الرواية والشعر في الجلسة الثانية من ندوة الأدب والمنفى
بدأت أمس الجلسة الثانية من وقائع ندوة الأدب والمنفى -التي تقام ضمن فعاليات مهرجان الدوحة الثقافي السادس- وشارك فيها كل من الناقد السوري كمال أبو ديب والروائي الجزائري واسيني الأعرج والسوري نبيل سليمان والناقد التونسي محمد لطفي اليوسفي.
وتحدث في بداية الجلسة واسيني الأعرج وكانت مداخلته بعنوان "شهادة ذاتية: أراضي المنفى, وطن الكتابة" تناول فيها حكاية غربته ومنفاه وترحاله من بلده إلى فرنسا وقصة والده الذي مات تحت التعذيب أثناء حرب التحرير الجزائرية.
وقال الأعرج "المنفى؟ ننسى ونظن أن ذلك لا يحدث إلا للآخرين, المنفى كلمة صغيرة تخبئ وراءها إرثا بشريا ثقيلا ومرا ولهذا كلما سمعت كلمة منفى ينتابني إحساس غريب".
ويضيف في جزء من شهادته الذاتية عن المنفى تحت عنوان "شهوة المتخيل" ما معنى منفى بالنسبة لفنان منفاه الأول هو عتاده ولغته التي يكتب بها كما يقول رولان بارث؟ اللغة تصنع عالما موازيا يعج بتفاصيل الحياة التي نحس بانتماءاتها لنا ولكنها لا تنتمي في نهاية المطاف إلا إلى اللغة ونظامها الصارم.
وقال: فهل المنفى هو افتقاد الأرض التي شيد عليها الفنان ذاكرته وأشواقه؟ فكم أرض يملك الكاتب إذن أرض الطفولة التي يفقدها في سكن مبكر ولا تستعيدها إلا الكتابة بشهواتها المختلفة ومخيالها الذي يهزنا بمتعته كلما توغلنا فيه؟".
ويتسائل الأعرج في نهاية ورقته -التي تمثل في حد ذاتها إبداعا راقيا- عن قلق الكتابة في السيرة الذاتية هل خسر وطنا حقا عندما خرج في ذلك اليوم الشتوي القاسي ولم يلتفت وراءه لكي لا يتراجع؟
أما الناقد السوري كمال أبو ديب فقد تناول في بحثه عن المنفى ورقة بعنوان "نحو شعريات للمنفى" بدأها بمقولة محورة عن المسيح عليه السلام وهي "الحق الحق أقول لكم أنه لا كرامة لنبي في وطنه" وذيل ذلك بمقطع للشاعر الراحل نزار قباني يقول فيها:
يتكسر المنفى على المنفى
بداخلنا
وتبكي الكبرياء
منفى على منفى على منفى
ولا ثقب صغير في الجدار.
وفي عنوان ضمن المداخلة تحت إسم "مسك افتتاح" أورد عبارة شهيرة للمفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد الذي قال لأبو ديب في بيته بنيويورك "لقد قضيت أربعين عاما في هذه المدينة لكنني كل نهاية عام دراسي أهرع إلى البيت وأضب حقيبتي للعودة. ثم أخمد إذ أردك أنه ما من مكان لي لأعود إليه".
وقال أبو ديب إن مقالة سعيد تعتبر علامة بارزة في الكتابة عن المنفى فهي توحد -حسب قوله- بين المنفى من حيث هو مكان للهجرة الطوعية ومن حيث هو مكان لنفي قسري بالإضافة إلى أنها تكتنه جوانب من تجربة النفي والهجرة تمثل فعل مقاومة للفاعليات والعقابيل السلبية لها.
وأوضح أبو ديب أن رحيل الإنسان يمثل استجابات متباينة بين قطبي الإنسلاخ والمنفى ويضيف "يحيا الإنسان حنينا ممزقا أبديا للعودة إلى الأصل, إلى المنسلخ أو ينأى إلى القصي القصي خالعا عن نفسه وهم العودة وغوايتها ويعيش الإنسان حنينا عذبا إلى العودة أو رعبا مدوخا منها, هو ذا امرؤ القيس الجاهلي يعيش قطب الرعب مجسدا رعبه بواحدة من أروع الصور في الشعر:
إلى عرق الثرى وشجت عروقي وهذا الموت يسلبني شبابي
ونفسي سوف يسلبها وجرمي فيلحقني وشيكا بالتراب
وأضاف أن ثمة أصواتا أخرى في الثقافات الإنسانية تحتفي بالعودة إلى التراب وترى الموت تحريرا للنفس من عقال الجسدية ودنيوية الوجود المادي وعودة بها إلى منابع النقاء والبراءة الأولى أو صعودا بها إلى قمة الجبل وكما يرى جبران خليل جبران في "النبي".
وتطرق أبو ديب في دراسته إلى مقاطع من قصائد لشعراء من عصور مختلفة من بينهم شعراء معاصرون عاشوا تجربة المنفى كما عاشها الناقد نفسه بعد أن قسم إلى مستويات هي نفي الإنسان من نفسه, ونفي الإنسان من القبيلة والتي يعتبرها أبو ديب مصطلحا دقيقا للتعبير عن الجماعة البشرية التي ينتمي إليها المرء, وثالثا نفي الإنسان من الموطن وهو نوعان داخلي وخارجي, ورابعا نفي الإنسان من العالم.
كما تحدث في الندوة أيضا الروائي والناقد السوري نبيل سليمان الذي تناول علاقة المنفى بالرواية، مؤكدا أن القول بأدب المنفى لم يعرف إلا قريبا وبالتحديد في ثلاثينيات القرن العشرين إبان الجلجلة النازية، كما تحدث كذلك الناقد التونسي محمد لطفي اليوسفي الذي تناول الشعر والمنفى وعلاقة ذلك بالغة.
يذكر أن الجلسة الثالثة -هي الأخيرة التي ستقام غدا من هذه الندوة- سيشارك فيها كل من الروائي الليبي إبراهيم الكوني والشاعر العماني سيف الرحبي والناقد الفلسطيني فيصل دراج وأحمد يوسف.
سيدي محمد
المصدر: الجزيرة
إضافة تعليق جديد