عن رواية " قناع بلون السماء" لباسم خندقجي

08-06-2024

عن رواية " قناع بلون السماء" لباسم خندقجي

علي عبد الله سعيد :
تبني رواية (( قناع بلون السماء.. لباسم خندقجي )) في القائمة القصيرة للبوكر حالياً..
على شخصية روائية مزدوجة, أو فصاميّة حسب الضرورة الروائية لذلك..
نور الفلسطيني
أو اليهودي الاشكنازي
يحتلان جسداً واحداً, وتوحدهما بتناقضهما.. بطاقة هوية, يمكن من خلالها العبث بالمكان والزمان, وحتى بالانتماء.. وإن لوقت جزئي ومصلحي فني. في سبيل بناء روائي, يتعلق بمحاكاة رواية تاريخية أمريكية, هي شيفرة دافنشي, لـ دان بروان.. فيما يتعلق بمريم المجدلية, أو مريم العاهرة, التي تقضي وقتاً من الحكمة والفلسفة والشهوة.. مع المسيح اليهودي في طريقه لأن يصبح ابن الله, المفترق إلى الأبد عن أسلافه أبناء الشريعة, قبل أن يرفعه الكهنة اليهود على عمود الصلب. تبدو الرواية عكس إعلانها, أي أنها غير معنية بتصويب التاريخ عبر المحاكاة الروائية التاريخية. إنما الاعتماد على ذلك في سبيل قضية أخرى. تعتمد على الكشف والاكتشاف المعرفي, أي الحفريات الأثرية, وليس على المرويّات التاريخية الباهتة الواردة في الأناجيل وغيرها. وهذا ما سنكتشفه من متابعة شخصية نور المستترة أو المتقمصة لشخصية أور, والتي تعني بالعبرية.. النور أيضاً..  
إثر مصادفة قد تكون غير متوقعة. من خلال حصول نور على هوية أور الصهيونية في قطعة من الثياب المستعملة, وهو أمر يخوله حق الالتحاق ببعثة أثرية للتنقيب كمحترف تنقيب في أحد الكيبوتسات الصهيونية, عن موقع روماني في محيط أورشليم, أو القدس الشرقية. والهدف من ذلك.. لم يكن إثبات الهوية الفلسطينية لتلك الأماكن المفترض أنها عربية أو إسلامية فيما بعد كصفة دخيلة على المكان. بل كانت الغاية الأساسية من ذلك.. هي العثور على مقتنيات المجدلية العاهرة, التي يعتقد أنها مدفونة في بئر في المكان قرب المعسكر الروماني, وهو ما تجلى لنور, وأور, في الرؤيا, أي في الحلم. الذي تمكّن فيه الكائن المزدوج الهوية وإن بشكل روائي. ليس من رؤية المقتنيات فقط, بل من وجود المجدلية مع الصحب في غرفة يمكن الوصول إليها من سرداب في عمق البئر. وهو ما يعرف بعلم الآثار بالآبار المدفنيّة. 
ربما لا تختلف المجدلية, في قناع بلون السماء, كثيرا عنها لدى دان براون ولدى غيره الكثير من الروائيين الذين تنطعوا لموضوع تاريخي كهذا لا يمكن إثباته إلا.. أثرياً. ومن خلال لقىً أثرية يمكن التأكد من أنها للمجدلية بعد فحصها على الكربون 14 الذي يحدد أدق التفاصيل بما فيها نوع الطعام, وطريقة ارتداء الثياب ونوعها, وتحديد سبب الموت, وكيفية ممارسة الجنس أو العيش.. وكم زمنه. وهذا ما يعجز عنه علم التاريخ المبني على المرويّات الافترائية الافتراضية الكاذبة بالمعظم. القائمة على تهيؤات الرهبان والتلاميذ ومصالحهم الشخصيّة,  في كيفية وجودها ومرافقتها للمسيح وفق رؤاهم. فلكل منهم حقيقة خاصة به حول السيدة التي غسلت قدمي المسيح بدمعها وعطرها النادر الفريد, وضاجعته ربما أكثر من مرة في محنته.
إذا.. يحاول الروائي أن يبني خطاب الرواية البسيط, المركّب, لكن غير المعقد على علم الآثار الذي لا يحتمل التكذيب, وليس على علم التاريخ الذي لا يحتمل التصديق إلا.. فيما ندر. ربما هنا تكمن نقطة الافتراق عن دان براون, الذي يكتب بميول ترضي الصيغة السامية لتلك الوقائع. أو حول القضية ذاتها. أي حقيقة العاهرة التي لمريم كظهور في حياة المسيح, واختفاء من الحياة الفعلية, أو المكان الفعلي وبقائها مجرد صيغة زمنية تتناسل في التاريخ عبر روى الرهبان وحكايات الرسل في الأناجيل.
يمكن القول أن هذه الرواية التي يكتبها محترف تنقيب آثار, تنبني على غرار ما تنبني عليه الرواية الأمريكية فنياً, من استخدام بطاقات تعريف يومية, واسترجاعات متكررة.. توحي بالوثائقية مرة, وبالآنيّة مرة, ويرسل بأجزاء منها إلى مراد المعتقل في السجن الصهيوني كمخرب وصديق عمر. 
تنبني الرواية أيضاً.. على خطورات متعددة..ليس في اللغة, إنما في المشكلة أو الإشكالية المزمنة ما بين عرب, المنقبة الآثارية سما إسماعيل, ويهود.. المنقبة الآثارية إيالا اليهودية, مع آخرين أوروبيين الذين تضمهم جميعاً بعثة التنقيب في المعسكر الروماني. التي سرعان ما تتوقف بعد صواريخ حماس المُدانة كجريمة على الموقع وفي محيطه.. من هنا تأتي خطورات الرواية..
الخطورة الأولى : توضح إجرام حماس وصواريخها التي تعطل الاكتشاف المثير
الخطورة الثانية  : أن هذه الرواية عبر أور في حواره مع إيالا.. تبيح حق الرد على الإجرام بالإجرام ذاته
الخطورة الثالثة  : في حال تم العثور الحقيقي على مقتنيات المجدلية في البئر المدفني, وليس البئر الحلمي, والتي تحول صواريخ حماس دون الوصول إليه كمكان دفن معقد أي.. البئر المدفني. وفي حال إثبات ذلك كحقيقة أثرية, وليس تاريخية سيكون من حق اليهود امتلاك ما يشاءون كإرث يهودي في محيط القدس الشرقية. باعتباره الوجود الأقدم, من الوجود الفلسطيني, أو الإسلامي. على اعتبار أأن المجدلية العاهرة هي إرث يهودي بحكم الولادة والمنبت العائلي, قبل أن تكون إرثاً مسيحياً
الخطورة الرابعة  : وهي ليست خطورة بمعنى الخطورة, لكن.. ومن خلال المواءمة ما بين نور وأور في جسد واحد, الذي يفترض انه البطل الروائي المنحدر من أصول يسارية أيديولوجياً المتبني لصيغة حماس في المقاومة. يطرح أيضا.. إمكانية التعايش السلمي ما بين اليهود والفلسطينيين في المكان ذاته, المتنازع عليه تاريخيا حتى حدود الإبادات الجماعية اللاأخلاقية التي تنتهجها الصهيونية. وربما هو الحل الأفضل والأمثل
أخيراً..
بعد التكثيف الشديد..
يمكن القول: ان الإعلام الإسرائيلي أو الصهيوني استنفر برمته ضد وصول الرواية إلى القائمة القصيرة, وقد يتابع حربه ضد هذه الرواية إلى حد يقصيها فيه عن الجائزة. مع اعتقادي الشخصي أن هذه الرواية هي أفضل الموجود. بدليل أنني تمكنت من قراءتها كاملة. في حين لم أتمكن من قراءة أي رواية من روايات البوكر كاملة عبر تاريخها, رغم محاولاتي الشرسة في القراءة.. ورغم أن الكثير من تلك الروايات لأصدقاء شخصيين وأحبهم جداً.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...