تدخل تركي خليجي في الإنتخابات العراقية
بلغ التدخّل السياسي الخارجي الفاضح في الانتخابات العراقية مداه، باللقاءَين اللذين جمعا قبل أيّام قليلة رجب طيب إردوغان بكلّ من محمد الحلبوسي وخميس الخنجر، في مسعى من الرئيس التركي إلى تحقيق خرق في الوساطة بين الرجلين، ينفذ منه إلى الساحة السياسية العراقية التي لتركيا مصالح كبيرة فيها. إلّا أن مسعاه هذا باء بالفشل، بعدما لم يستطِع جمْع الرجلين بسبب العداء المستحكم بينهما، على رغم أنه التقاهما في اليوم نفسه وبفارق زمني بسيط. ويدور الخنجر، الذي يترأس «تحالف عزم العراق» في الفلك التركي والقطري، فيما يتلقّى الحلبوسي الذي يقود «تحالف تقدّم» دعماً إماراتياً، وكان قد التقى قبل نحو أسبوع بوليّ عهد أبو ظبي محمد بن زايد الذي يتدخّل بدوره في الانتخابات، على رغم تبرير لقائه الحلبوسي بالصفة الرسمية للأخير. كذلك، للحلبوسي علاقة جيّدة بوليّ العهد السعودي محمد بن سلمان، إلّا أن المال السعودي يستهدف أكثر استمالة قوى «شيعية». ويمثّل الاستقطاب الحادّ في الساحة «السُنّية» أحد الأبواب الرئيسة للتدخّل الخارجي في الانتخابات العراقية، فيما الفشل في رأب الصدع بين القطبَين «السُنيَّين» سيرتدّ سلباً على رعاتهما الإقليميين، بما يساهم في مزيد من التشتيت في مجلس النواب العراقي المقبل، ويضاعف صعوبة تشكيل الحكومة، وأيضاً الاتفاق على اسم رئيس لمجلس النواب.وتعليقاً على اجتماعَي أنقرة، يقول المرشّح عن «تحالف عزم العراق» رياض طايس، إن «الحلبوسي يقوم دوماً بزيارات إلى الدول المجاورة بحكم منصبه، وقد تكون مصادفة أن تمّت زيارته إلى أنقرة في نفس توقيت زيارة الخنجر الذي هو صديق شخصي لإردوغان، وتُعدّ تركيا بلد إقامته الثاني بعد العراق». ويضيف طايس أن الخنجر لا يَعتبر الصراع مع الحلبوسي شخصياً أو على مصالح فردية، «بل هو بشأن تهميش وإقصاء مكوّن كامل (المكوّن السُنّي)، حيث اكتفى أشخاص بحكم وجودهم في العملية السياسية بتحقيق مكاسب معنوية ومادية لهم ولحزبهم فقط»، في إشارة إلى أداء الحلبوسي في رئاسة مجلس النواب، متابعاً أن «تحالف العزم انبثق من رحم معاناة حقيقية على طريق المطالبة بحقوق مكوّن كامل لا يمكن تغييبه أو اختزاله بأشخاص». وعمّا إذا كان التحالف يحصل على تمويل انتخابي خارجي، يجيب بأنه «في الإمكان مراقبة الحملات الدعائية للكتل المنافسة في نفس ساحة تحالف العزم، وملاحظة حجم البذخ المفرط في الدعايات والهبات والعطايا من قِبَل المرشحين الآخرين. فماذا نقول عن ذلك، أموالاً خاصة أم عامة أم دعماً إقليمياً أو دولياً؟»، مؤكداً أن «غالبية المرشّحين الآخرين في تحالف العزم لم يتسلّموا تمويلاً من الخنجر، وأنا واحد من هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر». ويتوقّع طايس أن يحصل «تحالف عزم العراق على عدد من المقاعد البرلمانية للدورة المقبلة تؤهّله لتبنّي قضايا المكوّن السُنّي رسمياً في جميع المحافل، بسبب المقبولية لأهداف التحالف، والأهمّ هو مقبولية مرشّحيه الحاليين ضمن دوائرهم الانتخابية بشكل كبير جداً».
في المقابل، يلفت المرشح عن «تحالف تقدّم»، عمار العزاوي، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «هناك محاولات من أجل عدم التصعيد في المواقف من الأطراف، وتقريب وجهات النظر وتحقيق الصُلح، على رغم أنّنا كتحالف تقدّم أكدنا منذ البداية أن ليس لدينا خلاف مع أيّ طرف في ما يتعلّق بالعمل الانتخابي وتقديم الخدمات للجمهور، خصوصاً في المناطق التي عانت من الإرهاب والعمليات العسكرية، وتوفير كلّ ما يساهم في الرقيّ لأبناء تلك المناطق». وعن الاتهامات للتحالف الذي ينتمي إليه بالحصول على أموال من الإمارات، يردّ العزاوي بأن «هذا يدخل في باب التسقيط السياسي لدى بعض الأطراف التي انتهت فاعليتها في الشارع، فتلجأ إلى استهدافات كهذه ومحاولات خاسرة»، مضيفاً «أنّنا من خلال القراءة للشارع وما قدّمناه، نعتقد أنّنا الرقم الصعب في المعادلة السياسية» في إشارة إلى التحالفات ما بعد الانتخابات. والجدير ذكره، هنا، أن التنافس بين «تقدّم» و«العزم» أسقط المرشح عن التحالف الأوّل حيدر الملا الذي استبعدته مفوضية الانتخابات، بعد تسريب تسجيل صوتي له يلمّح فيه إلى تأييده التطبيع مع إسرائيل، إذ يقول في التسجيل: «كنّا زمان نقول شارون ولا صدام، والآن أوصلونا لأن نقول تطبيع ولا هذول القواويد»، مشيراً بذلك إلى القوى السياسية العراقية. واتّهم الملا، النائب محمد الكربولي من «العزم»، بتسريب هذا التسجيل بهدف إقصائه.
وفي خضمّ الصراع المحتدم على الساحة «السُنّية» عشية الانتخابات، يتجدّد الحديث عن المال السياسي بوصفه عنصراً رئيساً في المشهد. وفي هذا الإطار، يقول رئيس أوّل مفوضية للانتخابات بعد الاحتلال عادل اللامي، في حديث إلى «الأخبار»، إن «القوى السياسية كلّها لها دعم في الخارج، والدليل زيارة الحلبوسي والخنجر إلى تركيا»، مضيفاً: «طبعاً بعض الأحزاب لها علاقات خارجية مع بعض دول الجوار، وبالتأكيد يحصلون على دعم مادّي، لكن معظم المال السياسي والإنفاق على الانتخابات هو من المال العام بسبب المحاصصة السياسية في وزارات ودوائر الدولة. والأحزاب التي تستولي على المال العام هي كلّ الأحزاب القابضة على السلطة ومؤسسات ودوائر الدولة». أمّا الخبير الانتخابي دريد توفيق فيلفت إلى أن «بعض الدول تقدّم دعماً سياسياً ومالياً. والأحزاب لديها تغطية مالية من الداخل والخارج»، مرجّحاً فوز الأحزاب السياسية نفسها، حتى لو قلّت نسبة الاقتراع، موضحاً أن «السبب في ذلك هو قانون الانتخابات الذي لا يتضمّن سقفاً للإنفاق الدعائي الانتخابي، والذي يفتح الطريق للإنفاق من دون حسيب أو رقيب لأنه لا يمكن قانوناً محاسبة مَن يقوم بهذا الإنفاق. وقد فصّلته القوى السياسية على قياسها». ويشير توفيق إلى أن «هناك مبالغ ضخمة غير معروفة المصدر، تُنفَق في الحملات الانتخابية. وهناك أجهزة رقابة يسمّونها الرقابة النوعية، وهي موجودة في كلّ العالم تتابع العمل. هذه الرقابة للأسف تكاد تكون معدومة عندنا أو فيها نسبة مجاملة عالية».
الأخبار
إضافة تعليق جديد