نازحو الصومال.. أكواخ لا تؤوي وأكل لا يكاد يسد الرمق
أكواخ لا يزيد ارتفاعها عن متر واحد إلا بقليل، وتقل مساحتها عن ثلاثة أمتار مربعة، اجتهد أصحابها في بنائها على شكل قباب من أخشاب وأكياس وأقمشة ربطوها مع بعضها البعض.
وكأنما بنوها فقط ليسلّوا أنفسهم ويوهموها بأن لها ما تأوي إليه، وإلا فتلك "القباب" لا تقي من قيظ حر ولا من قر برد ولا من قطرات مطر، وتجبر أصحابها على قضاء أغلب أوقاتهم تحت الأشجار.
وتؤوي المئات من هذه الأكواخ –التي تنتشر بطول كيلومترات في جانبي الطريق الرئيس الرابط بين العاصمة مقديشو ومدينة أفقوى- مئات العائلات التي هربت بأرواحها من دوي المدافع وزخات الرصاص المتبادلة بين المسلحين الصوماليين والقوات الحكومية والإثيوبية.
أكثر من 20 مخيما تمتد على الكيلومترات الثلاثين التي تفصل بين مقديشو وأفقوى إلى الغرب، يحتضن الواحد منها أكثر من 700 أسرة.
ففي مخيم يسمى الفرقان تتكدس 820 أسرة على مساحة كيلومترين مربعين، أما معسكر إكس قولودياشا، فأغلب الأسر التي استقرت فيه نزحت إلى مقديشو منذ التسعينيات وسكنت في ملعب لكرة القدم تحول اليوم إلى قاعدة عسكرية للقوات الإثيوبية.
ويعيش سكان هذه المخيمات على لقيمات يسدون بها الرمق، بعضها يوفرونه من بعض أموال تصلهم من الجاليات الصومالية بالخارج عبر وسطاء موثوق بهم، وبعضها الآخر يصلهم من منظمة الأغذية العالمية التي توزع عليهم مرة في كل شهرين كيسين من الذرة وأربعة لترات من الزيت.
علوية عمر إبراهيم، الحامل في شهرها الخامس ولها طفلان، لا تعرف مصير زوجها أهو حي أم ميت، وتقول "أحصل على لقمتي من جيراني بالمخيم أحيانا، وأصبر على الجوع أخرى".
أما سعدية معلم نور، الأم لتسعة أطفال، فقد نزحت بعدما فقدت زوجها في محافظة هلواي، أكثر المقاطعات عنفا في مقديشو، وتقول في غضب "أخرجونا من ديارنا، والعالم راض عن ذلك، ولكن سنصبر حتى يأتي نصر من الله".
وتقول مديرة مخيم الفرقان حليمة شيخ نور إن "النازحين بالمخيم يعانون من سوء تغذية"، وطالبت العالم بوضع حد لمأساتهم، بينما حذرت منظمات محلية أخرى غير ما مرة من تكرار مأساة عام 1992 التي راح ضحيتها آلاف المدنيين جوعا.
وبدوره زار منسق أعمال الإغاثة الطارئة للأمم المتحدة بالصومال جون هولمز هذه المخيمات الشهر الماضي وعبر عن قلقه من أوضاع أصحابها، ودعا أطراف النزاع إلى احترام القانون الدولي الإنساني.
أما أطفال هؤلاء النازحين فيقضون جل أوقاتهم بين حلقات يحفظهم فيها بعض المتطوعين آيات من القرآن الكريم لساعات قليلة، وجولات على الطريق الرئيسي يتسولون أو يؤدون أعمالا شاقة ليعينوا أسرهم على لقمة العيش.
ومما يزيد من معاناة النازحين الصوماليين أن الأوضاع الأمنية السيئة لا تشجع المنظمات الخيرية والإنسانية على العمل بحرية، فبالإضافة إلى العراقيل التي يقول بعض العاملين في مجال الإغاثة إن الحكومة الصومالية تفرضها عليهم، فإنهم يشكون أيضا من أن مليشيات مسلحة تفرض مبالغ مالية على العربات التي تنقل المساعدات مقابل السماح لها بالمرور عبر الشوارع التي تسيطر عليها.
ويضاف إلى ذلك أن النزاعات التى تحدث أحيانا أثناء عمليات توزيع المواد الغذائية قد تودي بحياة عمال المنظمات الإنسانية أنفسهم، مما يعقد مهمتهم أكثر.
مهدي علي أحمد
المصدر: الجزيرة
إضافة تعليق جديد