قصّة العودة اللبنانية الرسمية إلى دمشق
في جلسة مجلس الوزراء، الاثنين الفائت، بعيد اجتماع هيئة إدارة الكوارث، كُلّف الوزير ناصر ياسين الاتصال بالسلطات التركية، والوزير علي حميّة «الاتصال بالإخوة في سوريا» لتحديد ماهيّة المساعدة الأهمّ التي يحتاج إليها الطرفان. على الفور، بدأ الوزيران اتصالاتهما: كان التركي واضحاً في حاجته إلى اختصاصيين في إدارة عمليات البحث، فتمّت تلبية مطلبه خلال بضع ساعات.
أما على الخط السوري، فقد تواصل حمية مع وزير النقل أولاً، ثم مع وزير الصحة الذي كان يستعد للعودة بشكل طارئ من سويسرا إلى دمشق عن طريق بيروت، فتم تأمين وصوله رغم العاصفة التي أقفلت طريق ضهر البيدر. لاحقاً، في اليوم نفسه، شرح رئيس الوزراء السوري حسين عرنوس لحميّة في اتصالهما الهاتفيّ الأول أن المصيبة أكبر بكثير جداً مما ينقل في الإعلام، مقدّماً تفاصيل أولية مرعبة.
وهو ما نقله حميّة إلى ميقاتي، مؤكداً لرئيس حكومته أن من لا يضع كل قدراته بتصرف الدولة السورية في مصابها هذا لن يسأل عنه التاريخ. إنه حدث مفصليّ، قال حميّة، فهاتف ميقاتي عرنوس – على الفور – من دون استشارة أحد، في اتصال تجاوز بسرعة الأطر البروتوكولية. وأقفل ميقاتي من بعده ليتصل فوراً بحميّة ويخبره «أن علينا فعل كل ما نستطيع وأكثر»، مشجّعاً على استنفار القطاع الخاص لجهة الآليات طالما لا تملك الدولة اللبنانية آلياتها الخاصة. أما ياسين فكان قد جهز بالتعاون مع قيادة الجيش والدفاع المدني الفريق الصغير الذي أمكن تأمينه من الاختصاصيين الذين يحتاج إليهم الأتراك، وتقرر أن يغادر الفريق الخاص بتركيا عند الثامنة مساء، فيما ينطلق الفريق الضخم – الرسمي والخاص – من الكرنتينا إلى سوريا عند الثامنة من صباح اليوم التالي.
مساء الاثنين، كانت صورة ما يحصل في سوريا في ظل الحصار الأميركي وقانون قيصر تتّضح أكثر فأكثر. ما كادت تشرق شمس الثلاثاء، حتى اتّصل حمية – وتحديداً عند السادسة والنصف صباحاً – برئيس حكومته ليعلمه أن شركات الطيران تتذرّع بقانون قيصر لعدم الهبوط في المطارات السورية؛ ولا بد إذا كنّا صادقين في نوايانا تجاه الدولة السورية من أن نفتح المجال الجوي لهبوط الطائرات المحمّلة بالمساعدات الإنسانية في مطار بيروت، من دون أية رسوم، مع رفع الرسوم أيضاً عن قافلات المساعدات الإنسانية من لبنان إلى سوريا حتى إشعار آخر. مرة أخرى، دون أن يراجع ميقاتي أحداً أو يأخذ وقتاً للتفكير، أجاب حميّة أن بوسعه أن يفعل كل ما يراه مناسباً.
هكذا، ذهب حميّة إلى نقطة الانطلاق عند الثامنة صباحاً ليعلن أن مطار بيروت هو مطار دمشق وحلب والشام وإدلب واللاذقية وكل المناطق المتضررة، ولا خشية لبنانية من «قيصر»، في وقت كان فيه وزير الخارجية عبد الله بوحبيب قد دخل على الخط السوري أيضاً عبر اتصالات تضامن وتعزية برئيس الحكومة السورية ووزير الخارجية فيصل المقداد. كان بوحبيب أول من اقترح تشكيل وفد حكومي رسمي يتجاوز في الشكل والمضمون زيارة الوزراء اللبنانيين سابقاً إلى سوريا، فسارع ميقاتي إلى الترحيب أيضاً، وبادر إلى إجراء الاتصالات بنفسه لتشكيل الوفد. ورغم أن الأمر صعب التصديق، فإن كلّ من عايش ساعات هذين اليومين يؤكد أن شعوراً عاطفياً طغى على حسابات ميقاتي السياسية المعتادة، ولا علاقة لأدائه الأخير باستيائه المفترض من الموقف الخليجي السلبي تجاهه أو بخضوعه لضغوط سياسية.
إذ لم يتطلّب الأمر أيّ ضغط مركزي جدّي من حزب الله. ورغم أن الوفد يمثل الحكومة عموماً ورئيسها خصوصاً، كانت لافتة الوقاحة في رفض الوزراء: بسام المولى وأمين سلام وفراس الأبيض المشاركة، فاستعيض عنهم في التركيبة الطائفية للوفود اللبنانية بأحد أرفع المناصب الإدارية في رئاسة مجلس الوزراء المتمثّل برئيس الهيئة العليا للإغاثة، إضافة إلى الأمين العام لوزارة الخارجية. وإذا كان مضمون الزيارة إنسانياً بامتياز، فإنّ الشكل كان سياسيّاً بامتياز، عبر تكليف وزير الخارجية رئاسة الوفد. وهو ما قابلته الدولة السورية فوراً في منتصف الطريق عبر مراسم استقبال رسمية، توّجت بلقاء مع الرئيس السوري بشار الأسد. وبعيداً عن المجاملات البروتوكولية التقليدية، كان يمكن التوقف عند قول الأسد لضيوفه إن الموقف اللبناني الرسمي تجاه «قيصر» والمرافئ والمطار والحدود هو موقف معنويّ مهمّ جداً، بموازاة تخصيصه الرئيس ميقاتي بردّ السلام والطلب من الوفد أن «يسلّموا عليه»، رغم أن الوفد نقل أكثر من سلام وتعزية لبنانيين. وإذ أظهر الأسد صلابة صقلتها سنوات الحرب الاثنتي عشرة، فإنه أكد لضيوفه أن الكارثة كبيرة جداً. مع تكرار التأكيد على معرفة سوريا بحجم الأزمة المالية والاجتماعية والاقتصادية، ما يضاعف من رمزية كل مساعدة لبنانية.
لاحقاً، مع عودة الوفد إلى لبنان، متيقّناً من دور متقدم للسفير السوري السابق في لبنان علي عبد الكريم علي في الخارجية السورية في ما يخصّ لبنان، كان يمكن الاستخلاص أن صفحة جديدة من العلاقات السياسية والرسمية يمكن أن تفتح بين لبنان وسوريا، من دون أن يملك أحد في الوقت نفسه تصوراً منطقياً لكيفية تقدم الأمور.
وإذا كان «كسر قيصر» قبل مسارعة الأميركيين إلى إغداق التصاريح بشأن استثناء المساعدات الإنسانية من القانون يوازي في أهميته لبنانياً تشكيل رئيس الحكومة لوفد رسمي برئاسة وزير الخارجية لزيارة دمشق، فإنّ أحد أبرز تحديات المرحلة المقبلة سيكون الاستمرار في الالتفاف على «قيصر» رغم كل ما يمكن أن يرافق ذلك من تداعيات داخلية وخارجية، إذ إن الأزمة الإنسانية تتواصل في سوريا قبل الزلزال وبعده، و«الموقف المعنويّ» أهمّ في الظرف الطبيعي منه في ظرف غير طبيعي.
غسان سعود – الأخبار
إضافة تعليق جديد