معضلة خلط الدين بالدولة..الأسباب والحلول

04-07-2022

معضلة خلط الدين بالدولة..الأسباب والحلول

سامح عسكر:
  

لا شك أن العلاقة بين الدين والسياسة في الإسلام معقدة، ومنبع تعقيدها أن تاريخ المسلمين يغلب عليه الطابع السياسي منذ هجرة الرسول إلى المدينة، وتطور هذا الطابع بشكل سئ بعد وفاة النبي إلى احتراب أهلي بين الصحابة وآل البيت والتابعين وأنصارهم لمدة 100 عام تقريبا، وطوال هذه الفترة لم تنطفئ شهوة الحروب ولم تهدأ النفوس حتى إذا ظن البعض أنها هدأت نراها اشتعلت بشكل أكثر وحشية وبصورة أكثر قسوة..

بينما في المقابل نرى النص الديني المؤسس للإسلام وهو القرآن لم يحاكي هذا الطابع السياسي في أكثر من 95% من نصوصه تقريبا، فحسب دراسة نشرتها جريدة القبس الكويتية للكاتب "علي البغيلي" بتاريخ 5 ديسمبر 2020 أن موضوعات الأخلاق والمعاملات في القرآن لها أكثر من 1500 آية، وهذه نسبة تقترب من (رُبع القرآن) الذي يبلغ عدد آياته 6236 آية، وحسب دراسة نشرها موقع موضوع للكاتب "بسيم مسالمة" في يناير 2021 م أن هناك 1600 آية لقصص الأنبياء والصالحين وحوالي 2220 آية للعقائد والتوحيد والإيمان وصفات الله و 400 آية للأدعية والتعاويذ

فيكون مجموع هذه الآيات التي لم تتحدث في السياسة 1500+ 1600+ 400+ 2220 = 5720 آية، ولم يتضمن الإحصاء آيات الفقه وأحكام النكاح والطلاق والمواريث فقد عرضها الباحث بمجموع 730 آية مع آيات الجهاد والحرب، وبالتالي فنسبة 95% من القرآن ليست سياسية هذه نسبة قليلة لكني قدّرتها على هذا الرقم عملا بافتراض الأسوأ، ولو في تقديري أن هذه النسبة ربما تصل إلى 99% تقريبا فيما يثبت بما لا يدع مجالا للشك أن السياسة والحروب في القرىن لا تحتل موقعا يُذكر وأن الذي يهيمن على رسالة الإسلام هي العقيدة بما يتضمنها من أحوال الغيب والإيمان القلبي ، والأخلاق بما يتضمنها من السلوك والفضيلة والحض المستمر على البناء والسلام والتسامح ، وهذه النتيجة بما ذهبت إليه تطرح أسئلة عميقة عن ما حدث بعد وفاة الرسول وكيف وصل الفقهاء إلى قدسية الجهاد والغزو واعتباره ذروة سنام الإسلام وأن خلط الدين بالسياسة والدولة فريضة إسلامية نشأ عليها الصحابة والتابعين..

الأزمة تكمن في اعتبار ما فعله الصحابة دليلا شرعيا وهذا ما يؤمن به الحنابلة والظاهرية بالخصوص كأكثر مذاهب المسلمين اعتدادا بما فعله الصحابة كدليل شرعي في الوصول، خلافا لمعظم فقهاء المسلمين الذين يرون فعل الصحابي (دليلا متوهما) وليس حقيقيا لأن الصحابة اختلفوا وتحاربوا فكان تقليدهم لا معنى له من حيث الأصل ، إذ لا يجوز تقليد المتناقضين لضياع أصل الدليل ومن هنا وصل معظم جمهور المسلمين أن فعل الصحابة دليلا متوهما وليس له أساس شرعي إلا إذ حصل هذا الفعل على شرط التواتر والإجماع فيكون مُلزِما كما قال الظاهرية، إذ اشترطوا حجية قول وفعل الصحابي إذا لم يوجد له مُخالف، لكن الأخبار والاجتهادات في كتب الأصول تذهب إلى استحالة تحقق هذا التواتر والإجماع، وكل الادعاءات بتحقق ذلك مرسلة يصعب إثباتها، ومن تلك الجزئية ثارت أزمة حديثة بين الجماعات وخصومهم من رجال الدين الموالين للحكام

