هزيمة للرئيس (فرنسوا) هولاند» إثر هذا «الزلزال السياسي»، معتبرة أنه «بسبب هذه الكارثة الانتخابية فإن الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند المهزوم يجد نفسه في موقع يزداد ضعفاً ومن المتوقع أن يجد صعوبة أكبر في تحقيق الإصلاحات الضرورية».
وفي إيطاليا كتبت صحيفة ريبوبليكا «هزة أرضية في فرنسا»، فيما عنونت صحيفة «كوريري ديلا سيرا» «صدمة في فرنسا».
ورأت صحيفة «ليبيراسيون» اليسارية الفرنسية أن «فوز الجبهة الوطنية يبقى صدمة ستهز فرنسا وأوروبا بكاملها»، موضحة أن «موجة الصدمة التي أثارها حزب مارين لوبان يتخطى بكثير الحدود الوطنية» وهو «تهديد فعلي لمفهوم أوروبا».
أما صحيفة «لوفيغارو» اليمينية فقد اعتبرت أن «الجبهة الوطنية تفرض نفسها.. كأول حزب في فرنسا». وأضافت: «إنه انتصار شخصي لمارين لوبان» لأنها «نجحت بتجسيدها أسلوباً جديداً في إسقاط العقبة الأولى أمام تقدم الجبهة الوطنية.. من خلال تحسين سمعته».
وكتبت صحيفة «الموندو» الإسبانية «اليمين المتطرف يجتاح فرنسا».
وعنونت صحيفة «ديلي ميل البريطانية» أن «السيدة لوبان تقود زحف اليمين المتطرف على أوروبا»، فيما رأت صحيفة الأعمال «فايننشال تايمز» أن حزب الجبهة الوطنية هو «على رأس هزة أرضية شعبوية».
وركزت صحيفة تايمز على فوز حزب يوكيب البريطاني المؤيد لاستقلال المملكة المتحدة وهو حزب شعبوي معاد للوحدة الأوروبية. غير أنه بقي على الدوام بمنأى عن الجبهة الوطنية الفرنسية.
وعنونت الصحيفة «يوكيب يحتفل وأوروبا تنعطف إلى اليمين»، معتبرة أن هذه النتائج تشكل «صفعة» لرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون.
المصدر: أ ف ب
إضافة تعليق جديد