السيدة أسماء الأسد في عمريت بين خاطفي الأضواء والجنود المجهولين
الجمل– طرطوس– حسان عمر القالش: انتهت يوم أمس الأيام الثلاثة التي طلبت السيدة الأولى أسماء الأسد أن ينظم فيها برنامج عمل تطوعي شبابي لتنظيف موقع عمريت الأثري والاهتمام به. فبعد تنظيف شاطئ بانياس ومن ثم أرواد, جاء دور عمريت التي زارتها البارحة لـ"تستقصي" وتقوّّم بنفسها أثـر ثقافة التطوع على الشباب, هذه الثقافة التي بدأ من فترة قصيرة اهتمام رسمي نوعيّ بها, وبمتابعة منها.
المتطوعون هم من طلبة الجامعات, اضافة الى "المتطوعين لانقاذ عمريت" من شباب طرطوس. والجهات التي "قدمت" هذا العمل هي محافظة وبلدية طرطوس, الاتحاد الوطني لطلبة سوريا, وطلاب شهادة الماجستير في الهندسة المعمارية (جامعة دمشق / شايـو). أما وزارة الثقافة فاكتفت بحضور رسمي اداري لاستقبال السيدة الأولى.
كان الوصول في ساعات ماقبل الظهيرة في هذا اليوم الرمضاني الحار مع أشعة شمس البحر المتوسط اللافحة للوجوه, توقفت بسيارتها عند الحاجز الذي أقامه المتطوعون لمنع دخول السيارات بعده, الا أن "عبطة" لقائهم بها أنستهم ذلك عندما وقفت لتسلم عليهم ودخلت الموقع.. لم تكتفي بالسلام والتحيات البروتوكولية الشائعة, بل وقفت معهم جميعا, هؤلاء الصبايا والشباب الجامعيين منهم والخريجين أيضا. اللذين قاموا: بتنظيف محيط معبد ملكارت والملعب الفينيقي والمغازل (مقابر الملوك) , اقتلاع الأعشاب الضارة, رسم لوحات تعرف السياح بلغة انكليزية وفرنسية على عمريت وتاريخها, اقامة سواتر ترابية في الجهة الشمالية من الملعب لمنع مياه الأمطار من جرف التربة. ودردشت مع الجميع :كيفكن؟.. ماذا تدرس؟..كيف كانت هذه الأيام الثلاثة؟..أكيد تعبتم ؟..هل قمتم بعمل تطوعي من قبل؟..هل ستتطوعوا مرة أخرى؟..ماالذي جعلكم تهتموا؟..هل تعرف عمريت من صغرك؟ كيف برأيكم يمكن أن نحافظ عليها؟ على عملكم هذا؟..وين نبعة الماء التي يتحدث عنها الجميع؟
سألت هذه الأسئلة وغيرها أثناء جولتها عند المعبد مرتدية ثيابا عملية عادية وأنيقة لتتحرك وتتجول وتمشي كما فعلت. سألت الشباب عن "جزيرة أرواد" أثناء دردشتها معهم وقالت بأنها زارتها قبل ثلاثة أسابيع ولم يكن العمل قد بدأ بعد, فأخبروها أنها تغيرت بعد الحملة التطوعية الأخيرة فيها.. تقدمت منها احدى طالبات ماجستير الهندسة لتطلب منها ايقاف الهدم في شارع الملك فيصل, فردت بأنها سمعت بأن الهدم قد أوقف, فأجابت الشابة: لكن هناك بعض الأصوات مازالت تطالب بالهدم. – وهذا صحيح نسبة لمصادر أفادت "الجمل" بأن وزير الثقافة "مـدّد" ! عمل لجنة دراسة المشروع بعد أن أوصت بوقف قرار الهدم ورفع الاستملاك عن المنطقة الثانية والثالثة –.
ولم تخل الزيارة من منغصات الجرعات النفاقية التي اعتادها المسؤولون الحكوميون. فهذا يشكر بالحاح, وآخر يمدح جهود دائرته الجبارة, وآخر حافظ بجهد على مسافة الشبرين التي تفصله عنها ليقف وقفة الرجل المتواضع واضعا يده فوق يده بأدب جم, وكلهم أسماعهم عشرة على عشرة منعا لأي اشارة الى تقصير مُكتشف أو شكوى محتملة أو أقله للرد عليها. فلما اقترب وهيب زين الدين محافظ طرطوس – الذي كان يغرد خارج سرب النفاق – ليشرح بكلام واثق وشفاف ما تم من عمل في أرواد, وعن مخططها التنظيمي لها لم يجهز بعد, وعن بطء وفقر دائرة الآثار , قاطعه مدير عام الآثار والمتاحف أكثر من مرة, ليعود بعدها المحافظ لكلامه قائلا له "كلنا مقصرين..". ولما اقترب المهندس أنطوان جبور أحد المتطوعين الأوائل لانقاذ عمريت وتكلم مع السيدة الأسد طالبا باسم المتطوعين أن يزداد عدد حراس الموقع نظرا لكبر مساحته,وزيادة الاهتمام الكوادر, وتطبيق توصيات اليونسكو بخصوص عمريت. سبقه المهندس ياسر الجابي المنسق بين جامعة دمشق ومعهد شايو الفرنسي وقدم أنطوان على أنه من المتطوعين "اللذين بعضهم اشتغل وبعضم لم يفعل" مع أن لا سلطة ادارية له عليهم ولا التنسيق كان موجودا بينهم أساسا. ولما أخذ النقاش يتوسع بين الشباب وبينها قاطعهم رئيس اتحاد الطلبة وتوجه للسيدة قائلا بلغة ركيكة أنه ومن أجل الافطار..مازال هناك ساعة عمل, موحيا بأنه خلـّصها من "غلاظة" شباب لم يتغالظو!
ومن ناحية العمل والجهد في هذه الأيام الثلاثة فقد ابيضّت وجوه الجميع أمام السيدة الأسد الا وجه المحافظة والبلدية اللتان قامتا بثلاثة أرباع العمل على الأرض وكانتا الجندي المجهول أمام سطوة النافذين والعارفين وخاطفي الأضواء من أفراد بقية الجهات التي حضرت. وكان "المتطوعين لانقاذ عمريت" أيضا قد هضم حقهم في التقدير وضاعوا في "زحمة موقـّتة", مع أنهم أصحاب فضل كبير وقديم في العناية والاهتمام بعمريت وتعريف الناس بها واثارة قضيتها (بدايتهم من أوائل الـ2005). لذا فالمعاملة التي عوملوا بها ابتداء من المديرين و"الدكاترة" وصولا الى المشرفين على المتطوعين, كانت معاملة غير لائقة لم تقدر جهودهم وخبراتهم, فهناك من قال لهم "انتم شغلكم التنظيف وبس" عندما ناقشوه في أمر, وهناك من حاول الضغط عليهم واقصاءهم من أن يكونوا في "وجه السحارة" كما يقول العامـّة وابعادهم عن محيط أنظار السيدة أسماء. مع العلم بأن علاقاتهم بالمحافظة علاقة عمل جيدة ومحترمة ومحترفة. كما كانت هناك أيضا محاولات لاقصاء بعض الصحافيين المشاغبين عن هذا العمل واللقاء, اقصاء لم نسلم منه في "الجمل" ومع ذلك حضرنا.
ما ان غادرت حتى عادت سيارات المدراء والمسؤولين ودخلت المنطقة الممنوع دخول السيارات اليها, ليستقلها أصحابها عائدين ويودعونا بحمامات غبار الطريق الرملي..في النهاية كنا وكان الجميع..زارتنا المواطنة الأولى وفـزنا في سباقنا لانقاذ تراث سوريا وأميرته عمريت. وانتهت الزيارة والجميع راض.. من نافق من مسؤولين وظن أنه كذلك, ومن تحاور معها من الشباب والصبايا.. اضافة الى السيدة أسماء نفسها التي غادرت مع ما جمعته من مشاهدة واستقصاء ووقائع, على أن نلتقي بها مجددا في عمل تطوعي جديد كامل الدسم.
الجمل
إضافة تعليق جديد