ما هو مصير حزب العمال الكردستاني بعد مقتل مورات كاريلان وكبار قادته

الجمل: أشارت المعلومات الاستخبارية التركية إلى مقتل مورات كاريلان زعيم حزب العمال الكردستاني خلال الغارات الجوية المكثفة التي جرت خلال اليومين الأولين من شهر أيار 2008م الحالي والتي شنها الطيران الحربي التركي ضد قواعد الحزب الموجودة شمال العراق.
* علاقة الحدث بالصراع داخل حزب العمال الكردستاني:
حزب العمال الكردستاني هو بالأساس حزب تركي أنشأه الزعيم الكردي عبد الله أوجلان الموجود حالياً في أحد السجون التركية حيث يقضي عقوبة السجن المؤبد، وقد أدى غياب أوجلان إلى بروز بعض الخلافات والصراعات داخل الحزب من أبرزها:
• الخلاف حول مذهبية الحزب: تبنى الحزب عند تأسيسه مذهبية حرب العصابات على النهج الماركسي – اللينيني (على الطريقة الماوية الصينية)، ولكن بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وبسبب الطبيعة والخصوصية العرقية – الإثنية – القبلية لملف الأزمة الكردية فقد تحولت مذهبية الحزب إلى إطار أكثر ذرائعية وبراجماتية، وأصبح يمارس أنشطته على أساس الاعتبارات الإثنو-ثقافية المحلية، وقد ترتب على ذلك إقصاء العناصر اليسارية وصعود العناصر المتشددة إثنو-ثقافياً.
• الخلاف حول تكتيك الحزب: عمليات حزب العمال الكردستاني بدأت بالتركيز على العمل العسكري والسياسي ضمن المسرح التركي، ولكن وبسبب تواجد كوادر الحزب في مناطق شمال العراق المكثف خلال الفترة التي أعقبت حرب العراق الأولى، وما ترتب عليها من قيام الولايات المتحدة وحلفائها بتقليص سلطة سيادة الدولة العراقية في شمال العراق. وفي هذه الفترة استطاع حزب العمال الكردستاني القيام بتجنيد بعض العناصر من أكراد سوريا من بينهم فهمان حسين الذي وصل إلى منصب قائد العمليات العسكرية في التشكيل العسكري للحزب. لذلك فقد استطاع الحزب تجنيد بعض العناصر من أكراد إيران، وقد ترتب على هذا التوسع المتعدد الكثير من الخلافات، فأكراد تركيا يصرون على التمسك بأن يركز الحزب على توظيف قدراته العسكرية في تنفيذ العمليات في المسرح التركي، أما أكراد إيران وسوريا المنتمين للحزب فقد كانوا يطالبون بضرورة توظيف قدرات الحزب في كل المناطق الكردية في المنطقة.
• خلافات "صراع الأجيال": تتضمن كوادر حزب العمال الكردستاني ثلاثة أجيال، الجيل الأول يتكون من المؤسسين والثاني من الذين تم تجنيدهم نهاية ثمانينات وبداية تسعينات القرن الماضي والثالث يتكون من الذين تم تجنيدهم خلال الفترات الأخيرة بدءاً من عام 2000م حتى الآن. وبإسقاط ذلك على الهيكل التنظيمي للحزب يمكن الاستنتاج بأن جيل المؤسسين ما زال موجوداً في القيادة ومسيطراً على العمل السياسي، أما الجيل الثاني فهو المسيطر على المستوى الوسيط بين القاعدة والقيادة، مع ملاحظة أنه يمثل أيضاً الجيل المسيطر على العمليات العسكرية لأن طبيعة العمل العسكري لا تتماشى مع كبار السن من عناصر الجيل المؤسس الأول الذي أصبحوا شيوخاً. وقد ترتب على هذه الخلافات صراع كبير داخل الحزب، وبالنسبة للعناصر ذات الأصل الإيراني فقد استطاع الحزب تكوين "فرع" تحت اسم "حزب الحياة الحرة" باعتباره الحزب الخاص بأكراد إيران والذي يمثل وسيلة العمل المسلح ضد إيران، وقد تبين لاحقاً للجميع بأن حزب الحياة الحرة ما هو إلا واجهة وغطاء لعمليات حزب العمال التي ينفذها داخل إيران بمباركة أمريكية، ومن السهل بمكان أن ندرك بأن حزب الحياة الحرة يشكل غطاءً أيضاً لوجود حزب العمال داخل الشمال العراقي إضافةً إلى أنه يصلح كوسيلة لاستفادة حزب العمال من المعونات الأمريكية التي تقوم بتقديمها الولايات المتحدة لحزب الحياة الحرة الذي يستخدم جزءاً منها ويحول الجزء الباقي لحزب العمال الكردستاني الذي تعتبره الولايات المتحدة "إرهابياً". ومن المؤكد أن تكوين حزب الحياة الحرة قد تم بمباركة الإدارة الأمريكية لأنه يتيح لإدارة بوش وإسرائيل تفادي أي حرج أمام تركيا طالما أنهم يقومون بدعم حزب الحياة الحرة الكردي الإيراني وليس حزب العمال الكردستاني.