فرجل الدين الموالي للحاكم يحتج بقول الجمهور على إبطال دليل الصحابة كما تقدم، بينما الجماعات تستدل بما وصل إليه الحنابلة والظاهريون بحجية فعل الصحابي في الشرع، ولتبسيط ذلك فالجماعات ترى مثلا ما فعله الخلفاء الأربعة في الغزو والفتوحات هو (فرض واجب) صدر من صحابة قلدوا الرسول وآمنوا بتطبيق تعاليمه، لكن رجال الدين الموالين للحكام يردون عليهم أن هذه الحروب كانت اجتهادات أملتها عليهم مصلحة المسلمين، وأن السياسة الشرعية تقتضي الحرب تحت لواء الدولة والأمير فإذا كان ذلك متحققا في القرن 7 م يجب البحث في تطبيقه الآن بالقرن 21 فإذا قضت مصلحة المسلمين الحرب كان بها وإذا لم تقتضي رُدّت، وفي هذه الجزئية تأثر الفقهاء بالثورة المقاصدية للإمامين الجويني والشاطبي في إقرار أولوية المقاصد والغايات على الوسائل والأحكام الحرفية، فحدثت ثورة عقلية بالفقه الإسلامي بفضل ما فعله الإمامين كانت لها أثرا بالغا في إحياء لغة العقل والقياس وهيمنتها على كتب الأصول، وهو ما تحقق في كثير من كتب الفقه للشافعية والمالكية والحنابلة في عصر متأخر..

كل هذا كوم وما حدث بالعصر الحديث كوم آخر، فعلاوة على أزمة خلط الدين بالسياسة في صدر الإسلام حدث خلط آخر منذ نهاية القرن 19 مشحونا هذه المرة بقيم وشعارات ثورية "كمكافحة الاستعمار ووحدة المسلمين" وأبرز نموذج لذلك هو ما فعله الشيخ "جمال الدين الأفغاني" المتوفي عام 1897 م، فالشيخ جمال كان فيلسوفا ثوريا يعمل على إعلاء لغة العقل في الفقه والعقيدة والأصول ويرى أن هذا الإعلاء مقدمة لأمرين في غاية الأهمية لديه وهما (وحدة المسلمين + مكافحة الاستعمار) وهذا المنهج ظل ملازما له طوال حياته حتى تأسيس مجلة العروة الوثقى مع الشيخ محمد عبده، وكان نفي الاحتلال الإنجليزي له إلى مومباي في الهند دليلا راسخا على قوة حجته عند أنصاره وأن مظلوميته تستحق أن تُخلد في كتب التاريخ كدليل على مشروعية خلط الدين بالسياسة ومحورية الدين في الإصلاح السياسي بالعموم

ومن هذه الخلفية نشأت جماعات الإسلام السياسي – سنة وشيعة - في عصر لاحق، حيث قدمت نفسها جميعا تحت نفس الشعارات، فجماعات كالإخوان وحماس والجهاد والقاعدة والتكفير والهجرة..إلخ من السنة و حزب الله والحوثي والحشد الشعبي من الشيعة، جميعهم رفعوا شعارا واحدا وهو (مقاومة الاستعمار ووحدة المسلمين) ولا يدركون جميعا أن هذا الخط هو من تأسيس الشيخ جمال الأفغاني ولو أن الإنصاف يتطلب منا القول أن ما وصلت إليه كافة هذه الجماعات وأخطاءها لا يتحمل وزرها الشيخ جمال، فإذا كان العصر الذي عاشه الأفغاني قوميا بامتياز وأنه كان صادقا في تطبيق هذه الشعارات رغم استحالة تحققها فالأمر يختلف عن شتى جماعات الإسلام السياسي التي كُوّنت لاحقا، فشعاراتها كاذبة في الغالب وعندما يقولون وحدة المسلمين فهم يقصدون أتباعهم ومن يوافقوهم، وعندما يقولون مكافحة الاستعمار فلا يحصرون هذا العمل ضد المستعمر وحده بل يبدأون في الغالب ضد كل معارض ومختلف بالرأي بدعوى الخيانة والعمالة للاستعمار..

وهذه معضلة أخلاقية كبيرة اخترقت وعي الجماعات منشأها (الضعف) فهم في وقت يقدمون أنفسهم أقوياء قادرين على التغيير هم في الواقع ضعفاء عاجزين عن تحقيق أي شعار وهدف مما يروّجوه، فلم تتحرر فلسطين بعد ولم تتقدم الأمة ولم يتوحد المسلمون ولا زالت دولهم تابعة للغرب والشرق ويصارعون بعضهم البعض على الصغائر والتفاهات، تخيل أن هذا الواقع المؤسف رغم صعود الوهابية والثورة الإيرانية منذ السبعينات، أي مجمل ما حدث من الإسلام السياسي طوال 50 عاما لم يُنتِج شئ بل ازداد الأمر سوءا بتفكك وحروب أهلية وفتن طائفية وقتل الملايين وتشريد عشرات الملايين ودول مدمرة بالكامل ، بينما لا زالت نفس الشعارات مرفوعة والبرامج موجودة والخطاب الديني والسياسي لم يتغير، ولم يفكر أحد من زعماء الإسلاميين بعد على المراجعة، بل من راجع نفسه في السجون المصرية وخرج وظهر كشخصية عامة في الإعلام بعد ثورة يناير 2011 عاد إلى ماضيه القديم بتطرف وتكفير وقسوة ربما أكثر مما كان عليه قبل السجن..

أصل هذه المشكلة المعقدة كما قال المرحوم د نصر حامد أبو زيد، أن الخطاب الديني الإسلامي يتماهى مع السلطة السياسية في زمنه، ومن تلك الجزئية يمكن استنتاج صعوبة فضل الخطاب الديني الإسلامي عن السياسة وحُكم الدول بمجرد الرغبة والحوار بين المجتهدين، لكن مطلوب تدخل السلطة فورا بإقرار هذا الفصل الجبري واعتبار هذا الخطاب الديني القديم صنيعة زمنه والأمر الفوري لكافة مؤسسات الدين بالاجتهاد من جديد والخروج بخطاب ديني مختلف وأدلة شرعية مختلفة ، وهذا ما يحدث في السعودية الآن نوعا ما، فالأمير السعودي "محمد بن سلمان" أطلق مشروعا للتخلص من حجية ومشروعة أخبار الآحاد في السياسة والدماء والعقائد لأن مشكلة الخطاب الديني الذي أنتج الجماعات والإرهاب يعاني من هذه الأخبار الآحادية بكثرة ويصعب الفكاك منها بمجرد الحوار، بل يلزم ذلك تدخلا فوريا من الدولة والسلطات لتشجيع الاجتهاد وحث المتدبرين على تجديد الدين بشكل حقيقي

فعلى مدار 1000 عام لم ينجح فقهاء المسلمين بالخروج عن ما قالت به المذاهب الأربعة السنية أو الثلاثة الشيعية المتقدمة ، ولا زالت كتب "الأحكام السلطانية" للإمامين الماوردي تـ 450 هـ وأبي يعلي الفراء الحنبلي تـ 458هـ ، وغياث الأمم للإمام الجويني تـ 478هـ هي التي تصنع الخطاب السياسي وحُكم الدول في الشريعة الإسلامية السنية إلى اليوم، برغم خروج هذه الكتب الثلاثة في وقت واحد بالقرن 5 هـ بناء على تحولات سياسية ودينية جذرية حدثت في هذا القرن باستصدار الوثيقة القادرية للخليفة العباسي القادر بالله سنة 408 هـ، فكان اجتهاد هؤلاء الفقهاء للخروج بهذه الكتب لتعزيز سلطة الخليفة وإقرار الواقع السياسي والديني الجديد الذي صدر كمجمع مسكوني إسلامي هو الذي يحكم عقلية المسلمين حتى الآن..

أضيف أن ما قاله نصر أبو زيد من أن الخطاب الديني الإسلامي يتماهى مع السلطة السياسية في زمنه هو رد حاسم على محاكمة اللادينيين للإسلام بوصفه دينا سياسيا إرهابيا كما يعتقدون، فهو لم يقل هذه الكلمة في سياق رده على اللادينيين، لكنه قالها للتوعية بصعوبة فصل الخطاب الديني الإسلامي عن السياسة والدولة بمجرد الاحتكام على أدلة قديمة، وكأنه يرسل إشارة صعبة يملأها الأسى والحُزن واليأس بأن تعايش المسلمين مع غيرهم وبعضهم مرهون بتجديد حقيقي للدين والخروج بمذاهب جديدة لترد على القديمة، وأنه آن الأوان أن يعمل المجتهدون والمفكرون والفلاسفة والأدباء والمثقفون في هذا المضمار، لذلك كنت – ولا زلت – من أشد المعترضين على خطاب الرئيس المصري للأزهر بتجديد الخطاب الديني دون ترجمة هذا الخطاب على شكل قوانين عملية تحد من سلطة رجل الدين على العامة، وأن هذا التكليف للأزهر بتجديد الدين لم يُراع مشكلة هذه المؤسسة بنيويا لقيامها على المذاهب القديمة وتقديسها للأئمة السابقين دون القدرة على الخروج عن ما فهمه الأجداد عملا بمبدأ "هذا ما وجدنا عليه آباءنا" الذي تكرر 10 مرات في القرآن على لسان الطغاة وخصوم الأنبياء..

كذلك فالواجب تحرير وفهم مرحلة المدينة مرة أخرى، بمعنى إعادة فهم وقراءة السور المدنية وآيات الحرب التي وردت بها من جديد، وما يتعلق في ذلك بإعادة فهم ما يسمى "الدولة الإسلامية" وهل يوجد هذا المصطلح في القرآن أم لا ؟ وهل هو ثابت من ثوابت الدين أم لا؟ وهل تلك الدولة من أركان الدين أم من متغيرات المجتمع؟..فلو كانت من أركان الدين فلماذا لم تُذكر كأوامر ونواهٍ قاطعة ومحكمة في القرآن؟..ولو كانت من متغيرات المجتمع فأين الدليل على كونها حكومة سياسية فرضتها الظروف وليست خلافة إلهية مطلوب تحقيقها في كل زمان ومكان؟ وهل الحكومة السياسية جزء من الخلافة والإمامة أم هي مجرد اجتهاد بشري من الرسول حدث بمبايعة أهل المدينة من مهاجرين وأنصار ؟ حتى في المذهب الشيعي فمعروف أن الأئمة الإثنى عشر لم يحكموا الدول سوى 5 سنوات فقط هي فترة الإمام علي بن أبي طالب، بينما عاش الأئمة الإثنى عشر حوالي 225 عام ، أي ظل الشيعة 220 عاما دون إمام سياسي حاكم، فكيف تكون الإمامة أصلا في الدين بناءا على هذه الخمس سنوات ويجري إهمال 220 عام عاشوا فيها دون حاكم شيعي؟

كانت لي محاولة اجتهادية لفهم ذلك ضمّنتها في نهاية كتابي "الدين والعقل" وقد فضلت أن أختم بها الكتاب لأهميتها القصوى في إعادة فهم هذه الحقبة التاريخية المفصلية، وقد استعملت فيها منهجي المفضل بفلسفة التاريخ، واختصار هذه المحاولة:

(أن كل دين يمر بثلاثة مراحل، الأولى: مرحلة النشأة وفيها تعقد الثوابت والأصول العامة للدين، أما الثانية: فهي مرحلة الصراع..وفيها يجري الصراع على أحقية كل طرف بالحقيقة في زمن النشأة الأولى، وأما الثالثة: فهي مرحلة التقليد..وفيها يجري تقليد المتصارعين على النشأة باعتبارين، أنه لا يمكن وصول المقلدين لمعارف وحقائق زمن النشأة في المرحلة الأولى نظرا لخطية التاريخ الموجبة لانتقال النقطة (ج) إلى النقطة (أ ) إلا المرور بالنقطة (ب) ولأن المتصارعين في المرحلة الثانية يحتكرون كل القيم النفسية والمعرفية عن زمن النشأة، ولا طاقة لغيرهم بمعرفة حقائق نشأة الدين سواهم.

ومن شدة منطقية هذه الرؤية ظهر ما عرف لاحقا بمصطلح "السلف الصالح" باعتبار المتصارعين هم الأقدر على فهم ورؤية نشأة الدين، لكن ظهور المصطلح لم يعترف بصراع هذه الفترة في حين عمل فقهاء المذاهب على طمس الحقائق التي حدثت فيها، بسلوك معاكس تم فيه تقديس كل أطراف الصراع حسب اتجاه ورؤية كل مذهب لسلفه المتصارع.

ولتلافي أخطاء الفقهاء وفهم الثلاثة مراحل بدقة أكثر تم اعتبار أن ما حدث في المرحلة الأولى – زمن النشأة - جزء منه طبيعة جوهرية للدين، والجزء الآخر تحديا يمثل فرعا متغيرا دنيويا لا يُقاس عليه، وعندي أن جوهر الإسلام كان في المرحلة المكية كحركة إصلاحية لمجتمع فاسد من جوانب عدة، ويدعم ذلك أن القرآن المكي اهتم في 90% منه على بناء النفس والعقل والمجتمع والدعوة للتسامح والرحمة، أما البقية فهي قصص تدعم نفس التوجه من ناحية أدبية واجتماعية، بينما المرحلة المدنية تعرضت (لأول تحدي) لدولة الرسول..وهو التحدي المقصود بالظرف المتغير الذي اعتبره الإرهابيون أصلا دينيا..بينما اعتبروا جوهر الدين فرعا يصحح لهم هذا الأصل.

فكل جهاد لديهم لكي يحققوا الرحمة والتسامح، وكل غزو لديهم ليحققوا عالمية الإسلام، بينما العقل والمنطق يقول العكس..أنه ولكي تحقق عالمية الإسلام ينبغي عليك بناء قدوة إنسانية لا بالحرب الداعية للبغض والكراهية، ولكي تحقق التسامح المرجو فليس بالجهاد الذي يبخس حقوق الآخرين ويسلبهم أعز ما يملكون من نفس ومال وعقيدة، والغريب أن القرآن يؤكد هذا التصحيح لوجهة نظر الإرهابيين والأصوليين عامة، أنه ما كان ينبغي لكم أن تؤسسوا الدين كجهاد..إنما كحركة عقلية وإصلاحية لمجتمع قاصر في ذاته ومقصر في سلوكه.) انتهى

أختم بأن الذي يساعد في حل معضلة خلط الدين بالسياسة والدولة عند المسلمين هو تنمية الجانب الأخلاقي والحض عليه كليا، وهذا لكي ينجح مطلوب أن نظل 30 عاما على الأقل نحارب كل دعوة لخلط الدين بالدولة وتقديمها كأولوية على حساب العمل الصالح والأخلاق، سوف يساعد ذلك في إعادة ترتيب الأولويات وإقناع العامة أن الإسلام دين أخلاق وفضائل كليا، وأن هذا الدين ثابت لا يتغير أبدا لكن السياسة تتغير وتتبدل..فمن ثم لا يمكن تقديم المتغير على الثابت منطقيا ، وأرى أن هذا الخطاب المقدم للعامة سوف ينقذ الملايين منهم من جماعات الإسلام السياسي بخطاب ديني بسيط يحض على مكارم الأخلاق وإعادة بناء المجتمع المسلم من جديد بعد عقود مؤلمة ومحزنة من التدمير الممنهج.

فالأخلاق لا تتغير أبدا وهي مطلوبة في كل زمان ومكان، لكن الأنظمة السياسة والقرارات والخطط التنفيذية تختلف حسب الزمان والمكان، بالتالي فالسياسة بعيدة عن التعميم لكن الأخلاق معممة، وفي رأيي أن هذا المدخل مهم جدا حيث يؤدي في مرحلة لاحقة لإنتاج ما يسمى "أخلاقيات السياسة" ويضعها أصلا في الشريعة عند المؤمنين بها من المتشددين، فكل زمان لن يخلو من التشدد الديني ..هذه سنة الكون، وقصة تضمين أخلاقيات السياسة في الشريعة سوف يفتح ملفات هامة في الشريعة ستؤدي حتما لتجديد وتطوير رؤية المتشددين للدين والشريعة معا، ومن ذلك علاقتهم مع أهل الكتاب وغير المسلمين والمعارضين بالمجمل، فمركزية الأخلاق هنا سوف تطغى على الجانب الحرفي النصوصي الذي يجري تقديمه من المتشددين كأصل..

فضلا على إلزام الحاكم في شريعة المتشددين بأخلاقيات السياسة وهذا جزء مهم من التطور الذي سيحدث، بمعنى أن أخلاقيات السياسة منقسمة إلى ثلاثة فروع، الأول: الأخلاق العملية السياسية وهذه ملزمة لكافة المسلمين، الثاني : أخلاق المجتهد وهذه ملزمة لرجال الدين وطلاب العلم، الثالث: أخلاق المنصب وهذه سوف تكون ملزمة للحكام والمسئولين، وفي تقديري أن وصول المتشددين إليها ومناقشتها والحوار بشأنها سوف يكون إنجازا فكريا غير مسبوق يخرجون فيه على التشدد الحرفي في كتب الأصول والسياسة الشرعية، وينقلبون فيها جذريا على كتب السياسة الدينية التي صاغت عقائدهم نحو الآخر والتي ظهرت في وقت واحد بالقرن 5 هـ بعد الوثيقة القادرية وجرى ذكرها منذ قليل ، ولولا أن الخطاب الديني تحول للأخلاق مدة 30 عاما ما حدث هذا الإنجاز الذي أراه ممكنا ومتاحا إذا أرادت الدولة ذلك...ودمتم

الحوار المتمدن

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...