زبيدة ثروت وأحمد راتب: القاهرة تنام على رحيل وتصحو على آخر
كُتب على الوسط الفني في القاهرة أن يشهد في الشهر الأخير من كل عام، رحيل عدد من الفنانين دفعة واحدة ليكتمل انفراط العقد. نامت مصر أوّل من أمس على خبر رحيل «قطة السينما المصرية» زبيدة ثروت عن 76 عاماً، واستفاقت أمس على نبأ رحيل النجم المبدع أحمد راتب عن 67 عاماً، إثر تعرضه لأزمة قلبية داخل أحد مستشفيات مدينة 6 أكتوبر (غرب القاهرة) حيث كان يمكث فى العناية المركز في الفترة الأخيرة، وفق ما صرّح زوج ابنته لوسائل الإعلام.
بملامح وجهه الحادة وجسده النحيل وأدائه الكوميدي الراقي والاحترافي، لفت أحمد راتب الأنظار منذ البدايات، فهو لم يكن يشبه أحداً من أبناء جيله. يقف على خشبة المسرح، تجده غول تمثيل، يخرج بالـ «إيفيه» بسرعة بديهة يُحسد عليها، وفي الدراما يغزل أدواره بدقة متناهية، كما أنّه من الفنانين القلائل الذين كانوا يملكون عشقاً خاصاً لخشبة المسرح. بدأ مشواره الفني من المسرح المدرسي، وواصل الرحلة على مسرح فرقة التمثيل في كلية الهندسة التي تركها لصالح «معهد الفنون المسرحية»، ومن بعدها بدأ أولى خطواته أمام عملاق الكوميديا فؤاد المهندس الذي اختاره لتجسيد واحد من الأدوار المهمّة في النص المسرحي «سُك على بناتك». من هنا، انطلق راتب في دور «سامح»، المعيد في كلية العلوم الذي يعمل مع استاذه المهندس وهو شاب خام بلا تجارب عاطفية. يعمل أستاذه على تزويحه من إحدى بناته قائلاً: « بلاها سوسو خُد نادية». وعلى امتداد مشاهد المسرحية، يغيّر المهندس اسم الفتاة التي يرشّحها للزواج، قبل أن يقول له راتب في النهاية «بلاها نادية وبلاها سوسو»، فيرد المهندس: «أمّال هتتجوزني أنا».
نستطيع القول بكل ثقة إنّ أحمد راتب يملك رصيداً من الأدوار المنوّعة، لأنّه كان يتمتع بذكاء فني في اختيار أدواره، وشارك تقريباً كل النجوم الكبار في أعمالهم، بدءاً من فؤاد المهندس وعادل إمام ومحمود عبد العزيز وأحمد زكي، وصولاً إلى نور الشريف ويسرا وليلى علوي وعزت العلايلي، وغيرهم.
وإذا كان الراحل قد أثبت تألقاً في المسرح حيث لا ننسى أعماله مع عادل إمام مثل مسرحية «الزعيم» (1993)، و«جحا يحكم المدينة» (1985) مع سمير غانم وإسعاد يونس، فقد برع أيضاً في السينما في أعمال كثيرة بينها «نبتدي منين الحكاية» (1976 ــ إخراج محمد سلمان)، و«قاتل مقتلش حد» (1979 ــ إخراج محمد عبد العزيز)... بدأت رحلة تألق أحمد راتب تحديداً في مطلع الثمانينيات بعد صداقته بـ «الزعيم»، وقد يكون الفنان الأوفر حظاً في جيله بتعاونه مع عادل إمام حيث كان عامل مشترك له في أغلب أعماله، بدءاً من «شعبان تحت الصفر» (1980 ــ إخراج هنري بركات)، ثم «انتخبوا الدكتور عبد الباسط سليمان» (1981 ــ إخراج محمد عبد العزيز) و«على باب الوزير» (1982 ــ إخراج محمد عبد العزيز) و«لا من شاف ولا من دري» (1983 ــ إخراج نادر جلال)، و«المتسوّل» (1983 ــ إخراج أحمد السبعاوي) و«واحدة بواحدة» (1984 ـ إخراج نادر جلال) و«حتى لا يطير الدخان» (1984 ــ إخراج أحمد يحيى)، فـ «جزيرة الشيطان» (1990 ــ إخراج نادر جلال) و«اللعب مع الكبار» (1991 ــ إخراج شريف عرفة) و«المنسي» (1993 ــ إخراج شريف عرفة) وغيرها.
إلى جانب أعماله مع عادل إمام، شارك راتب معظم نجوم الصف الأوّل. رأيناه مع نور الشريف في «آخر الرجال المحترمين» (1984 ــ إخراج سمير سيف)، ومع أحمد زكي في «التخشيبة» (1984 ــ إخراج عاطف الطيب)، ومع محمد صبحي في «على بيه مظهر و40 حرامي» (1985 ــ إخراج أحمد ياسين)، ومع محمود عبد العزيز في مسلسل «رأفت الهجان».
