واشنطن على خط قسد أنقرة

10-07-2022

واشنطن على خط قسد أنقرة

أيهم مرعي:

تنْشط الولايات المتحدة، من خلال شخصيات سياسية وعسكرية وأمنية، على خطّ أنقرة – «قسد»، في محاولة لإيجاد صيغة تفاهم بين الطرفَين، تدرَأ عن الشمال السوري خطر عملية عسكرية تركية جديدة. لكن هذه التحرّكات، التي تستند إلى فكرة إيجاد منطقة عازلة يمكن من خلالها استنبات مصالح مشتركة، لا تترافق مع أيّ إجراءات عملية على الأرض، الأمر الذي يجعلها أقرب إلى محاولة استرضاء «قسد»، ورفْع العتب في حال وقوع الهجوم التركي. ويعيد هذا المشهد إلى الأذهان الزيارة التي قام بها المبعوث الأميركي السابق إلى سوريا، جيمس جيفري، إلى عفرين، قبيل عملية «غصن الزيتون» التركية في 2018، حيث طمأن القيادات الكردية إلى مصير المنطقة، قبل أن يقع الهجوم التركي في غضون أيام قليلة، وتَسقط في خلاله المدينة التابعة لمحافظة حلب


بعد أيام قليلة من إعلان إيران وساطة متجدّدة بين سوريا وتركيا في محاولة لإعادة إطلاق مسار المصالحة بينهما، وصل عضو مجلس الشيوخ الأميركي، ليندسي غراهام، إلى تركيا، ومن بَعدها توجَّه إلى العراق وسوريا، حيث أعلن عن مبادرة للحوار بين أنقرة و«قسد»، بما يُحقّق مصالح الطرفَين، ويمنع حصول عملية عسكرية تركية جديدة في المنطقة. وزار غراهام مخيّم الهول الذي يضمّ عوائل من تنظيم «داعش»، وسجنَي غويران والثانوية الصناعية اللذَين يحويان أيضاً معتقلين من التنظيم. كما زار منطقتَي منبج وعين العرب، حيث التقى مسؤولين من «قسد» و«الإدارة الذاتية»، وطرح رؤيته عليهم لإنجاز المصالحة مع تركيا. وكان غراهام أوضح معالم هذه الرؤية، من خلال مقال نشره في صحيفة «فوكس نيوز» الأميركية، حيث رأى أن «المشكلة في شمال شرقيّ سوريا تُقسَم إلى قسمَين: الأوّل مخاوف الأمن القومي المشروعة لتركيا حليفة الولايات المتحدة في الناتو، والثاني متعلّق بقسد التي شاركت في محاربة تنظيم داعش»، معتبراً أنه «من الضروري أن تعترف واشنطن بمخاوف أنقرة، وأن تُنشئ مناطق عازلة للعناصر التي تَعتبرها الأخيرة جماعات إرهابية، وأن تستمرّ في الوقت نفسه في دعم قسد بما يضمن عدم ظهور داعش مرّة أخرى». ويضيف أن «الحلّ الأكثر قابلية للتطبيق هو تطوير علاقة تجارية بين الحكومة التركية وسكّان شمال شرقيّ سوريا»، مبيّناً أن «هناك حقول نفط في تلك المنطقة يمكّنها مع المزيد من الاستثمار، إنتاج كمّيات أكبر من النفط، وهو ما يعود بالفائدة على كلّ من سوق النفط العالمية واقتصاديات شمال شرقيّ سوريا وتركيا».

باختصار، يقترح غراهام منْح تركيا إغراءات اقتصادية تمكّنها من استثمار حقول النفط والغاز في الشمال الشرقي من سوريا، مقابل عقْد مصالحة مع «قسد»، وإنشاء منطقة عازلة على الحدود، تُبدّد مخاوف أنقرة الأمنية، وهو طرح يحمل الكثير من التعقيدات التي عجزت واشنطن عن تفكيكها سابقاً. كذلك، فإن هذا الطرح يمثّل وجهة نظر شخصية للسيناتور الأميركي، ولا يحمل أيّ صفة رسمية، ما يجعل من إمكانية تطبيقه أمراً صعباً، في ظلّ حالة العداء الشديد بين الطرفَين، وفشل كلّ الجهود الديبلوماسية الأميركية السابقة في إحداث أيّ تقارب بينهما. مع ذلك، سارع رئيس «حزب الاتحاد الديموقراطي»، صالح مسلم، في تصريحات إعلامية، إلى التأكيد «(أنّنا) مستعدّون للحوار مع جميع الأطراف بما فيها تركيا، بما يخدم حلّ الأزمة السورية». وردّاً على مقترحات غراهام، قال مسلم إن «تركيا احتلّت مناطق كردية في شمالي سوريا في عفرين وتل أبيض، وهناك آلاف المهجّرين من منازلهم، وقبل البدء بأيّ نقاش يجب إيجاد حلّ لهذه المناطق»، مطالباً بـ«تجهيز أرضيّة من النقاط المتعلّقة بشعوب شمال شرقيّ سوريا، والبحث عن إيجاد حلّ للمهجرين قبل البدء بالحوار».

