في ذكرى رحيل الشيخ العقلاني خليل عبد الكريم

11-08-2021

في ذكرى رحيل الشيخ العقلاني خليل عبد الكريم

مرَّت في الرابع عشر من هذا الشهر الذكرى السابعة عشر لرحيل المفكر المصري الكبير، خليل عبد الكريم، الذي رحل عن الدنيا تاركا وراءه أكثر من ثلاثة عشر كتابا هي جماع مشروعه الفكري الذي يعتبر واحدا من أهم محاولات التجديد عبر تناول التراث الإسلامي من منظور عقلاني بعيدا عن النظرة المثالية التي تتعالى على التاريخ والوقائع الاجتماعية ولا ترى أفقا للمستقبل إلا من خلال استرجاع الماضي المؤسطر.
ولد خليل عبد الكريم بمحافظة أسوان في جنوب مصر، وأنهى دراسته للفقه والشريعة الإسلامية في الأزهر مطلع الخمسينيات، كما درس القانون في جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليا) وتخرج فيها عام 1951. انضم لجماعة الإخوان المسلمين مبكرا، وعمل محاميا في مكتب الأستاذ عبدالقادر عودة، ولكنه ترك الجماعة وانضم في سنواته الأخيرة لحزب التجمع اليساري.
في أول كتبه "الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية" قدَّم عبد الكريم رؤية للتراث بهدف إيجاد منهج علمي لدراسة التاريخ الإسلامي على ضوء الظروف التاريخية الاجتماعية الاقتصادية السياسية التي أحاطت بظهور الشريعة الإسلامية ومدى تأثير هذه الظروف على طقوس الشريعة وقواعدها باعتبار أن كل جديد لا يولد من عدم بل لا بد أن يحمل في طياته أثر من القديم الذي سبقه.
في كتابه الثاني "قريش من القبيلة إلى الدولة المركزية" واصل الأستاذ خليل جهده الكبير في إعمال المنهج التاريخي لقراءة واقع الجزيرة قبل البعثة المحمدية، حيث قام بدراسة وتحليل الوقائع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والدينية التي ساهمت في تحقيق حلم قيام دولة قريش، ذلك الحلم الذي راود قصي بن كلاب ولكنه تحقق تحت لواء الإسلام على يد الحفيد محمد بن عبد الله بن عبد المطلب.
أما دراسته الفذة "شدو الربابة بأحوال مجتمع الصحابة" التي جاءت في ثلاثة مجلدات، فقد سعت لتناول موضوع الصحابة بموضوعية صارمة لا مجال فيها للمشاعر الخاصة والأحكام المسبقة، حيث سعى للاقتراب من مجتمع الرجال والنساء الذين عاصروا النبي، عاملا على استكشاف السلوكيات والعلاقات التي ربطت بينهم في مختلف أبعادها الإنسانية، إضافة لعلاقتهم بالرسول، بدون تهوين أو تهويل وبعيدا عن حالة الانبهار والتقديس التي منحها لهم المسلمون المتأخرون.
ويجدر بي في هذا الإطار الاشارة إلى أن عبد الكريم تميز عن الكثيرين من دعاة التجديد بأن كل المراجع التي استند إليها في مؤلفاته تعتبر من المصادر الموثوقة في التاريخ الإسلامي والفقه والحديث والتفسير وغيرها، ولذا فقد جاء تحليله واستنتاجاته معضدا بالنصوص والبراهين التي هي محل تقديس خصومه.
ولكنه مع ذلك لم يسلم من محاولات التكفير، حيث أصدر مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر قرارا بمصادرة كتابه "فترة التكوين في حياة الصادق الأمين" الذي صدر في عام 2001، وقال إنه "يمثل عملا عدوانيا على عقيدة الأمة الإسلامية ينكر مبدأ الرسالات السماوية إنكارا قاطعا"، كما قال حينها الأمين العام لجبهة علماء الأزهر يحيى إسماعيل، إن الكلام الوارد في الكتاب "لا يحتمل حكما آخر غير الكفر".

 

بابكر فيصل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...