المراكز الثقافية: أبنية مهجورة ومكتبات يلفها الغبار
مع أنها ملأى بالكوادر المتعلمة , والأمية فيها شبه معدومة , إلا أن النشاط الثقافي فيها يعتبر محدوداً كما يؤكد العديد من المهتمين بالشأن الثقافي !
يبلغ عدد المراكز الثقافية في محافظة طرطوس خمسة عشر مركزاً , ورغم أن هذه المراكز مجهزة بالصالات الكبيرة والكتب الكثيرة وأماكن العرض ووسائل الإتصال ..إلخ إلا أن روادها يعدون على الأصابع , فمن ياترى المسؤول عن هذا الخواء الذي تعيشه تلك المراكز , , وكيف يمكن تفعيل دورها وتطوير أدائها , لتصبح حقاً مراكز إشعاع ثقافي , وكيف يمكن لها أن تساهم في تنشيط الحراك الثقافي في محافظة طرطوس . أسئلة طرحناها على عدد من المهتمين بالشأن الثقافي , وعلى عدد من المواطنين في
طرطوس , فكانت أجوبتهم كالتالي :
الشاعر صالح سلمان أمين سر فرع اتحاد الكتاب العرب بطرطوس : فاقد الشيء لا يعطيه
قبل الإجابة عن أسئلتك , لا بد من تحديد ماهية جمهور الثقافة . ومن ثم تحديد (مفهوم) المركز الثقافي .
جمهور الثقافة :هو ذلك (الحشد) الذي يسعى إلى المعرفة حباً بها , لأنه يجد فيها المتعة والفائدة . وهذا الأمر بحاجة إلى تربية واستعداد .
ومثل هذا الجمهور يتابع أي نشاط ثقافي كونه يرى في الثقافة حاجة روحية ,فهو جمهور نوعي , باعتبار أن الحاجة المادية -الجسدية تقع عموماً في المرتبة الأولى , وهذا هو سر كون جمهور الثقافة قليلاً نسبياً .
أما المركز الثقافي : فهو المكان الذي تقام فيه النشاطات الثقافية بأنواعها , ويجتمع فيه ذلك الجمهور للّقاء بالمثقفين والمبدعين . وهو ليس ذلك البناء الذي قد يكون فخماً بقاعاته وأثاثه فحسب , وإنما بالعاملين فيه وبخاصة المدير , ومن هنا لا نستطيع , كما أرى , فك الارتباط بين المركز والمدير , فمتى كان هذا المدير ذا هوىً ثقافي مؤسس أصلاً على تكوين وتربية ثقافيين , كان جديراً بموقعه , وبالتالي يكون حريصاً على كسب جمهور الثقافة . بما يقوم به من نشاطات وبمن يستضيف من أدباء ومفكرين .
وبناءً على ذلك أرى أن جمهور الثقافة هو جمهور نوعي , وبالتالي هو ليس غفيراً بالتأكيد . وبخاصة أمام طغيان (ثقافة) الاستهلاك في هذا الزمن . أما المراكز الثقافية فمعظمها لم يحظ بمديرين جديرين , وبالتالي بدل أن تكون عامل جذب تكون عامل تنفير , فالمشكلة من وجهة نظري مزدوجة يتوزعها المديرون والناس , وجانب الإدارة سببه قرارات التعيين الصادرة أصلاً في معظمها عن أناس لا علاقة لهم بالثقافة .
وأشير هنا , إلى أن هذه المشكلة ليست في طرطوس وحدها , وإنما هي في معظم المراكز الثقافية التي ربما تجاوز عددها الأربعمئة في سورية .
هناك قول مأثور مفاده (فاقد الشيء لا يعطيه) . لنحاول تطبيقه على الكثيرين من مديري المراكز الثقافية في طرطوس على الأقل . فمن منهم في الأصل ذو تكوين واستعداد ثقافيين يرى في الثقافة هاجساً أو (حاجة عليا للبشرية)? إذ حيث تجد مديراً لديه ذلك , يكون قادراً على تفعيل الثقافة في محيطه وجذب الجمهور . ولكن أن يكون المدير موظفاً كغيره في دائرة أخرى , فتلك هي الطامة الكبرى التي نتخبط فيها مع الأسف , ولدي أمثلة كثيرة على ذلك . فمثلاً : مدير مركز لم يسمع بمعظم مفكري وأدباء القطر .. وآخر يرغب في استضافة الشاعر أحمد شوقي!
الشاعر سمير حماد عضو فرع اتحاد الكتاب العرب بطرطوس قال من جهته :
إن نظرة إلى المراكز الثقافية جميعها من خلال الزيارات التي قمنا بها و الدعوات التي وجهت إلينا لإلقاء محاضرة أو المشاركة في أمسية تشير إلى الخواء الذي تعاني منه هذه المراكز , واللامبالاة التي يتعامل بها المواطن مع الثقافة والمراكز الثقافية , ولكن هل هذا الموقف السلبي الذي يتعامل به المواطن مع هذه المراكز نتيجة موقف أم حصاد جهل وأمية وحالة اقتصادية وترد ثقافي , إنه هذا جميعاً باعتقادي , فالأمية تزداد في المجتمع وأقصد بها الأمية الثقافية والإهمال للفرد يبدأ منذ الصغر فالقراءة لا ترسخ كعادة والمحاضرة لا ترسخ كقيمة إلا من المرحلة الابتدائية وللأسف المدارس الإبتدائية نسيت هذه القيمة وأهملتها وتكاد تكون معدومة ويستمر هذا في المرحلة الإعدادية والثانوية والجامعية ايضاً , إذاً لماذا نبدأ من النهاية ولانبدأ من البداية أي من الطفولة!
إن المراكز الثقافية بأبنيتها الفخمة وديكوراتها الرائعة تدعو للأسى عندما نرى مردودها الثقافي ضعيفاً وكذلك التفاعل بينها وبين الجمهور فما السبب ياترى؟
أيضاً السيد محمد شاش أمين المكتبة في المركز الثقافي بطرطوس قال بدوره :
تضم مكتبة المركز الثقافي بطرطوس أكثر من 35 ألف كتاب وغالبية الكتب المطلوبة هي كتب اختصاصية أي حسب اختصاص الطلاب الذين هم عادة طلاب جامعات أو معاهد .. وقد قل عدد الروايات المستعارة والكتب الثقافية علماً بأنه يمكن لأي شخص استعارة أي كتاب ولمدة خمسة عشر يوماً بوضع مبلغ وقيمته خمسمئة ليرة سورية كأمانة يستردها عند إعادة الكتاب المستعار . وأنا هنا أتساءل لماذا يشتري المواطن الكتاب طالما يمكنه استعارته من المكتبة متى شاء .
مع أنني موظف في المركز الثقافي إلا أنني قلما أحضر محاضرات أو أنشطة ثقافية في هذا المركز لأن معظمها يكون مساءً وأنا باعتباري أسكن في القرية فإنني لا أستطيع البقاء حتى المساء في المدينة .
ولذلك أقترح وضع تواقيت أفضل لتلك الأنشطة , تناسب أكبر شريحة من المجتمع .
وقد لاحظت جهلاً في مجتمعنا بأهمية ودور المراكز الثقافية , ويوجد في المكتبة كتب سوف يأكلها الغبار , ومن المفروض أن يكون هناك رحلات مدرسية للطلاب للتعرف على أقسام المركز الثقافي والأنشطة التي يقدمها وكذلك على المكتبة ومحتوياتها , علماً أنه يوجد مكتبة خاصة بالأطفال , لكن لا يأتي إليها أكثر من طفل أو طفلين في اليوم الواحد .
هويدا محمد مصطفى ( شاعرة ) أجابت بالقول :
للأسف الشديد أقول أن الثقافة في محافظة طرطوس شبه معدومة , فلو أردنا أن نحصي عدد الحضور في أمسية شعرية أو ندوة سياسية , فمن المخجل أن نرى جميع المقاعد شاغرة إلا من عدد قليل جداً من المهتمين بالثقافة وهؤلاء معظمهم مقربو المحاضر وأصدقاؤه ومحبوه , فالإدارة الثقافية غير جادة في إيجاد الحلول ومعالجة انهيار الثقافة , وأحد الأسباب قد يكون عدم الإعلان الكافي لأي نشاط يقام في المركز سواء بالإعلان في الصحف أو الإعلان بلافتات, وخصوصاً عند دوار الكراجات فهناك مركز انطلاق جميع المواطنين , واللافتة التي تهم الأنشطة الثقافية سيراها الآلاف بدل أن يكون الإعلان فقط على باب المركز الثقافي , والأمر الآخر الذي سمعته من أحد المراكز الثقافية أن قلة الحضور من الأشخاص المحاضرين , وهذا غير صحيح لأن المركز عليه أن يظهر الجيد والوسط وكل المستويات , وليس كما يحدث الآن تكرر الأسماء دائماً والوجوه أما المواهب الواعدة أين سنجدها ومن سيقوم بإظهارها , وأخص أيضاً تغييب العنصر النسائي فمعظم الأنشطة التي تقام في المراكز ينقصها العنصر النسائي مع العلم أن هناك عدد كبير من المثقفين والمهتمين أدبياً وفكرياً ولكن , ولكن بعيدون عن الأضواء وأيضاً نجد أن مسؤولي المحافظة أنفسهم لا يتابعون الأنشطة إلا في حالات نادرة فإذا لم يكن المحاضر ذات أهمية فلا داعي للحضور إلى المركز الثقافي , ويجب أن يقوم المركز بإعلان مسابقات تشجيعية وإغناء المركز بفقرات متنوعة وتوزيع الجوائز, كل ذلك يحض على الحضور , بكل أسف الثقافة في المحافظة في مهب الريح والقائمين على أمور الثقافة عليهم بتنفيذ جدول الأعمال تاركين الأمور على حالها .
السيد حبيب اسماعيل فقد قال لنا :
نحن في المركز الثقافي بطرطوس ننفذ زيادة عن الخطة حيث المطلوب منا ( 24 محاضرة و 12 أمسية بالسنة ) وأحياناً يصل عدد الأنشطة إلى الأربعين .
والمركز الثقافي العربي بطرطوس يعتبر من المراكز الثقافية المتميزة على مستوى القطر , ومع ذلك فنحن بحاجة إلى وسائل عمل أكثر تطوراً لتفعيل المركز أكثر والخروج من العمل التقليدي ( لم يشأ ذكر تلك الوسائل ), وباعتقادي أن المشكلة متكاملة وكثافة الحضور أو قلته يخضعان لمزاج المثقفين ونوعية واسم المحاضر .
كذلك السيد شاهين شاهين مدير المركز الثقافي في الشيخ بدر قال من جانبه:
تعود أسباب تراجع الحضور والمترددين إلى المراكز الثقافية إلى عدة أسباب منها :
اسم المحاضر ونجوميته الإعلامية حيث تمتلئ صالة المركز الثقافي عندما يحاضر أحد الأسماء اللامعة إعلامياً وتقل للمحاضرين الآخرين , ومتابعة الناس للفضائيات والإنترنيت والحواسيب حيث أصبحت جميع المحاضرات والمعلومات وحتى الكتب موجودة على الإنترنيت وفي متناول الجميع , وكذلك نظرة البعض إلى الثقافة على أنها آخر اهتمامهم, و الأسلوب التقليدي للمحاضرات والندوات حيث تكون المحاضرة من طرف واحد فقط , وأيضاً قلة الأنشطة الفنية والمسرحية المقدمة في المراكز الثقافية , وجهل المواطن بالخدمات التي تقدمها المراكز الثقافية من محاضرات وإعارة كتب داخلية وخارجية ومقهى الإنترنيت ومعهد الثقافة الشعبية . وتكرار مواضيع المحاضرات كل عام.
لذلك أقترح استقطاب محاضرين مميزين واعتماد النوعية على حساب الكم . والاهتمام بالأنشطة الموسيقية والفرق الفنية وزيادة عدد معارض الكتب ومعارض الفنون التشكيلية .و ابتكار وسائل جديدة للدعاية والإعلان عن الأنشطة والخدمات التي تقدمها المراكز الثقافية . وتشجيع الأهالي لأطفالهم لزيارة المراكز الثقافية . وقيام وزارة التربية بتشجيع إدارات المدارس لقيام الطلبة والتلاميذ بزيارة المراكز الثقافية بشكل دوري .و تغطية الصحف والمجلات والتلفزيون والإذاعة لأنشطة المراكز الثقافية بشكل ممتاز.
وكان للسيد حسن ابراهيم مدير مديرية الثقافة بطرطوس رأيه حيث قال :
هناك صروح ثقافية منتشرة على امتداد محافظة طرطوس , يشرف عليها مدير الثقافة فطبيعة عملنا هي الإشراف المباشر والتوجيه والإرشاد , ودفع العمل وخاصة المراكز الثقافية المحدثة في مراكز النواحي , وتزويدها بالكتب والموسوعات وما تحتاج إليه من وسائل مادية ومعنوية لتطوير عملها كي تلبي الحاجة التي من أجلها افتتحت تلك المراكز ويعمل مدير الثقافة على رفد هذه المراكز بالمحاضرين من خارج المحافظة لتلبية رغبة رواد هذه المراكز بالنوع الذي يقدم المعلومة المتميزة والتي تعالج القضايا الساخنة وهموم الوطن والمواطن ولكن لا بد من القول بأن الدور الذي يمارسه مدير الثقافة وحده لا يكفي لرسم الواقع الثقافي بل لا بد من تفعيل لجان أصدقاء الكوادر الثقافية الأخرى الموجودة في المحافظة كاتحاد الكتاب العرب والمسؤول الثقافي في المنظمات الشعبية وهي كثيرة , وبتعاوننا مع الجميع نستطيع تحديد ما يجب فعله ثقافياً .
ومن خلال ملاحظاتي كمدير للثقافة بطرطوس ومما ألمسه من الحراك الثقافي في المحافظة أرى أن المشهد الثقافي فيها واعد ويسير نحو الأفضل وإذا كان هناك من عوائق في أداء المراكز الثقافية فهذا يكون من ذات المدير لأن الوسائل متوفرة , لكن أحياناً يحتاج الشخص إلى محرض يدفعه للأمام وأود أن أشير إلى أن هناك خطة لبناء عشرة مراكز ثقافية أخرى في عدد من نواحي المحافظة خلال السنوات القليلة القادمة.
محمد زهرة
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد