سوريا نحو «سيفر» جديدة؟
محمد نور الدين - الاخبار
تحاول الفصائل السورية المسلحة مواصلة تقدُّمها في اتجاه محافظة حماة وريفها، بعدما أكملت سيطرتها على حلب، في وقت يستعدّ فيه الجيش السوري للانتقال إلى مرحلة الهجوم المضاد. وممّا يجري، يبدو أن تركيا تسعى من وراء الهجمات المسلحة الأخيرة، إلى تحقيق هدفَين أساسيَّين: الأول، احتلال أوسع مساحة ممكنة من الأرض الخاضعة لسيطرة الدولة السورية قبل أن يتمكّن ثالوث أستانا، مضافاً إليه قطر، من وقف القتال والبحث عن حلول سلمية للمستجدات. أمّا الثاني، فهو العمل على «تنظيف» المنطقة الواقعة غرب الفرات من أيّ تواجد كردي مسلح أو غير مسلح. وعلى غرار ما جرى في عفرين، فإن المعارضة المسلحة، ولا سيما «الجيش الوطني» المدعوم من تركيا، نجحت في إخراج عناصر «قسد» وعشرات الآلاف من المدنيين الأكراد من الأحياء التي كانوا موجودين فيها في حلب وتل رفعت، إلى مناطق شرق الفرات، في انتظار تصفية مَن تبقّى منهم في مناطق أخرى، ومنها منبج. وإذا ما حقّقت هذين الهدفين، تكون تركيا، وفقاً لتصريحات مسؤوليها، قد أحكمت سيطرتها على جميع مناطق غرب الفرات التي تقع خارج سيطرة الدولة، وحالت دون أن يؤسّس الأكراد كوريدوراً جغرافياً متّصلاً من الرقة إلى حلب وتل رفعت ومنبج. وفي ظلّ تلك المتغيرات، تصبح تركيا في موقع ميداني أقوى من ذي قبل، في انتظار تسلّم السلطة من قبل دونالد ترامب، الذي لا تزال أنقرة تأمل في أن يتّخذ قراراً بالانسحاب من سوريا، لتتمكّن هي من تصفية الوجود الكردي المسلح، وملء «الفراغ» الذي سيخلّفه خروج أميركا من اللعبة. أمّا البعد السياسي المتعلق بالنظام، فهو فرض الشروط التي تناسب تركيا والتي يتضمّنها القرار 2254، ويكرّرها دائماً وزير الدفاع التركي، ياشار غولر، من وجوب تحقيق المصالحة بين دمشق والمعارضة عبر إجراء انتخابات وإقرار دستور وتشكيل حكومة «شرعية»، وما يعنيه ذلك من انتخاب رئيس جديد للجمهورية. ويأتي كل هذا، في وقت دعت فيه ثلاث دول غربية رئيسية (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا)، في بيان، إلى «خفض التوترات» في سوريا وتطبيق القرار 2254، في ما يشير إلى بداية مرحلة جديدة لفرض تطبيق القرار الدولي، وتصفية النظام السوري بما يتناسب مع مصالح تركيا والغرب واسرائيل، لأن من شأن ما تقدّم، أن يقطع الممرّ السوري أمام إمداد «حزب الله» في لبنان بالسلاح والمساعدات الإيرانية. ووفقاً لصحيفة «جمهورييات»، فإن إسرائيل كانت تركّز هجماتها المسلحة على قواعد ومطارات ومنشآت سورية تقع بين حلب وحماة تحديداً، وهو ما كان بمنزلة تمهيد للأرضية الميدانية لفصائل إدلب لبدء هجومها الواسع، يوم الخميس الماضي. وفي سياق «توضيح» أهداف هجمات المعارضة، أشار عبد القادر سيلفي، في صحيفة «حرييات»، إلى أن الرئيس السوري، بشار الأسد، «رفض بإصرار، منذ سنة، مصافحة إردوغان الذي كان يمدّ له اليد تكراراً. والأسد الآن يدفع ثمن عدم مبادلة إردوغان بالمثل. ولم يَعُد يسيطر سوى على اللاذقية ودمشق. لكن الوقت لم يفت بعد، ويمكن للأسد في المرحلة الجديدة مصافحة يد إردوغان الممدودة له». وبالتالي، فإن ما لم تحقّقه تركيا بالسلم، تحاول الآن تحقيقه