* ماذا تقول التسريبات الاستخبارية التركية الأخيرة:
نقلت صحيفة تيركيش ويكلي عن وكالة «أناضوليا» المعلومات المتعلقة بمقتل مورات كاريلان الملقب بـ"الثعبان الأسود" والذي يتولى قيادة حزب العمال الكردستاني بسبب غياب زعيمه عبد الله أوجلان. وقد تحدث وزير الخارجية التركي علي بابكان مشيراً إلى ضرورة الانتباه إلى البيانات التي أصدرتها رئاسة هيئة الأركان التركية حول نتائج غاراتها الجوية الأخيرة ضد حزب العمال الموجود في شمال العراق. وتجدر الإشارة إلى أن بيانات هيئة الأركان التركية أشارت إلى بعض المعلومات التي من أبرزها:
• مقتل أكثر من 150 من عناصر حزب العمال الكردستاني.
• يوجد من بين القتلى عدد من كبار قادة الحزب.
• شنت نهاية الشهر الماضي مجموعة مسلحة تابعة لحزب العمال هجوماً ضد علي كيتكان وعائلته وهو واحد من المناصرين المقربين للحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه الزعيم الكردي العراقي مسعود البرزاني.
* الصراع بين حزب العمال الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني:
من المعروف أن الحزب الديمقراطي الكردستاني هو حزب كردي عراقي يتزعمه مسعود البرزاني المرتبط بإسرائيل وأمريكا، أما حزب العمال الكردستاني فهو حزب تركي يقوده مورات كاريلان، وهو كردي تركي، نيابة عن زعيمه عبد الله أوجلان المعتقل. ويتميز الرجلان بالمذهبية اليسارية الصينية النمط.
تفاهم البرزاني مع الأمريكيين والإسرائيليين على خط أربيل – تل أبيب – واشنطن على خلفية الاقتحام العسكري التركي الأخير لشمال العراق ترتب عليه ضرورة أن يتحول حزب العمال باتجاه التركيز على تقليل عملياته ضد تركيا والاكتفاء بالبقاء في شمال العراق.
تسعى أمريكا وإسرائيل إلى استخدام حزب العمال الكردستاني من أجل زعزعة استقرار سوريا وإيران ولكن العقبة الرئيسية تمثلت في سيطرت العناصر الكردية ذات الأصل التركي على الحزب. واليوم تقول التسريبات الاستخبارية بأن الصراع الدائر حالياً داخل حزب العمال الكردستاني قد أدى تحت تأثيرات البرزاني وأجهزة المخابرات الإسرائيلية والأمريكية إلى حدوث عملية تطهير وتصفية واسعة لزعامات الحزب الكردية ذات الأصل التركي واستبدالها بزعامات جديدة من أصول كردية سورية وإيرانية وعراقية.
* الخلافات الكردية – الكردية والعامل الاستخباري الإسرائيلي – الأمريكي:
الخلافات بين قيادات حزب العمال الكردستاني أدت إلى بلورة صراع حاد بين (السوري) فهمان حسين و(التركي) مورات كاريلان الذي تولى قيادة الحزب بعد اعتقال عبد الله أوجلان عام 1999م واستطاع أن يعزز قبضته على الحزب بعد نجاحه في إقصاء المنافس الرئيسي عثمان أوجلان شقيق الزعيم أوجلان وإخراجه من الحزب، وقد اتحد جناح كاريلان مع جناح آخر داخل الحزب يتزعمه سيمال باييك، اللذان اختارا التعاون بما يؤدي إلى إضعاف "السوري فهمان حسين".
كان واضحاً أن الموساد الإسرائيلي ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية ومسعود البرزاني سينسقون الجهود الأمنية من أجل إقصاء التيار اليساري عن قيادة الحزب، بما يؤدي إلى تعزيز التيار القومي – الاجتماعي الإثنو-ثقافي الكردي إضافةً إلى تعزيز نفوذ العناصر غير التركية الأصل والراغبة في نقل نشاط الحزب وعملياته العسكرية إلى إيران وسوريا.
التحليل الواضح لوقائع الغارات الجوية التركية الأخيرة ونتائجها يشير إلى الاستنتاجات الآتية:
• إن شبكة مخابرات مسعود البرزاني تعرف بكل تأكيد أماكن تواجد زعماء حزب العمال الكردستاني.
• قرر البرزاني التخلص من خصومه الموجودين في قيادة حزب العمال الكردستاني.
• اتفق البرزاني مع الأمريكيين على صفقة تنص على موافقته التخلص من قيادات حزب العمال الكردستاني التركية الأصل مقابل خروج القوات التركية من شمال العراق، وتتضمن الصفقة تصفية ملف القضية الكردية في تركيا.
• زودت وكالة المخابرات الأمريكية البرزاني بالمعلومات الاستخبارية الجارية حول تحركات قيادات حزب العمال الكردستاني.
• وعلى خلفية التعاون الاستخباري التركي – الأمريكي والتزام أمريكا بتزويد تركيا بالمعلومات الاستخبارية الميدانية الجارية حول تحركات قواعد وقيادات حزب العمال الكردستاني، فقد حصلت تركيا على المعلومات حول أماكن تواجد قيادات الحزب ومقراته السرية  في شمال العراق، وبناءً على ذلك نفذت الطائرات التركية غاراتها الجوية يومي 1 و2 أيار 2008م.
• نتيجة الغارات الجوية التركية الأخيرة ترتب عليها عملية جراحية داخل حزب العمال الكردستاني بحيث تم استئصال العناصر التركية والإبقاء على العناصر السورية والإيرانية، التي لم يقم البرزاني ولا الأمريكيون بإطلاع الأتراك على أماكن تواجدهم.
* ما الذي حدث بعد الغارة؟
نشرت صحيفة تيركش ويكلي التركية تقريراً إخبارياً يقول بأن بعض عناصر حزب العمال الكردستاني قامت بالاعتداء على بعض العشائر الكردية السورية، وأشارت الصحيفة على موقعها الإلكتروني بأن منفذي الاعتداء المسلح في منطقة عين العرب هم من أنصار السوري فهمان حسين وقد لقي عناصر الحزب مصرعهم بعد إحباط محاولتهم التي هدفت لاختطاف أنور البصراوي زعيم إحدى العشائر الكردية السورية.
فهل يمكن اعتبار هذه العملية مؤشراً على أن مسعود البرزاني والموساد ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية قد نجحوا في السيطرة على حزب العمال الكردستاني وإعادة توجيه مذهبيته القتالية والعسكرية ضمن مسرح عملياتي جديد يركز على استهداف سوريا وإيران من جهة وعلى التهدئة مع تركيا من الجهة الأخرى. بكلمات أخرى، هل كانت عملية الانسحاب المفاجئ للقوات التركية من شمال العراق هي بداية الصفقة التي أكملتها وشاية الزعيم الكردي مسعود البرزاني؟؟

الجمل: قسم الدراسات والترجمة