صلبٌ وخطفٌ وقتلٌ في الجرود البقاعية المحتلة
لم تعد التسميات مهمة. «جبهة النصرة» او «داعش» او «الكتيبة الخضراء» او «كتائب عبد الله عزام».... كلها تسميات لمسمّى واحد: الإرهاب الذي يحتل عرسال. عرسال كلها، البلدة والجرود، محتلة من قبل هذه الجماعات. معركة الثاني من آب وما تلاها لم يغيّرا في هذا الواقع شيئاً. على العكس من ذلك. مُنِع الجيش من استكمال المعركة، والسماح للإرهابين بمغادرة البلدة مع رهائنهم العسكريين والدركيين، أسهم في تقوية شوكة المسلحين.
ويوماً بعد آخر، تتبدى جرأتهم التي تزداد كلما تخاذلت السلطة عن القيام بواجباتها. يوم أمس، وصل إلى عرسال جثمان المواطن اللبناني كايد عمر غبابة، الذي قُتِل بطلق ناري في الرأس. الرجل أعدم في الجرود. الجريمة لا تقتصر على ذلك. فقبل 8 أيام، دهمت مجموعة مسلحة منزله داخل البلدة، وخطفته إلى الجرود. هناك، خضع للتعسف الذي يُطلق عليه هؤلاء تسمية «محاكمة شرعية»، وصدر بحقه الحكم بالقتل. نُفِّذت الجريمة، وسُلّم جثمانه إلى ذويه امس. كانت دماؤه لا تزال طرية، لكن العائلة الثكلى تلوذ بالصمت. يقول أحد أفراد العائلة: «الدولة لم تقدر على ان تفعل شيئاً، فماذا تريدوننا ان نفعل؟». لا يسمّي غريمه: «لا نعرف قاتل كايد». مصادر أمنية، قالت إنهم مقاتلون من «داعش». وأخرى قالت إنهم من «جبهة النصرة». اتهموه بالتعامل مع حزب الله. «عذبوه وانتزعوا منه «إقراراً»، ثم قتلوه». لم تعد هوية تنظيمهم مهمة. هؤلاء القتلة يحتلون جزءاً من الأراضي اللبنانية، ولا احد يحرّك ساكناً لاسترداد الأرض المحتلة في عرسال وجرودها. جريمة قتل كايد غبابة ليست الوحيدة التي ارتكبها المسلحون امس. فهم عمموا صورة الشاب السوري محمد عبده عجاج، «مصلوباً»، وفوقه صورة كتبت عليها آية قرآنية، واسمه، والتهمة: «عميل لحزب الله الإيراني». قبل أيام، نشر احد التنظيمات التي تحتل عرسال وجرودها شريط فيديو يتضمن «اعتراف» عجاج وآخرين، بالعمل لحساب حزب الله. لا يمكن التثبت من صحة الصورة، لكن الثابت ان هذه الجماعات تريد بث الرعب، على الطريقة الداعشية. وفي المقابل، الدولة اللبنانية تكتفي بالتفرج. الناس يُقتلون علانية في أرض لبنانية محتلة، والسلطة تعقد اجتماعات وتعبّر عن «ارتياحها» و«تعاطفها».
آخر هذه الاجتماعات عُقِد امس في السرايا الحكومية، برئاسة رئيس مجلس الوزراء تمام سلام، ضم «خلية الأزمة المكلفة متابعة ملف العسكريين المفقودين»، حضره نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع سمير مقبل، ووزير الخارجية جبران باسيل ووزير الداخلية نهاد المشنوق ووزير العدل أشرف ريفي. وتغيب وزير المال علي حسن خليل عن الاجتماع بداعي السفر. وتلا مقبل مقررات الاجتماع، فأشار الى ان «الرئيس سلام أعرب عن ارتياحه للإجماع السياسي الذي تجلى في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة». وأكد أن «قضية المفقودين، هي الشغل الشاغل للحكومة، ويجري التعاطي معها باعتبارها قضية وطنية لا تتقدم عليها في الوقت الحاضر أية أولوية أخرى ». وأعرب المجتمعون عن «تعاطفهم مع أهالي العسكريين المفقودين»، علماً أن الأهالي قاطعوا الاجتماع. وأشارت مصادر اللجنة إلى أنه «جرى الاتفاق خلال الاجتماع على استمرار التواصل مع أهالي المخطوفين برغم الجو المتوتر»، كما جرى «الاتفاق على عقد اجتماع عسكري قريب، لبحث الوضع العسكري الحالي في منطقة عرسال». وكان وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، قد أكد في تصريح له أن «لا معلومات لديه عن الدور القطري الذي يجري الحديث عنه»، لافتاً إلى أنه «إذا كان هناك دور قطري فهو سيكون خيراً للبنان»، فيما أشار وزير العدل أشرف ريفي إلى أن الأمور «سائرة باتجاه إيجابي»، موضحاً أن «الرئيس سلام هو من يتواصل على نحو مباشر مع الوسيط»، كما أكد أن «اللجنة تقوم بكل كلّ ما يُمكن لتحرير العسكريين».