وكما لمع أحمد راتب في السينما في أدوار لا يمكن نسيانها، خصوصاً شخصيات «محسن» في «طيور الظلام» وجملته الشهيرة «متفضهاش يا مرجيحة»، و«شلبي» في «الإرهاب والكباب»، و«سيف» زعيم الحركة الاسلامية في «الإرهابي وإفيهاته»، تميّز الراحل في الدراما في أكثر من دور وشخصية، منها «سيد السحت» في مسلسل «المال والبنون»، وهي الشخصية التي صارت من علامات الدراما المصرية. وهناك أيضاً شخصيته الشهيرة «الكحيت» في مسلسل «ناس وناس». علماً بأنّه كان من الفنانين الذين يضعون لكل شخصية «لزمة» أو «إفيه»، وغالباً ما كان يرسم ملامحها الداخلية والخارجية بشكل ذكي يجعل المشاهد يتذكرها دائماً.
نال أحمد راتب جائزة مهرجان الإذاعة والتلفزيون عن دور القصبجي في مسلسل «أم كلثوم» (1999 ــ إخراج إنعام محمد علي). في هذا السياق، لا بد من تأكيد براعته في أداء هذه الشخصية، شكلاً ومضموناً. وأصبح راتب يشكّل قاسماً مشتركاً لمعظم أفلام الشباب الحديثة. مَن منا لا يذكره في مسلسل «الداعية» (2013 ــ إخراج محمد جمال العدل) مع هاني سلامة، الذي حصد عنه عدداً من الجوائز والكثير من الإشادات النقدية، فضلاً عن شخصية «الحلواني» في «بوابة الحلواني» (1992 ــ إخراج إبراهيم الصحن)، و«رضوان الكومي» في مسلسل «سكة الهلالي» (2006 ــ إخراج محمد فاضل)؟ هكذا، رحل أحمد راتب وترك شخوصه في أكثر من 400 عمل فني، تمثل حالة فريدة في الإبداع.
حبيبة عبد الحليم حافظ رحلت أيضاً. تميّزت زبيدة ثروت عن فنانات جيلها بطلّتها الساحرة، وعينيها الزرقاوين اللتين جعلتاها تقتنص لقب «قطة السينما المصرية». بدأت حياتها الفنية بشخصية «زيزي»، عندما انتقلت من الإسكندرية إلى القاهرة من خلال فيلم «دليلة» (1956) لشادية وعبد الحليم حافظ، حيث ظهرت لدقائق معدودة، بعدما قدمها مخرجه محمد كريم. ورغم تهافت البطولات السينمائية عليها لاحقاً، إلا أنّ فيلم «يوم من عمري» (1961 ــ إخراج عاطف سالم) الذي وقفت فيه أمام العندليب الأسمر، سيظل الأبرز في مشوارها السينمائي، مناصفة مع فيلم «في بيتنا رجل» (1961 ــ إخراج هنري بركات) مع النجم الراحل عمر الشريف. في هذا الشريط، أدّت دور «نوال» التي تقع في غرام المناضل السياسي الذي يواجه الإحتلال البريطاني.
تنوّعت محطات هذه الممثلة الجميلة بين السينما والدراما والمسرح بشخصيات متعدّدة، ووصلت إلى 35 عملاً، إذ قدمت دور «ضحى» في فيلم «الملاك الصغير» (1958 ــ إخراج كمال الشيخ)، مع يحيى شاهين وحسين رياض، و«ليلى» في فيلم «احترسي من الحب» (1959 ـــ إخراج حسن الصيفي)، و«فاطمة» في فيلم «زوجة غيورة جداً» (1969 ــ إخراج حلمي رفلة) مع حسن يوسف، و«حياة» في «زهرة البنفسج» (1972 ــ إخراج عبد الرحمن الخميسي)، و«عايدة» في «الحب حرام» (1976)، و«ليلى» في «لقاء هناك» (1976 ــ إخراج أحمد ضياء الدين)، إضافة إلى ظهورها في «الحب الضائع» (1970 ــ إخراج هنري بركات) مع سعاد حسني ورشدي أباظة ومحمود المليجي، وفي «أنا وزوجتي والسكرتيرة» (1970 ــ إخراج محمود ذو الفقار) مع أحمد رمزي، وفي «المذنبون» (1976 ــ إخراج سعيد مرزوق) مع سهير رمزي وحسين فهمي.
واختتمت زبيدة ثروت حياتها الفنية بمسرحية «عائلة سعيدة جداً» (تأليف وإخراج الراحل السيد بدير)، مع الراحل أمين الهنيدي والمنتصر بالله، بعدما قدمت مسرحية أخرى بعنوان «20 فرخة وديك»، ثم قررت الإعتزال والإبتعاد عن الساحة الفنية فى نهاية السبعينيات.
تزوّجت الراحلة أربع مرات. كان زوجها الأوّل إيهاب الغزاوي يعمل ضابطاً في البحرية المصرية، وقد ارتبطا في عام 1960، ثم تزوجت المنتج السوري صبحي فرحات الذي أنجبت منه بناتها الأربع، ثم اقترنت بمحمد إسماعيل. أما آخر أزواجها، فهو الممثل عمر ناجي.
علا الشافعي
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد