سيناريوهات أمريكية لبناء وإعداد القوات العراقية
الجمل: لا يمثل الجيش، أي جيش، منظمة أو كيان عادي ضمن الدول، بل هو كيان بالغ التعقيد، شديد الارتباط بكل الاعتبارات المتعلقة بالهوية والسيادة الوطنية.
وعلى هذا النحو هناك علاقة جدلية بين الجيش والسلطة السياسية التي أشرفت على تكوينه، ومن أمثلة ذلك، أن الجيوش الاستعمارية التي غزت العالم كانت امتداداً يجسد ميدانياً على الأرض مطامع السلطات والحكومات الاستعمارية التي كونتها.
تتعرض كل التصريحات والبيانات والخطط الاستراتيجية الصادرة بواسطة الإدارة الأمريكية إلى مسألة بناء وتدريب الجيش العراقي، وتركز الإدارة الأمريكية على الربط بين وجود جيش عراقي قوي، وبين عملية انسحاب القوات الأمريكية من العراق.
أبرز الملاحظات حول عملية بناء القوات العراقية:
هناك العديد من التحليلات التي تناولت موضوع بناء القوات العراقية والتي أجمعت على النقاط الآتية:
• عدم التناسب بين خطوات التقدم من أجل بناء القوات العراقية مع عملية انحدار العراق باتجاه هاوية الحرب الأهلية، وترى جميع التحليلات أن هناك بطء في عملية إعداد وبناء قوات حفظ الأمن في العراق، تقابله من الناحية الأخرى حركة سريعة للغاية باتجاه الحرب الأهلية.
• الأسباب الكامنة وراء عدم النجاح حتى الآن في بناء الحد الأدنى المطلوب من قوات حفظ الأمن العراقية، هي أسباب مازالت تخضع للمزيد من التقييم:
- المؤيدون لأمريكا يقولون: إن الأوضاع المضطربة السائدة حالياً لا تسمح بالإسراع في إعداد وبناء القوات العراقية، وذلك بسبب الضرورة الشديدة التي تتطلب الحذر واليقظة، وذلك خوفاً من حدوث المزيد من الاختراقات التي يمكن أن تؤدي إلى وقوع هذه القوات تحت تصرف القوى السياسية أو الطائفية العراقية، على النحو الذي يُفقر القوات العراقية حياديتها وانتماءها الوطني.
- المعارضون لأمريكا يقولون: إن إبطاء عملية إعداد وبناء قوات الأمن العراقية في حد ذاته هو عملية مقصودة تهدف أمريكا وحلفاؤها من ورائها إلى إفساح المجال أمام حالات الانفلات والفوضى والاضطراب أن تستشري، على النحو الذي يخلق المزيد من المبررات للإدارة الأمريكية بالإبقاء على عملية احتلال العراق لفترة أطول، بما يتيح لأمريكا كسب المزيد من الوقت لتنفيذ أجندتها الأخرى المتعلقة بسوريا والسعودية وإيران، خاصة موضوع الشرق الأوسط الجديد.
كذلك أشارت معظم الدراسات إلى أن عملية إعداد وبناء القوات العراقية سوف تخضع للسيناريوهات الآتية:
• السيناريو الأول: إذا مضت الأمور جيداً في مصلحة أمريكا:
يعتمد هذا السيناريو على فرضية أن يهدأ العراقيون ويكفوا عن المقاومة وممارسة العنف، والقبول بالاحتلال الأمريكي كأمر واقع، ويرى المسؤولون الأمريكيون أن حدوث هذه الحالة هي الشرط المطلوب توافره من أجل أن يحصل العراقيون على قوات أمن عراقية عالية الكفاءة تستطيع أن تحفظ أمن وسلامة العراق.
ويرى هؤلاء المسؤولون بأن قبول العراقيين بالاحتلال الأمريكي كأمر واقع وتعاونهم مع سلطات وقوات الاحتلال هو قبول سوف يترتب عليه توفير الكثير من الموارد والجهد والوقت، الذي تنفقه سلطات وقوات الاحتلال الأمريكي حالياً من أجل مكافحة التمرد، وبالتالي فإن توقف أعمال التمرد والعنف سوف يجعل الأمريكيين أكثر تفرغاً عملية إعداد وبناء الجيش العراقي.
ويشير بعض الخبراء إلى أن فترة بقاء القوات الأمريكية في العراق في حالة حدوث هذا السيناريو، قد تمتد على الأقل إلى خمس سنوات أي حتى عام 2012 بافتراض أن يتوقف العراقيون الآن عن التمرد والمقاومة. إضافة إلى أن بقاء المستشارين والخبراء العسكريين الأمريكيين في العراق سوف يستمر إلى عام 2015 على الأقل.
• السيناريو الثاني: إذا مضت الأمور بشكل سيئ في مواجهة أمريكا:
ويقوم هذا السيناريو على افتراض أن لا يهدأ العراقيون، وأن لا يقبلوا بالاحتلال الأمريكي كأمر واقع، وأن تتصاعد وتائر العنف الطائفي والسياسي والاثني في العراق.
في هذه الحالة يفترض الخبراء الأمريكيون أن عملية إعداد وبناء القوات العراقية سوف تستغرق وقتاً طويلاً يصعب تحديده وذلك بسبب أن القوات الأمريكية والإدارة الأمريكية وحلفاءها العراقيين سوف يكونون أكثر انشغالاً بعملية القضاء على حالة العنف والفوضى والتمرد.. كذلك يرى هؤلاء الخبراء بضرورة عدم القيام بإعداد وبناء قوات عراقية، والانتظار ريثما يتحقق الآتي:
- تحقيق المصالحة والتسوية الوطنية بين الأطراف العراقية وذلك لأن عملية المصالحة والتسوية الوطنية بين الأطراف العراقية وذلك لأنها في حد ذاتها بمثابة الشرط الضروري للأساس الذي يمكن الاستناد إليه في بناء قوات أمن عراقية موحدة.
- معرفة مصير العراق، وحدة، فيدرالية، كونفيدرالية، أم انفصال وتقسيم إلى دويلات، وبالتالي يرى الخبراء بأنه من غير الممكن بناء قوات أمن لدولة لم يتحدد مصيرها بعد.
- معرفة مصير الحكومة الوطنية العراقية المركزية، لأنه إذا كانت الحكومة العراقية ضعيفة ولا تتمتع بسند شعبي فإن قوات الأمن سوف تنقلب عليها، وبالتالي تنهار الديمقراطية التي (قامت أمريكا ببنائها في العراق) كذلك إذا انهارت الحكومة بسبب ضغوط الميليشيات وحركات العنف، فإن الجيش سوف ينهار أيضاً، ويتحول إلى جماعات مسلحة على غرار ما حدث في الصومال، وبالتالي يرى هؤلاء الخبراء ان بناء وإعداد الجيش العراقي في هذه الظروف المضطربة حالياً هو أمر غير ممكن ولابدّ من التريث لحين تتم معرفة مصير الحكومة العراقية. إضافة إلى أطروحات كوردسمان التي هدفت لتعزيز موقف أمريكا إزاء احتلال العراق وتأكيد ضرورة البقاء لفترة أطول، طرح أندرو إكسوم في صحيفة الديلي ستار، رأياً يقول: إن علينا ألا نتوقع ظهور جيش عراقي قادر على مواجهة التحديات في الفترة القريبة القادمة. ومن أبرز الحجج والدلائل التي يسوقها إكسوم.
* ان العسكريين الأمريكيين يحاولون إعداد وإنشاء جيش عراقي يعمل على غرار الجيش الأمريكي، دون إعطاء الاعتبارات اللازمة للغرق بين الخصوصية التي يتميز بها الجيش الأمريكي والخصوصية المفترضة التي يجب أن يتميز بها الجيش العراقي.
* ان الجيش الأمريكي يعمل من أجل مواجهة التحديات والتهديدات الخارجية.. أما الجيش العراقي المفترض فسوف يتوجب عليه مواجهة التهديدات والتحديات الداخلية.
ان الانفاق على الجيش الأمريكي يعتمد على ميزانية أمريكا التي تتجاوز الـ12 تريليون دولار (أي 12 ألف مليار دولار) بينما الانفاق على الجيش العراقي فيعتمد على ميزانية العراق التي لا تتجاوز سوى بضع عشرات المليارات من الدولارات.
وعلى خلفية كل هذه المغالطات على المستوى غير المعلن سوف تدفع أمريكا العنف الطائفي والاثني في العراق باتجاه التصعيد، وسوف تعمل على عرقلة تكوين وإعداد الجيش العراقي. أما على المستوى المعلن فسوف تقول أمريكا بأنها سوف تنسحب من العراق عندما تتم عملية بناء وإعداد الجيش وقوات الأمن العراقية القادرة على حفظ الأمن والسلام في العراق، وذلك لأنه من العيب، كل العيب، أن تنسحب أمريكا من العراق وتترك الشعب العراقي يواجه المحنة وكارثة الحرب الأهلية والعنف الطائفي.
وعموماً يمكن القول: إن عملية إعداد وبناء قوات الأمن العراقية سوف لن تتم وسيكون الأمر على غرار حكاية سائق السيارة الذي يحاول الانطلاق بأقصى سرعة ممكنة من أجل اللحاق بالتمثال الموضوع على مقدمة السيارة.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد