الوزير والبخيل... وإطفاء اللمبة
الجمل- د. عمار سليمان علي: سئل أحد البخلاء الجاحظيين في القرن الحادي والعشرين: إذا شعرت بالبرد فماذا تفعل؟ قال: أقترب من المدفأة. قالوا: فإذا اشتد البرد؟ قال: أقترب من المدفأة أكثر. قالوا: فإذا اشتد البرد أكثر وأكثر؟ قال: ألتصق بالمدفأة. قالوا: فإذا أصبح البرد لا يطاق؟ قال: أشعل المدفأة. وروي عن بخيل جاحظي حداثوي آخر أنه كان يشعل لمبة صفراء في سقف الغرفة ويقول لأطفاله المرتجفين من البرد: هيا يا أولادي تدفؤوا على هذه اللمبة فهي مصدر الضوء والحرارة, ولا تنسوا أن تشكروا اللـه على هذه النعمة. وقد صعق هذا البخيل وأمثاله من هول المفاجأة عندما طلع علينا قبل أيام الوزير الذي يساوي خمسة مواطنين وقال لا فض فوه: إذا أطفأ كل مواطن لمبة في بيته فسوف نوفر على خزينة الدولة تسعة مليارات ليرة سنوياً. "ويبدو أن الوزير بدأ بنفسه وأطفأ لمبة ... في رأسه" كما علق أحد أولئك البخلاء عندما سألته: لماذا تصعقون من هذا الكلام والوزير يدلكم على باب جديد للبخل والتقتير, أو ما تسمونه أنتم الاقتصاد والتوفير؟. ثم قال صاحبنا غاضباً والشرر يتطاير من عينيه: أنت تعرفنا جيداً وتعرف أننا أرباب الاقتصاد والتوفير, أو ما تسمونه أنتم البخل والتقتير, ولسنا في حاجة لأي كان ـ ولو برتبة وزير ـ لكي يعلمنا الفنون والأسرار التي نمارسها يومياً بفطرتنا وعلى طبيعتنا التي درجنا عليها أباً عن جد. وقد كان الأجدى بالوزير الذي يساوي خمسة مواطنين أن يستشيرنا ويلجأ إلينا قبل أن يتنطع للإفتاء في أمر هو من صلب اختصاصنا واهتمامنا. سألته: لنفرض أنه استشاركم فبماذا تشيرون عليه؟ قال وعلامات الجدية والرصانة على محياه: أولاً كان عليه أن يطلب من كل مواطن أن يشعل لمبة واحدة فقط, وليس أن يطفئها. لأن إطفاء لمبة واحدة يعني أن باقي لمبات البيت مضاءة, أما إشعال لمبة واحدة فقط فيعني أن كل لمبات البيت الأخرى ـ إذا وجدت ـ تكون مطفأة!. ثانياً لم يكن عليه أن يطلب استبدال اللمبات الصفراء بأخرى من النوع الأبيض التوفيري. هنا أردت أن أقاطعه ولكنه لم يسمح لي وأشار بيده أن أعرف ماذا ستقول, وتابع كلامه: صحيح أن النوع التوفيري يوفر ثلاثة أرباع الطاقة, ولكن اللمبات الصفراء تستخدم لأغراض التدفئة ـ كما ذكرت في الحكاية أعلاه ـ مما يوفر أضعافاً مضاعفة, وعلى الوزير أن يشجع على هذا الاستخدام. بل إن عليه أن يمنع بيع وشراء وتداول المدافئ الكهربائية, أو على الأقل أن يفرض ضريبة رفاهية على مقتنيها بحيث لا يستخدمها إلا المقتدرون, وهات يا توفير على جيوب المواطنين وعلى خزينة الدولة على حد سواء!. ومن لم تكفه لمبة صفراء للتدفئة يمكنه اللجوء إلى وسائل تدفئة أخرى على الحطب أو التمز أو المازوت أو التمرينات الرياضية أو الحوارات الساخنة بكافة أنوعها السياسية وغير السياسية!. ومن جهة ثانية فاللمبات الصفراء تسبب النعاس وتدفع للنوم المبكر مما يعزز التوفير أكثر وأكثر, ويضمن أن المواطنين لن يطيلوا السهر في اللت والعجن والرغي والكلام الفارغ عن الإصلاح ومحاربة الفساد وتحسين الوضع المعيشي وزيادة الرواتب والأجور. وعلى ذكر الرواتب والأجور وعلى الهامش نهدي هذه النكتة لمعالي وزير المالية: زار الرئيس قرية مشهورة ببخل أهلها الشديد على مر العصور, وراح يباسطهم أطراف الحديث عن أحوالهم وأوضاعهم الحياتية والمعيشية, فاكتشف أن كلاً منهم يصرف نصف راتبه ويخبئ نصفه الآخر. ومذاك طوي كل حديث عن تحسين الوضع المعيشي وزيادة الرواتب والأجور. وإلى اللـه سبحانه ترجع الأمور.
الجمل
إضافة تعليق جديد