الصومال بين رحى الاحتراب الداخلي والتدخلات الخارجية
اندلعت الحرب الأهلية في الصومال عام 1991 بين الفصائل المعارضة التي عملت معا للخلاص من نظام حكم الرئيس محمد سياد بري.
وكانت مطالب الفصائل الصومالية المحلية آنذاك إزاحة نظام سياد بري وإعادة الحياة النيابية إلى البلاد وإقرار دستور جديد واختيار رئيس توافق عليه أغلبية الشعب الصومالي.
وبعد أن تحقق للفصائل الصومالية ما أرادته أول يناير/كانون الثاني 1991 ومع بداية توزيع غنائم النصر دب بين فصائلها الخلاف على من هو الأولى بالحصول على المناصب السيادية في الدولة.
اختلف الفرقاء ولم يفلح المؤتمر الصومالي الموحد الذي عقد نهاية يناير/كانون الثاني 1991 في توحيد الصفوف رغم اختياره علي مهدي محمد رئيسا مؤقتا ومحمد فارح عيديد رئيسا للمؤتمر الذي أصبح بمثابة جمعية تأسيسية أو برلمان شعبي غير منتخب.
بدأ الخلاف باعتراض الجبهة الوطنية الصومالية الأوغادينية على اختيار علي مهدي والطعن في شرعيته، وتعمق الخلاف أكثر في العام الثاني (1992) حينما شكل المؤتمر الصومالي الموحد حكومة على أساس قبلي ومنح قبيلة الهوية ثماني حقائب وزارية وأعطى الإسحاق خمسا وكان نصيب بقية القبائل الأخرى ثمان بمعدل وزير لكل قبيلة تقريبا.
هنا وصل الخلاف إلى ذروته وبدأ كل فصيل يسعى لتحقيق مطالبه بطريقته الخاصة، وهنا أيضا تهيأت البيئة المحلية للتدخلات الخارجية فبدأ مسار الأزمة الصومالية يخرج من كونها صناعة محلية إلى بضاعة رائجة إقليميا ودوليا.
استمرت الحرب الأهلية 16 عاما وكان من أهم ما أسفرت عنه هو الشرخ الذي أصاب الصف الوطني وعمق نزعات الانفصال وباعد بين الصوماليين وبين حلمهم في إقامة دولة موحدة.
دول الجوار كانت أول من مد حباله للاعبين المحليين لتحركهم وفقا لمصالحها الخاصة. فاستجابت بعض الفصائل للعون الإثيوبي، وبعض آخر فضل اليد الكينية، فيما رحب ثالث بالإريترية.
بعد تفجير سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا عام 1998 وتبني تنظيم القاعدة لهاتين العمليتين واتهام الولايات المتحدة الصومال بإيوائه من قاموا بالتخطيط والتفجير دخلت الأزمة الصومالية في طور جديد.
لم يعد ما يجري في الصومال منذ ذلك الوقت مشكلة محلية متورط فيها لاعبون إقليميون فحسب وإنما أضحت بؤرة دولية اعتبرتها الولايات المتحدة ملاذا آمنا "للإرهابيين" يجب التعامل معه دوليا.
تابعت الولايات المتحدة الموضوع الصومالي عن كثب من خلال قاعدتها العسكرية في جيوبتي التي تعتبر واحدة من أهم قواعد الولايات المتحدة العسكرية في العالم، واشتركت معها ألمانيا وبريطانيا في محاصرة الشواطئ الصومالية وتفتيش أي سفينة تحاول الاقتراب منها خوفا من تسلل أفراد تابعين للقاعدة إليها.
في شهري مارس/آذار ومايو/أيار من العام الماضي فوجئت واشنطن بتقدم قوات المحاكم الإسلامية وإحرازها انتصارات عسكرية على القوات التابعة لأمراء الحرب المسماة بتحالف مكافحة الإرهاب، ولم يفق العالم من تلك المفاجأة إلا على وقع إعلان المحاكم الإسلامية في يونيو/حزيران من نفس العام السيطرة على العاصمة مقديشو وفرار معظم أمراء الحرب إلى الدول المجاورة التي كانت تدعمهم.
عادت الأطراف الإقليمية والدولية للتدخل في الأزمة الصومالية بصورة مباشرة وليس من وراء ستار كما كانت تفعل أحيانا في الماضي، وعادت القضية الصومالية لتأخذ طابعها الإقليمي والدولي هذه المرة أيضا كما اتخذته في مرات أخرى عديدة منذ أواخر القرن التاسع عشر إبان الصراع بين فرنسا وبريطانيا وإيطاليا على أراضيها وطوال سنوات القرن العشرين المنصرم.
اعترفت الولايات المتحدة بأنها أوعزت في ديسمبر/كانون الأول الماضي إلى حليفتها إثيوبيا بدعم الحكومة الانتقالية لإدخال الجيش الإثيوبي نفسه في الصراع مع المحاكم الإسلامية، وقدمت واشنطن دعما ماليا وعسكريا لإتمام المهمة، واستطاعت بهذه الطريقة إخراج المحاكم الإسلامية من المدن الكبرى التي استولت عليها من قبل.
الحرب الدائرة رحاها الآن في الصومال مرشحة لأن تكون هذه المرة أكثر دموية من كل ما سبقها لفعالية القوى الإقليمية والدولية المنخرطة فيها من جهة ولتباعد مواقف الأطراف المحلية من جهة ثانية.
محمد عبد العاطي
المصدر: الجزيرة
إضافة تعليق جديد