بالقوّة. ومنطق القوة هذا، يبدو أنه لا يجد صدًى لدى القيادة السورية التي أعلن رئيسها أن الإرهاب «لا يفهم سوى لغة القوة»، معتمداً في ذلك على الجيش السوري الذي يريد استعادة زمام المبادرة في الميدان، وعلى ما يمكن أن تقدّمه له كل من إيران وروسيا من دعم، ولا سيما بعد زيارة وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، إلى دمشق. وفي الوقت نفسه، تستمرّ المساعي الإيرانية - الروسية لبحث إحياء مسار أستانا، والتمهيد لاجتماع جديد لثلاثيتها، إضافة إلى قطر. وبطبيعة الحال، فإن التطورات الميدانية قد تجاوزت قرارات ثلاثي أستانا السابقة، حيث لم تَعُد الأمور تتعلّق بفتح طريق هنا (أم4) أو انسحاب من هناك (تل رفعت ومنبج... إلخ)، بل لا بد أن يبدأ البحث من نقطة الصفر وما يتضمّنه ذلك من مساومات جديدة وعسيرة في شأن ملامح الحلّ بين دمشق وأنقرة، التي تمتاز الآن برجاحة الموقع في المعادلة الميدانية والاجتماعية، مع ارتياح الأتراك لمغادرة الأكراد، وانحسار السيطرة السورية على حلب وريفها والاقتراب من حماة. وترى أوساط إردوغان أن الطريق بات ممهّداً لعودة اللاجئين إلى حلب، والأهم «عودة» حلب إلى ديموغرافيتها المذهبية بعد محاولة «طمس» هويتها. ويكتب مراد يتكين، من جهته، أن لتركيا في سوريا الآن، ثلاث أولويات: منع حصول موجة نزوح جديدة، ومنع الأكراد من كسب أيّ مواقع جديدة، وإنهاء الأزمة بالديبلوماسية مع القوى الأساسية (إيران وروسيا). ويقول الكاتب إن إردوغان حذّر، مع بداية تشرين الثاني الماضي، من أن القوات المسلحة التركية ستكون ملزمة بالقيام بعملية شاملة تضمّ العراق وسوريا إذا اضطرتها الظروف إلى ذلك. فهل يعني ما تقدّم نهاية مسار أستانا؟ وفقاً ليتكين، نقلاً عن مصدر ديبلوماسي تركي، فإن «هذا المسار موجود أصلاً في الثلاجة. ومن غير الممكن القطع بأنه سينتهي أم سيعاد إحياؤه». وتستعيد هاندي فرات، في «حرييات»، بدورها، ما قاله إردوغان قبل مدة، من أن جهود تركيا لإقامة منطقة آمنة خالية من الإرهاب على امتداد حدودها من البحر المتوسط إلى الحدود الإيرانية، في طريقها إلى التحقُّق خطوة خطوة، وأن 2025 سيكون عام تتويج هذه الجهود بـ«الديبلوماسية، وبالقوّة العسكرية». وتقول الكاتبة إن أنقرة تستكمل استعداداتها منذ مدة؛ إذ وتبعاً لمصدر رفيع المستوى، فإن «رفض الأسد الاستجابة لنداءات إردوغان، ورفضه المصالحة مع المعارضة، وهجمات الجيش السوري على المدنيين في إدلب، ووجود بؤر الحرب في أوكرانيا وإسرائيل، كل ذلك كان سبباً لتخريب الوضع في سوريا. ونظراً إلى ما تقدم، فإن الاستخبارات التركية، برئاسة إبراهيم قالين، تراقب بكلّ دقّة تطوّرات الميدان منذ ثلاثة أشهر، وقامت بكل التحضيرات لمواجهة الوضع. وبعدما بدأت هيئة تحرير الشام هجومها، نزلت الاستخبارات التركية بكلّ قوّتها على الأرض. وكان هدفها تنظيف تل رفعت عبر الجيش الوطني السوري، وهذا ما حصل. وقد أعلمت تركيا، روسيا بالأمر قبلاً، لأن هناك قوات روسية ولو قليلة العدد في تل رفعت، وقد سحبت روسيا جنودها من هناك فوراً. كذلك، غادرت العناصر الكردية المسلّحة تل رفعت في اتجاه الجنوب وشرق الفرات. لكن القوات التركية قطعت الطريق بين تل رفعت والرقة ومنعت وصول تعزيزات إلى منبج التي تحاصرها قوات الجيش الوطني تمهيداً لإسقاطها». وتنهي الكاتبة مقالتها بالقول إن «أنقرة كانت تنتظر باهتمام ما إذا كان وزير الخارجية الإيراني يحمل أيّ رسالة من الأسد للقاء مع الأتراك. لكن تبيّن أن عراقجي لم ينقل إلى الأسد أيّ رسالة أو نصيحة في شأن اللقاء بين الأتراك والسوريين». وفيما تعتبر صحيفة «تركيا» الموالية إلى أن الحلّ هو إمّا «حكومة مؤقتة بين النظام والمعارضة، أو تقسيم سوريا»، يكتب مصطفى بالباي، في «جمهورييات»، محذّراً من أن الولايات المتحدة وإسرائيل قرّرتا تقسيم سوريا بدءاً من سيطرة إسرائيل على جنوبها، ثم إحداث الفوضى الحالية في الشمال، مضيفاً: «سوريا الآن بحكم المقسمة إلى أربع مناطق: الجنوب تحت سيطرة إسرائيل، ومنطقة قسد، ومنطقة هيئة تحرير الشام، والمنطقة العلوية. هذا يعني سيفر سوريّة»، في إشارة إلى الاتفاقية التي قسّمت تركيا والأناضول بعد الحرب العالمية الأولى، عام 1920. ويتابع بلباي: «عندما ننظر إلى سوريا من تركيا، فإن الوضع أكثر فوضوية. وفي مناخ صمت العالم الإسلامي، وبحث إيران عن التمدّد عبر العراق، وتعاون موسكو مع دمشق، والاستعداد لتسلّم ترامب، والألاعيب الإسرائيلية، فإن على تركيا القيام بشيء واحد: أن تحمي نفسها. وهذا لا يكون بالانحياز إلى طرف دون آخر».
---------------------------------
واشنطن طرفاً مباشراً في معارك الشمال - أيهم مرعي
الحسكة | صدّ الجيش السوري وقوات «الدفاع الوطني» ومقاتلو العشائر هجومين عنيفين متتاليين، نفّذتهما قوات «مجلس دير الزور» العسكري التابع لـقوات (قسد)، بغطاء مدفعي وجوي أميركي، على مقرات الجيش والقوات المساندة له في ريف دير الزور الشمالي. وفجّر مسلحو «المجلس» نقاطاً للجيش و»الدفاع الوطني» في ما يُعرف بالقرى السبع، الواقعة شمال نهر الفرات، من ثلاثة محاور، هي: الحسينية وطابية الجزيرة، وحطلة، واستطاعوا إحراز تقدم طفيف في جبهة الحسينية، قبل أن يشن الجيش وحلفاؤه هجوماً مضاداً مكّنهم من إجبار المهاجمين على العودة إلى نقطة تجمّعهم الرئيسية عند دوار المعامل. وعصر أمس، عاودت المجموعات المهاجمة شن حملة ثانية على جبهة طابية الجزيرة، بعد تمهيد ناري جوي ومدفعي من القوات الأميركية، إلا أنها فشلت في إحراز أي تقدّم. وإذ يأتي ذلك الهجوم ضمن عملية عسكرية تديرها واشنطن من غرفة عمليات في قاعدة «كونيكو»، يحاول «المجلس» الذي تديره «قسد»، تظهير العملية التي أطلق عليها اسم «معركة العودة»، وكأنها جاءت بطلب من أهالي المنطقة، بهدف إتاحة الفرصة لهم للعودة إليها، بعد تهجيرهم منها. وفي هذا السياق، نشر «المجلس» صوراً لمدنيين قال إنهم يشاركون في المعركة، فيما يبدو أن واشنطن هي التي اختارت اسم العملية، للتغطية على هدفها الرئيسي منها، وهو وقف هجمات المقاومة على «قاعدة كونيكو» غير الشرعية، والتي تجاوزت، منذ نحو عام، الـ50 استهدافاً، وجاء آخرها أمس في خضمّ الاشتباكات الحاصلة، لتأكيد الإصرار على مقاومة الوجود الأميركي. وهكذا، يبدو أن واشنطن لجأت إلى خيار المواجهة المباشرة بالاعتماد على «مجلس دير الزور»، وذلك على اعتبار أن غالبية أعضائه من العشائر العربية. كما أن اختيار «المجلس» عائد إلى إرادة تجنيب القيادات الكردية الحرج أمام دمشق وموسكو، نظراً إلى أنها تنسّق معهما بشكل مستمر، في ظل انتشار الجيش السوري على أكثر من 300 كم من الحدود الشمالية مع تركيا، كنقاط فصل عن «قسد» لمنع استهدافها من الجيش التركي. وفي السياق، تؤكد مصادر عشائرية، في حديثها إلى «الأخبار»، أن «هجمات المقاومة وجيش العشائر على قسد والقواعد الأميركية كانت موجعة، ولذلك، تحاول واشنطن وحلفاؤها القضاء عليهما»، مشيرة إلى أن «ادعاءات مجلس دير الزور بأن هدف الهجوم هو إعادة سكان القرى السبع إلى قراهم ليست إلا غطاء»، موضحة أن تلك القرى «عاد إليها غالبية سكانها»، وأن «معظم من لم يعودوا حتى الآن مطلوبون بمذكّرات قضائية «. وتلفت المصادر إلى أن «العشائر ترى أن ما يحصل هو محاولة ضغط عليها لإخضاعها لسلطة قسد»، مؤكدة أن «خيار مقاومة أي تقدم لقسد وأعوانها شعبي قبل أن يكون رسمياً، وهو ما يفسر العجز عن تحقيق أي تقدم بري رغم الغطاء الناري المكثّف». من جهتها، تقول مصادر ميدانية، لـ»الأخبار»، إن «واشنطن تحاول استغلال هجوم الفصائل المسلحة على كلّ من حلب وحماه وإدلب للتماهي معها وشن هجمات على الجيش السوري»، كاشفة عن «وجود مخطط أميركي قديم جديد يهدف لإيجاد تنسيق بين جيش سوريا الحرة في التنف ومجلس دير الزور العسكري، ومن ثم تطوير عمليات عسكرية مشتركة تهدف إلى السيطرة على البوكمال والميادين وربطهما بالتنف، وبالتالي قطع طريق دمشق - بغداد». وترى المصادر أن «الهجوم يختبر إمكانات مجلس دير الزور ومدى قدرته على خوض هذه المعركة»، مستدركةً بأن «قسد وافقت على عملية القرى السبع لكونها عملية محدودة، وتحرص على عدم تبنيها حتى إعلامياً». ومع ذلك، ترجّح المصادر «فشل» المخطط الأميركي، «بسبب الانقسام في صفوف قسد التي لا تدعم قيادتها مجلس دير الزور العسكري في خيار مهاجمة الجيش بشكل واسع، وتفضّل الاحتفاظ بقدراتها العسكرية والبشرية لمواجهة أي هجوم تركي مرتقب على مناطق سيطرتها غرب الفرات، وتحديداً في منبج والطبقة».
--------------------------
تسارع الحراك السياسي لكبح التصعيد - علاء حلبي
الهجوم الذي تشنه الفصائل المتشددة، والذي كثّفت خلاله استخدام الطائرات المسيرة في محاولة لاستهداف خطوط الجيش السوري والتعزيزات الوافدة لصالحها، تركّز بشكل أساسي حول جبل زين العابدين الاستراتيجي، والذي يشكل بوابة حماة، ويشرف على مناطق تمتد حتى ريف حمص. ويأتي ذلك في محاولة لتكرار تجربة سابقة نفذها تنظيم «جند الأقصى» قبل نحو 9 أعوام، انتهت باستعادة الجيش السوري الجبل، وتأمين المحافظة، قبل بدء عملية عسكرية حصرت المسلحين في إدلب، لتتوقف الاشتباكات إثر ذلك؛ مع توقيع اتفاقية «خفض التصعيد» بين تركيا وروسيا، ضمن مسار «أستانا» الذي تلعب فيه الدولتان، إلى حانب إيران، دور الضامن. وعلى الصعيد المعيشي، لا تزال الأوضاع في مدينة حلب ضبابية، في ظل التزام معظم السكان منازلهم، والانقطاعات في الاتصالات، في وقت تحدثت فيه تقارير إعلامية عن حدوث عمليات سطو وسرقة في بعض الأحياء، بالإضافة إلى عمليات سرقة للمعامل في المدينة الصناعية، الخالية من العمال والبعيدة عن دائرة الضوء.
إضافة تعليق جديد