منذ صباح أمس، لم يتوقّف الحديث عن «توجه وفد قطري مؤلف من ضباط قطريين سيدخلون إلى الجرود القلمونية من أجل إجراء مفاوضات مباشرة مع الجماعات المسلحة»، وأن «الموفد القطري توّجه مع آخرين لبناني وسوري، وعُقد اجتماعان، الأول مع جبهة النصرة قيل إنه كان «إيجابياً»، فيما الاجتماع الثاني الذي عُقد مع «داعش» كان «صعباً ومعقداً». وفي ظل التكّتم الشديد من جميع الأطراف، بشأن تفاصيل اللقاءات، عُلم أن الوفد الأمني اللبناني عاد من جرود عرسال، وبقي الموفدان القطري والسوري لاستكمال المحادثات»، وأنّ الأمور لا تزال معقدة بسبب تعنت الجهات الخاطفة. بعد ذلك، أصدر تنظيم داعش بياناً له عبر «تويتر»، قال فيه إننا «وبعد قبولنا المفاوضات غير المباشرة مع الحكومة اللبنانية، بما يخصّ العسكريين المخطوفين، فوجئنا بالطرف القطري الموكل إليه التفاوض من قبل الحكومة اللبنانية، يراوغ في مقابلة الجهات المختصة بالتفاوض من قبل الدولة الإسلامية». وحمّلت «داعش» الموفد القطري «المسؤولية المباشرة عن عرقلة المفاوضات وعن دماء العسكريين». وأصدرت «داعش» في ما بعد بياناً آخر، أشارت فيه إلى ان قيادتها في القلمون «التقت موفداً من قبل القطريين»، وانه تبين ان العرقلة «تأتي من جهات أخرى». وتحدّث البيان عن اعتماد الموفد القطري قناة وحيدة للتفاوض.
وبرغم ذلك، بقيت مصادر وزارية تنفي «صحّة كل ما يقال بشأن الوفد القطري»، مشيرة إلى أنه «ليس إلا معلومات صحافية غير مؤكّدة، وأن الدولة اللبنانية ليس لديها معطيات بشأن الوفد». من جهة أخرى، نفت هيئة العلماء المسلمين أن تكون قد تلقت اي اتصال من احدى الجهات الخاطفة، مؤكدة التزامها تعليق الوساطة لاطلاق العسكريين المخطوفين. وزار وفد من أهالي بعض العسكريين المخطوفين عرسال حيث التقى رئيس البلدية علي الحجيري والشيخ مصطفى الحجيري.
ووقع امس تطوّر امني بارز متصل بالقضية، تمثل بتوقيف الجيش اللبناني المشتبه فيه مصطفى محمد الحمد. وتبيّن انه شقيق أبو طلال الحمد، القيادي البارز في «داعش» في القلمون. وبحسب مصادر سورية معارضة، فإن الأخير هدّد بالانتقام من الرهائن إذا لم يُفرج عن شقيقه.
وكانت جبهة « النصرة» قد بثت شريطاً مصوراً بعنوان «من سيدفع الثمن»، ظهر فيه جنود مختطفون يحمّلون حزب الله مسؤولية خطفهم ومصيرهم، داعين إياه إلى الانسحاب من سوريا. وتضمّن الشريط الذي بلغت مدّته 27 دقيقة مقاطع صوتية لأبو مصعب الزرقاوي وأسامة بن لادن، واختتم بنداء إلى «أهل السنة في لبنان»، ودعتهم «الجبهة» إلى «نصرة أهلهم في سوريا»، محذرة من دعم الجيش اللبناني، كما توجّهت إلى «كافة الطوائف في لبنان طالبة عدم نصرة حزب إيران»، كذلك هدّدت «جبهة النصرة» عبر الفيديو الشيعة، قائلة: «إنّ معركتنا معكم مستمرة»، وختمته بنداء إلى «علماء المسلمين في العالم لتبيان حال الجيش اللبناني، لأن المرحلة المقبلة ستكون حاسمة».
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد