الازدواجية في عمل المرأة
لا شك ان المرأة لها وظيفتها القيادية في تربية النشء الصالح، بل إنها مسؤولة عن ربط الأولاد بالقيم والمبادىء العليا، ولكن التغيرات والتطور السريع الذي يعيشه العالم اليوم والذي يواكب حياتنا، جعل من موضوع عملها ومشاركتها للرجل في حياته، موضوعاً أثار كثيراً من الجدل ولا يزال، حيث نجد ان هناك قسماً كبيراً من الرجال يعارض عمل الأم خارج المنزل، لكنه يوافق على عملها في الحقول جنباً إلى جنب مع الرجل، أو في الأعمال اليدوية داخل المنزل، فكيف نفسر الصمت المطبق على هؤلاء، وكيف يدّعي الرجل غيرته على أنوثتها، في حين لا تهتز شعرة واحدة في جسده، وهو يسير في الشارع ومن خلفه زوجته تحمل طفله أو أمتعته، بل لا يهتز الرجل منهم وهو راقد في سريره وزوجته تخدمه، ولا تكفّ عن الحركة داخل البيت من أجل تلبية طلباته وطلبات الأسرة والأطفال، وهذا يدل على أن غيرة هؤلاء الرجال على شرف النساء ومعارضتهم لخروج المرأة للعمل ليس موقفاً أخلاقياً أو إنسانياً، بل هو موقف طبقي استغلالي.
إن هذا المجتمع لا يسمح للمرأة بالعمل خارج المنزل إلا من أجل استغلالها بدرجة أشدّ من أن تعمل أجيرة بغير أجر، كحال الفلاحات اللاتي يعملن لحساب الأب وتحت سيطرته المطلقة، وقد يبررون ذلك بأنها تعمل في أرضها، ولكن نقول لهؤلاء: إن كانت تعمل في أرضها وتدرّ أموالاً لصالحها ولصالح العائلة، أليس في عملها خارج المنزل والحقل ما يدرّ عليها أموالاً لصالح العائلة ولصالحها أيضاً..؟
يدل هذا على التناقض الذي يعيشه الرجل في هذا المجتمع، وعلى الرغم من ان المرأة في بعض الأحيان تسعى إلى العمل بأجر، وذلك رغبة منها في تأكيد ذاتها وتحقيق إمكاناتها والمساهمة في تطوير المجتمع، إلا أن الظروف غير المؤهلة لعمل النساء وتقاليد المجتمع والرفض الدائم لاستقلال المرأة عن سيطرة الرجل واتهامها بالتقصير في واجباتها المنزلية ورعاية أطفالها إن خرجت للعمل خارج المنزل، لم يسمح كل ذلك للمرأة العاملة في معظم الأحيان أن تجد الفرصة في تحقيق ذاتها أو ممارسة إنسانيتها على نحو أكثر تحرراً.
إن المجتمع الذي يدرك هذه الازدواجية ويبقي على سيطرة الرجل على المرأة هو مجتمع متخلف، حيث تصبح المرأة مستغلة من الجانبين، من جانب المجتمع ومن جانب الزوج معاً.
إن الإنسان الصحيح برأيي هو الإنسان الصادق في تفكيره وإحساسه وأفعاله، وهو الذي لا يعيش حياة مزدوجة حيث يوافق على نواحٍ ويرفض نواحيَ أخرى، وإن كان لها المعنى نفسه، فالمرأة تشكل نصف المجتمع إحصائياً، والمجتمع بأكمله فعلياً، ومن المستحيل إبقاء هذا النصف بمعزل عن مواكبة عملية التنمية والتطور التي تشهدها المجتمعات، فلا بد من استثمار طاقات المرأة في المجتمع، والاستفادة منها في دفع عجلة التقدم وتحقيق النمو والرفاهية المنشودة، ومن المستحيل أن تحقق التنمية البشرية دون مشاركة المرأة في العملية التنموية، فكيف يمكن أن يعيش المجتمع برئة معطلة..؟.
ثراء إسبر
المصدر: البعث
إضافة تعليق جديد