إنتاج النسخة الدولية لإستراتيجية القاعدة

30-12-2007

إنتاج النسخة الدولية لإستراتيجية القاعدة

الجمل: تبدو الساحة العراقية وكأنها مستنقع نزاع يمتد بلا نهاية، وذلك بسبب تعدد بؤر الصراع، والصراعات الأفقية والرأسية المستمرة والمتجددة، على النحو الذي أربك كل التوازنات الدولية والإقليمية.
* الطبيعة الاستثنائية "للإدراك" الأمريكي إزاء العراق:
يعتبر معهد «المسعى الأمريكي» المطبخ الرئيسي للسياسة الأمريكية في العراق، وعلى وجه الخصوص شبكة الخبراء التي يتزعمها اليهودي الأمريكي فريدريك كاغان والتي تمثل فريق "العمل" الرئيسي لإنتلجنسيا إنتاج وتوليد مبررات استدامة عملية احتلال العراق.
الغرور "الأنتلجنسوي" اليهودي دفع بفريق العمل اليهودي إلى محاولة تجاوز الإدراك الموضوعي للواقع الميداني العراقي، والعمل من أجل تأطيره ضمن منظومة معرفية تؤرخ "أبستمولوجياً" لصراع المسرح العراقي.
تقدم فرضية فريق معهد المسعى الأمريكي ومعهد دراسات حرب العراق التابع لمجلة ويكلي ستاندرد على أساس اعتبارات أن إستراتيجية زيادة القوات الأمريكية في العراق يمضي تنفيذها على قدم وساق وحققت النجاح وما هو مطلوب من الأمريكيين هو المزيد من الصبر وإتاحة الفرصة لإدارة بوش لكي تحقق النصر النهائي في العراق.
وتأسيساً على هذه الفرضية تتبنى جماعة المحافظين الجدد توصيفاً تاريخياً لتطورات وقائع الأحداث في المسرح العراقي خلال عام 2007م على النحو الآتي:
• التطور الأول (أول آذار): إفساح المجال أمام القيادة العسكرية الجديدة بقدوم الجنرال بتراوس.
• التطور الثاني (منتصف آذار): إنفاذ قوة القانون عن طريق البدء في خطة تأمين بغداد.
• التطور الثالث (أول نيسان): بروز «صحوة الأنبار» وإخراج تنظيم «القاعدة» من منطقة شمال غرب العراق.
• التطور الرابع (نهاية نيسان): انتهاء معركة ديالا.
• التطور الخامس (أول تموز): الزيادة الحقيقية لعدد قوات الاحتلال الأمريكي وتحضيرات عملية «الرعد الخاطف».
• التطور السادس (نهاية آب): حرب الوكالة الإيرانية ضد الولايات المتحدة الأمريكية في العراق.
• التطور السابع (أول كانون الأول): عملية تأمين ديالا.
القراءة الفاحصة في التحليلات والمقالات التي نشرتها عناصر جماعة المحافظين الجدد في الصحافة ومراكز الدراسات الأمريكية تشير إلى أن هذه الكتابات من الممكن تصنيفها ضمن هذه التطورات "المفترضة" السبعة، وذلك لأن المضمون والمحتوى الذي تم طرحه ينسجم مع تسلسل الهيكلية التاريخية لأوضاع المسرح الحربي العراقي كما ينظر إليه الأمريكيون.
* صناعة الوهم: ثنائية الافتراض وإعادة إنتاج الافتراض:
صنعت جماعة المحافظين الجدد افتراض وجود أسلحة الدمار الشامل التي أدخلت الجماعة وزعماءها في مأزق حقيقي أمام الرأي العام الأمريكي والعالمي. وتفادياً لذلك، تقوم جماعة المحافظين الجدد هذه المرة باستخدام فرضية جديدة تتميز بقابليتها للتوظيف والاستغلال المستمر لأنها كلما تآكلت وبلي جسدها فمن الممكن بكل سهولة ترميمها وتبديل جلدها واستنساخها ليعاد إنتاجها مرة أخرى.
تركز المزاعم على فرضية أن العراق أصبح مركزاً لتنظيم «القاعدة» وبالتالي فإن أمام الإدارة الأمريكية إما البقاء والاستمرار حتى يتم القضاء على تنظيم «القاعدة» أو الانهزام والانسحاب وترك العراق بموارده ونفطه تحت سيطرة تنظيم «القاعدة».
على خلفية علاقات التآزر والمساندة، بين مراكز الدراسات الأمريكية الداعمة للاحتلال الأمريكي للعراق فإن مزاعم معهد المسعى الأمريكي ومعهد دراسات الحرب جاءت هذه المرة محمولة على صفحات تقرير مؤسسة جيمس تاون بـ"رصد الإرهاب" وذلك ضمن التحليل الأخير الذي أصدرته المؤسسة.
* ماذا يقول تقرير مؤسسة جيمس تاون:
حمل التقرير عنوان «القاعدة تكيّف أساليبها في العراق كجزء من إستراتيجيتها العالمية»، ويشير على النقاط الآتية:
• انخفضت بشكل ملحوظ خلال الأشهر القليلة الماضية عمليات التمرد والإرهاب في العراق.
• الاستقرار الذي شهده العراق مؤخراً قد حدث بسبب الهزائم الكبيرة التي تعرض لها تنظيم القاعدة.
• يقوم تنظيم القاعدة حالياً بعملية تكييف نفسه بما ينسجم مع الواقع الميداني الجديد الذي تعيشه الساحة العراقية.
• تطبيق تنظيم القاعدة لقواعد اشتباك ميدانية جديدة تركز على تفادي الدخول في مواجهات مباشرة مع قوات التحالف.
* ماذا يقول الإعلام: "التسويق" لتصريحات زعماء القاعدة و"تغييب" المقاومة الوطنية العراقية:
من حين إلى آخر، وعلى شكل موجات منتظمة حيناً ومتقطعة حيناً آخر، تتدافع أجهزة الإعلام الأمريكية والعالمية ومن ورائها العربية في الترويج لتصريحات زعماء القاعدة حول العراق، وعن طريق التركيز المنهجي المدروس الذي يشدد على إبراز أن ما تتعرض له قوات الاحتلال الأمريكي في العراق هو حصراً من صنع تنظيم القاعدة، وعلى الجانب الآخر تحاول القوات الأمريكية بمساعدة قوات التحالف مساعدة العراقيين في القضاء عليه والسيطرة على استقلال وسيادة العراق من الوقوع في يد تنظيم القاعدة، أما المقاومة الوطنية العراقية فيتم تغييبها. هذا، ومن أبرز الأمثلة على ذلك الهجوم القوي والكبير الذي شنته عناصر ضد أحد القواعد العسكرية الأمريكية في منطقة «بيجي» العراقية، والذي أدى إلى تدمير عشرات الآليات والمركبات العسكرية الأمريكية.
وعلى الصعيد السياسي تتم حالياً محاولة التسويق لتحميل تنظيم القاعدة المسؤولية عن عرقلة حركة "الصحوة" التي تتكون من العناصر القبلية والعشائرية التي استطاعت سلطات الاحتلال الأمريكي "شرائها" خلال الأشهر الماضية.
* إنتاج النسخة الدولية لإستراتيجية القاعدة:
بعد أن استنفذت الصيغة الإقليمية لتنظيم القاعدة وبدأت في التآكل فقد قرر خبراء الحرب النفسية الأمريكية الشروع في مخطط جديد يقوم هذه المرة على أسلوب الهروب إلى الأمام. بكلمات أخرى، فقد نشر تقرير مؤسسة جيمس تاون ما أطلق عليه تسمية إستراتيجية تنظيم القاعدة العالمية، وتتضمن هذه الإستراتيجية النقاط "المفترضة" التالية:
• إن معركة القاعدة في العراق هي فقط جزء من معركتها الكبرى.
• إن الحرب ضد الصليبيين والصهيونية هي مطلب القاعدة الرئيسي.
• يجب اللجوء إلى استخدام العديد من الجبهات في القتال والصراع.
• تطبيق خطة جهادية من سبعة مراحل:
* المرحلة الأولى (2000 – 2001م):انتهت بغزو واحتلال العراق وتأكد فيها فشل القدرات الإسلامية الماضية وبالتالي يجب الاعتماد على شن الحرب المتعددة الجبهات في المناطق البعيدة والمتطرفة.
* المرحلة الثانية (2003م – 2006م): وتمثل الصحوة الإسلامية لمواجهة الخطر "الصليبي" – الصهيوني.
* المرحلة الثالثة (2007م – 2010م): وهي المرحلة الحالية وتتضمن القيام بتعبئة وحشد الموارد والقدرات الجهادية.
* المرحلة الرابعة (2010م – 2013م): وتتضمن الدخول في مواجهات ضد الحكومات الموجودة حالياً في المناطق الإسلامية، بحيث يتم ليس القضاء عليها وحسب بل وإنهاك قدرات الولايات المتحدة وحلفائها.
* المرحلة الخامسة (2013م – 2016م): إعلان قيام الدولة الإسلامية التي سوف تسيطر على المناطق الإسلامية.
* المرحلة السادسة (2016م): شن الحرب الشاملة بين قوى الخير الإسلامية وقى الشر الكافرة.
* المرحلة السابعة: ولم يتحدد تاريخها بعد ولكنها تتضمن إحراز النصر المزدوج، والذي يتمثل في القضاء على قوى الشر وتعزيز قوة قوى الخير.
عموماً، كثيراً ما تكشف النهاية كذبة البداية، فالجزء الأخير من إستراتيجية تنظيم القاعدة العالمية أشار إلى صراع قوى الخير مع قوى الشر وانتصار قوى الخير في النهاية، ولكن بطريقة تمثل "مقلوب" نموذج صراع قوى الخير والشر الذي تتحدث عنه أطروحات جماعة المحافظين الجدد وروجت له إدارة بوش. والآن، وبكل وضوح فإن المطلوب من إستراتيجية القاعدة "المفترضة" أن تعمل الـ"معاكس" لإستراتيجية زعماء اليهود الأمريكيين التلمودية، على النحو الذي يعطي المصداقية أكثر فأكثر لنموذج الحرب الأمريكية ضد الإرهاب القائم لا على فرضية صراع قوى الخير وقوى الشر، بل وحدد قوى الشر هذه ووصفها بـ"الفاشية الإسلامية" كما ورد على لسان جورج بوش.
وهكذا، وعلى خلفية علاقات المساندة والتآزر بين مراكز الدراسات الأمريكية والإعلام الأمريكي ومن ورائه الإعلام العربي، تتكشف حقيقة "فزاعة" القاعدة التي يتم استخدامها عن قصد وبتخطيط إعلامي دقيق، من أجل صناعة العقول وذلك عن طريق البدء بـ"قصف العقول" بأخبار ومعلومات فزاعة القاعدة، ثم المباشرة بعد ذلك في قصف الشعوب عن طريق طائرات بي-52 الرابضة في قاعدة دييغو غارسيا وغيرها.

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...