وبالتزامن مع زيارة السيناتور الأميركي إلى المنطقة، زار وفد من «التحالف الدولي»، ضمّ جنوداً أميركيين وفرنسيين وبريطانيين، مدينة منبج وجال في عدد من شوارعها، لأوّل مرة منذ انسحاب «التحالف» من قواعده في المدينة وريفها، قبل عملية «نبع السلام» التركية في عام 2019. وسرّبت عدد من وسائل الإعلام، بالتوازي مع ذلك، معلومات عن أن «الوفد طرح انسحاباً كاملاً لقسد من منبج، وتسليمها للجيش التركي، مقابل ضمانات من التحالف بعدم مهاجمة مناطق في شرق الفرات». لكن مصدراً من «الإدارة المدنية» في منبج ينفي، في حديث إلى «الأخبار»، «وجود أيّ مقترح بانسحاب قسد من المدينة وتسليمها للجيش التركي أو الفصائل الموالية له»، موضحاً أن «الوفد الزائر، والذي شمل مسؤولين أمنيين وعسكريين ومدنيين، بحث مع القيادات المدنية والعسكرية في منبج، التهديدات التركية والتحدّيات الإنسانية التي يمكن أن تنشأ نتيجة أيّ هجوم عسكري تركي». وأضاف المصدر أن «الوفد اطّلع على الخطط التي تمّ إعدادها لمواجهة هذا الهجوم في حال حصوله»، نافياً «وجود أيّ نوايا للتحالف للعودة إلى منبج وريفها». والظاهر أن التحرّكات الأميركية تندرج في سياق السعي إلى استيعاب ضغوطات «قسد»، وتلويحها بتعليق العمليات الأمنية ضدّ خلايا «داعش»، وإمكانية نفْض يدها من مهمّة حراسة السجون والمخيّمات، في حال تنفيذ تركيا لتهديداتها، خصوصاً أن تلك التحرّكات لا تترافق مع أيّ إجراءات حقيقية على الأرض، بل ثمّة مؤشّرات إلى حصول أنقرة على ضوء أخضر أميركي لشنّ هجومها الجديد في الشمال السوري، بعد موافقتها على ضمّ السويد وفنلندا إلى حلف «الناتو».

وفي هذا الإطار، يَعتقد الأكاديمي الكردي، فريد سعدون، في حديث إلى «الأخبار»، أن «الخطّة التي يطرحها غراهام لمنطقة عازلة لا يمكن تطبيقها، لكونها ستعني إخراج قسد من كامل الشريط الحدودي من عفرين وحتى المالكية، بما فيها مناطق النفط، وهو أمر من المستبعد أن تَقبل به قسد»، موضحاً أن «المنطقة العازلة تتمّ تطبيقها بين الدول، مع نشر قوات لمراقبتها»، متحدّثاً أيضاً عن «وجود تعقيدات عديدة تتعلّق بالجهة التي ستدير المنطقة العازلة المقترحة، والقوات التي ستؤمّن الحماية لسكّانها». وخلص سعدون إلى أن «مقترحات السيناتور الأميركي هي لمصلحة تركيا فقط، وغير قابلة للتحقُّق، خاصة أنها لا تأخذ وجود الروس والجيش السوري في المنطقة في الحسبان»، مُتوقِّعاً أن «ترفض قسد الخطّة لكونها ستخسر بذلك أكثر مناطق سيطرتها حيوية، مع الاحتفاظ بنفوذ عسكري في بعض المناطق في دير الزور والحسكة فقط».

الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...