لا جدوى فعلية للخطوط الحمراء الإسرائيلية في سوريا
«فرضية» سلاح البحرية الإسرائيلي حول صواريخ الياخونت الموجودة في حوزة حزب الله، وإمكان إطلاقها من الأراضي السورية باتجاه السفن والمنشآت الاستراتيجية البحرية في إسرائيل، تعيد طرح جدوى الخطوط الحمراء الإسرائيلية في الساحة السورية، وتحديداً ما يتعلق بمنع نقل سلاح نوعي إلى حزب الله في لبنان.
تصريحات الضابط الرفيع في البحرية الإسرائيلية كاشفة لسيناريوهات حرب تشغل طاولة التخطيط في الجيش الإسرائيلي. هي إحدى الفرضيات النظرية ــ العملية، من بين فرضيات أخرى، من شأنها أن تظهر حجم التحدي الماثل أمام تل أبيب، إذا فرضت الحرب نفسها على الجانبين، أو إذا قررت تل أبيب المجازفة وشن اعتداء. هذه الفرضية وغيرها من الفرضيات، كسيناريو مقدر قد تشهده الحرب المقبلة، من شأنها أن تفسر إحجام تل أبيب عن شن الحرب نفسها. ويكفي أن «ينفلت» جزء من هذا السلاح النوعي ليلحق أضراراً (بإسرائيل) كافية بذاتها لمنع الحرب ابتداءً.
قيل في إسرائيل الكثير عن هذه السيناريوهات، التي سماها المسؤولون والمحللون الإسرائيليون «سيناريوهات الرعب». أحدها استهداف محطة الخضيرة لإنتاج الكهرباء وتوزيعها، الموجودة في مرمى صواريخ حزب الله من لبنان ومن سوريا، بحسب الفرضية الجديدة. صاروخ واحد يصيب قلب المحطة، من شأنه أن يدفع إسرائيل إلى عتمة واسعة النطاق، كان قد حذّر منها مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، اللواء غيورا ايلاند، وحدد مدتها، كحدٍّ أدنى، بستة أشهر متواصلة. وللإشارة أيضاً، إن استهداف منشأة بحرية إسرائيلية واحدة لاستخراج الغاز والنفط في المتوسط، يكلف إسرائيل خسائر مباشرة بمئات الملايين من الدولارات، وخسائر غير مباشرة تقدر بالمليارات. كذلك لا يخفي الإسرائيليون خشيتهم أيضاً من أن أصل التهديد باستخدام هذه الصواريخ، حتى من دون استخدامها الفعلي، من شأنه أن يفرض حصاراً بحرياً غير مسبوق على الموانئ الإسرائيلية التي يمر بها أكثر من 90 بالمئة من البضائع التي يستوردها الكيان.
ما ورد على لسان الضابط في البحرية الإسرائيلية، يكشف أن ساحة التهديد امتدت وتوسعت أضعافاً مضاعفة. فإضافة الساحة السورية كمصدر مباشر للتهديد الصاروخي لحزب الله، بكل ما تتضمنه هذه الساحة من تعقيدات، تصعّب المهمة على الجيش الإسرائيلي أكثر مما هي حالياً، خاصة أن «رافعة الضغط» الرئيسية على الحزب وحلفائه في سوريا لم تعد موجودة ولم تعد بمتناول اليد الإسرائيلية، بعد الوجود العسكري الروسي المباشر، والهدف الرئيسي المعلن لموسكو من وجودها في هذا البلد، وهو مساندة وتمتين النظام ومنع استهدافه من أي جهة تعمل لـ (أو تهدد بـ) إسقاطه أو إضعافه.
لقاءات وإجراءات وجلسات تعارف إسرائيل بالمسؤولين الروس، أفضت إلى تفاهم حول منع الاحتكاك في الفضاء السوري، مع ضوابط وموانع فرضها الروس، وهي طبيعية جداً، بعدم التعرض لمصالحه المباشرة في الساحة السورية. هذا التفاهم لا يحول دون تزويد روسيا للجيش السوري بأسلحة نوعية، ضرورة قتاله للمسلحين، تقول إسرائيل إنها ستصل عاجلاً أو آجلاً، إلى حزب الله. هذه الفرضية كانت قائمة في الماضي، وهي قائمة حالياً، ومقدر لها أن تستمر أيضاً، مهما كان شكل ومضمون «التنسيق» حول أمن الطلعات الجوية لسلاحي الجو في سوريا.
في الموازاة، روسيا وحزب الله ليسا حليفين في محور المقاومة. وهذا الواقع يفرض نفسه على العلاقة بين الجانبين، ويسمح لموسكو بالتطلع نحو إسرائيل وإقامة علاقات معها، هي في حدها الأدنى لزوم «العلاقات العامة» وإعطاء «شرعية دولية» ما لتحركها في سوريا. إلا أن القتال المشترك في الساحة السورية، جنباً إلى جنب مع حزب الله وحلفائهما بطبيعة الحال، هو أيضاً واقع يفرض نفسه على العلاقة بين الجانبين (روسيا وحزب الله)، ويؤدي إلى نتائج هي خارج متناول اليد الإسرائيلية، لأنها نتيجة طبيعية للقتال المشترك.
في السابق، وحالياً، أعلنت إسرائيل أن فرضية العمل لديها هي أن كل ما يصل أو هو موجود في حوزة إيران وسوريا، سيصل عاجلاً أو آجلاً إلى أيدي حزب الله. وهذه الفرضية تفرض نفسها الآن، في ظل التطورات الأخيرة في الساحة السورية، والقتال المشترك الروسي الإيراني السوري وحزب الله ضد الجماعات المسلحة. من ناحية إسرائيل، يفضي ذلك إلى فتح الباب على مصراعيه بين مختلف الأطراف المشاركة في القتال، ومن بينها التسليح بمختلف الوسائل القتالية. من هنا تأتي الخشية الإسرائيلية، وإذا كان هناك شك في أن الروس يزودون حزب الله بأسلحة «كاسرة للتوازن»، إلا أنه لا شك في أنها تصل إلى ترسانة الجيش السوري. وهنا تكمن مشكلة إسرائيل.
هذا لا يعني أن تل ابيب ستتوقف عن اعتداءاتها ضد ما يمكنها كشفه من عمليات نقل سلاح نوعي إلى لبنان، إلا أن ذلك سيكون محدود الجدوى، باعتراف الإسرائيليين أنفسهم، وإقرارهم بأن ما ورد إلى لبنان أكثر بكثير وبما لا يقاس، مما جرى إحباطه.
أما لجهة المعركة الكبرى في سوريا، فقد أثبتت تل أبيب أنها تدرك حدود القوة واستخدامها في مواجهة المارد الروسي ومصالحه في سوريا، وعلى رأسها استهداف النظام أو التهديد باستهدافه. وعلى نقيض من موقف أنقرة، تدرك تل أبيب أن عليها أن تتعايش مع واقع القتال المشترك للروس وحزب الله ونتائج هذا القتال، وأن ترضى بهامش تحرك عرضي لا يفضي إلى التأثير المباشر في القتال ونتائجه في سوريا، وإلا واجهت ردّ فعل روسياً لن يكون أقل من ردّ الفعل تجاه حكام تركيا ورعونتهم. وبين هذا وذاك، تستمر المعركة في سوريا، ويستمر تعاظم حزب الله عسكرياً، رضيت إسرائيل بذلك أو لم ترضَ.
يحيى دبوق
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد