شرق أوسط جديد… سوريا مربط خيله

07-06-2023

شرق أوسط جديد… سوريا مربط خيله

سوريا عقدة الشرق الأوسط والعالم العربي، بدونها لا طعم ولا رائحة ولا لون لأية سياسات واستراتيجيات تُرسم في الإقليم. منها تبدأ الحكاية وفيها تنتهي.

في عز حرب تموز 2006، زفت وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس «بشرى» ولادة شرق أوسط جديد، لكن ذلك لم يحصل. وبعد مخاض ثورات/ حروب «الربيع العربي» على مدار عقد ونيف، وأخيراً، مع بدء اتفاق القوى الإقليمية على كلمة سواء. يتبادر إلى ذهننا فوراً، جملة أسئلة، جلّها: هل ثمة أمل بتلاقي مختلف القوى الإقليمية الفاعلة والواعدة في الإقليم؟ وهل سنشهد طاولة مربعة الأضلاع تتسع لكل من تركيا وإيران والسعودية ومصر؟ وهل نعيش هذه المرّة ولادة شرق أوسط جديد، مُغاير طبعاً لما كانت تطمح إليه الإدارة الأميركية؟

منذ مطلع عام 2021، بدأت تبرز على السطح مساعٍ جديّة لتضميد الندوب والجراح التي خلّفتها حروب «الربيع العربي»، بدءاً من ليبيا وسوريا، وصولاً إلى اليمن غير السعيد. وراحت تتقلد مختلف الدول الإقليمية سياسة تصفير المشاكل، التي أطلقها لأول مرة، رئيس ديبلوماسية الدولة التركية في مطلع القرن الحالي أحمد داود أوغلو. وكانت، بالمناسبة، الأخيرة هي أُولى الدول التي أقلعت عن هذه السياسة منذ اندلاع الشرارة الأولى لثورات «الربيع العربي»، حيث دغدغت أحلامها «العثمانية الجديدة» آنذاك، أو حسب وصف الرئيس السوري بشار الأسد، المعبّر فعلاً عن واقع الحال التركي، في كلمته في قمّة جامعة الدول العربية في جدة في 19 أيار الماضي: «الفكر العثماني التوسعي المُطعّم بنكهة إخوانية منحرفة».

بعد تونس ومصر وليبيا، اتجهت كل الأنظار إلى سوريا، مربط الخيل المنشود لكل دولة، إقليمية كانت أو عالمية، تريد نفوذاً في الشرق الأوسط، «يقول درس الجغرافيا والتاريخ الرقم واحد في الشرق الأوسط إنّه لا دور إقليمياً ممكناً دون الهيمنة على، أو التحالف مع، سوريا» حسب رأي الباحث المصري الراحل مصطفى اللباد.

وعلى هذه القاعدة، بنت الجمهورية الإسلامية في إيران نفوذها في الشرق الأوسط، لكنها اختارت طريق التحالف مع سوريا سبيلاً لذلك. فمنذ نعومة أظفار الثورة الإسلامية، استقرأ فيها الرئيس حافظ الأسد مشروعاً مقاوماً وداعماً لقضايا العرب في مواجهة إسرائيل. ولاقاه الإمام الخميني في أول الطريق، وبنيا معاً علاقة استراتيجية مشتركة ما زال الطرفان حتى الآن يقطفان من ثمارها. هذا فضلاً عن أن الأسد وجد ضالّته في هذا التحالف لإحداث توازن مع غريمه البعثي الرئيس العراقي صدام حسين.

وهنا، ثمة من يتساءل، بعدما امتد نفوذ طهران من أفغانستان شرقاً إلى البحر المتوسط غرباً، ماذا تريد طهران بعد؟ وهل يكتمل حلمها بزوال إسرائيل؟ أم أنّ مشروعها يتخطّى الإقليم؟

وتركيا، لم تَحِدْ عن هذه القاعدة، لكن تقلّبت سياساتها تجاه سوريا، مرّة أخذت طريق التحالف، ومرّات عدة طريق الهيمنة والصراع، وصولاً إلى الحرب. وعليه، لم يتسنّ لها خطب ودّها. عملت على تصحيرها عن طريق بناء السدود على الأنهر المؤدية إليها من تركيا، وتلاعبت في الحدود بهدف قضم أراضٍ منها، حتى كادت أن تُشعل حرباً معها في تسعينيات القرن الماضي. وانتهت باتفاقية أضنة التي كان لمصر دور رئيس فيها عام 1998. ومن ثم عمدت أنقرة إلى فتح صفحة جديدة مع دمشق، في العقد الأول من القرن الحالي، لكن سرعان ما طوتها حينما تسنّت لها فرصة السيطرة والهيمنة بطعم الاحتلال، إذ لم تتورّع في أن تكون رأس حربة في الحرب التي قامت على سوريا طوال العقد الماضي. وحَلِمَ رئيسها رجب طيب إردوغان بالصلاة في المسجد الأموي الكبير في دمشق بعد إطاحة الرئيس بشار الأسد.

والدولة الإقليمية الثالثة، السعودية، التي، بدورها، لم تتفهم سوريا الأسد كفاية، لا في الأمس القريب ولا في الأمس البعيد. بداية اتبعت المملكة سياسة الترغيب لإبعاد سوريا عن إيران، ومن ثم فتحت صنبور الدعم اللامحدود للفصائل العسكرية المقاتلة في سوريا بقصد إسقاط النظام فيها. وبعد فشل مشروع الإسقاط عدلت الرياض أخيراً عن السياسة الصراعية، وتتطلّع اليوم إلى سياسة تحالفية وتعاونية مع سوريا وسائر الدول العربية وغير العربية، ولا سيما تركيا وإيران.

بدون شك، أن المملكة السعودية خلعت عنها ثوب الإسلام التقليدي، وباتت اليوم مع وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان (الحاكم الفعلي للمملكة) دولة متحررة إلى حد ما من الانضباط الديني لمصلحة الانفتاح ومجاراة العصر، فضلاً عن سياسة طموحة وتنويع في خياراتها الخارجية، ولا سيما بعد توجّهها شرقاً وبقوة. وباتت دولة واعدة وقادرة لأن تتبوأ مكانة ونفوذاً في الإقليم يليق بحجمها ومقدّراتها التي طالما طمستها علاقتها غير المتكافئة مع الولايات المتحدة الأميركية.

 

مهدي عقيل


 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...