زياد الرحباني في «نسخة» سوريّة لأول مرة
منذ وصلته أجواء استعدادات الجمهور السوري، بالمراسلة كما قال زياد الرحباني في حفله الأول في دمشق، قرر كما يبدو أن يترك البطولة للجمهور. كان ذلك واضحاً من كلام افتتاحيّ للفنان برجيس صليبا، حين قال »إن البطولة للجمهور«، وإن »الفرقة قد تدرّبت للاشتراك معكم«. هذا ما أكده زياد في آخر الحفل حين توجه في حديث إلى الجمهور، حين قال ما يعني انه لم يرَ جمهوراً كهذا من قبل، و»جئنا نسمّعكن، طلعنا عم نسمّعلكن«. لم يخطئ زياد، فكل الذين يأتون إلى دمشق يعرفون فرادة الجمهور السوري في اللقاء والتلقي، مبدعون كثر ظلّوا يحكون كل حياتهم عن موعد ما في دمشق. السوريون بدأوا احتفالهم بزياد منذ أسابيع، انشغل أثير الإذاعات السورية كما قنوات التلفزيون، وكذلك إعلانات الطرق، طويلاً باسم زياد، عبر استعادة عناوين لأغان ومسرحيات، أو اقتباسات منها لتملأ شوارع دمشق؛ »سهّرنا يا ابو الأحباب«، »لأول مرة منكون سوا«، »كيفك إنت«، »صارت صحيحة الخبرية«،.. إلى جانب حملات تواقيع محبة ستهدى إلى زياد، وبث لأغانيه في أحياء مختلفة.
كان جمهوراً بالغ الحساسية، يعرف أين عليه أن يغني، وأين عليه أن يستمع. منذ المقطوعة الأولى التي حملت اسم »تدمر«، وهي جزء من موسيقى فيلم سمير ذكرى »وقائع العام المقبل«، إلى أغنية »عودك رنان«، ختام أمسية زياد، التي أعيد مقطع منها تحت إلحاح الجمهور. يطرب ويتمايل مع »تلفن عياش«، و»بما أنو«، »بلا ولا شي«، »عايشة وحدا بلاك«، ويصمت مصغياً مع »أبو علي«، و»قمح«، و»جسر القمر«، »ميس الريم«، و»مقدمة بيت الدين«، وسواها.
لكن ليس وحده الجمهور من كان سورياً، فنصف الفرقة كان سورياً (٢٩ عازفاً ومغنياً من أصل ٦٠)، إلى جانب ٢٢ أرمنياً مع المايسترو الأرمني كارين دورغريان، وعازفين فرنسيين، وهولندي، إلى جانب ستة لبنانيين فقط، منهم نضال أبو سمرا (سكسافون)، ووليد ناصر وعلي الخطيب على الإيقاع وسامي شبشب (غيتار). بعض العازفين السوريين سبق أن عزف مع زياد وفيروز، لكن كورس المغنيات كان بكامله سورياً، من بينهن رشا رزق، التي غنّت »صباح ومسا« و»بلا ولا شي«، وكانت في الأولى أقل براعة بشكل واضح، وسونيا بيطار، التي كان لها حضور (أكثر من الصوت) بارع وأخاذ في »ان فير شي نو«، وشاركت في الكورس ليندا بيطار، المغنية اللامعة في سوريا. لكن اللافت أيضاً أن زياد فسح للسوري باسل داوود، الذي عزف وغنى معه من قبل، الظهور منفرداً في »أهو دا اللي صار«، و»راجعة بإذن الله«، و»شو هالأيام؟«، بالإضافة إلى مشاركته في أغنيات أخرى، كما العزف على العود والجمبش. وهذا بالطبع ما أشاع تساؤلات عمّا إذا كان زياد سيخصّ تلك الأصوات في ألبومات أو مشاركات مقبلة. كل هذا الحضور السوري مع زياد جعل الأمر يبدو وكأنه نسخة سورية من زياد الرحباني، خصوصاً مع تصوّر اللكنة السورية التي يمكن تمييزها في أغنيات حفلات دمشق، لو توخينا التدقيق. إنها بالتأكيد صورة جميلة لما وصلت إليه براعة الموسيقيين السوريين.
- لكن الأهم أن الحفلات التي يقيمها زياد هنا، تكاد تكون حلمه، فالمتابعون لتجربته يقولون إن هذه الأوركسترا الضخمة، والحرفية العالية، والدمج بين الشرقي والغربي، والهارموني، هذا كله توافر في عام ٢٠٠٠ في بيت الدين، لكن حضور فيروز في ذلك الحفل جعل كل ذلك يسجل باسمها، أما هنا فيستعيد زياد حلمه بتوافر عناصر، إنتاجية بشكل خاص، خصوصاً أن زياد أيضاً غنّى في دمشق كما لم يفعل في أماكن أخرى، ولعله يغني لأول مرة أغنية كاملة كما فعل في »بما أنو« هنا، وهكذا يكون، كما يقول المتابعون الموسيقيون لتجربته، قد سدّ ثغرة في تجربته، إنه يظهر هنا كمغن إلى جانب كونه مؤلفاً وعازفاً.
لم يقدم زياد الرحباني أغنية أو مقطوعة جديدة في حفلاته، الجديد هو هذا اللقاء الفريد مع جمهور يعرف زياد، ويغنّيه، منذ ثلاثين عاماً، من دون لقاء حيّ بينهما، فراح كل منهما، يبادل حباً بحب. جمهور فَرِح ومبتهج، ومحب بشكل خالص، من دون أي توظيف سياسي للمناسبة، فقد نجا زياد بالمصادفة من أفخاخ السياسة التي أربكت فيروز في دمشق في الشتاء الماضي، كما راح زياد يعلن في كل مناسبة، ومنها حفلاته بالطبع، شكر الجمهور السوري الاستثنائي، كما أبدى اهتماماً واضحاً بالتلفزيون المحلي وبعض الإذاعات والصحف الخاصة. مؤشرات كثيرة تقول إن زياد قد وقع في الشرك السوري، الذي سيفتتح علاقة جديدة لزياد، سواء بالموسيقيين والجمهور، ومع شغله هو قبل كل شيء، خصوصاً مع إمكانات إنتاجية ممدودة اليد، وقد لفت اتصال من أمينة احتفالية »دمشق عاصمة ثقافية« أثناء حوار لزياد مع إذاعة شام FM السورية الخاصة تعهدت فيه بإنتاج الألبوم المقبل للسيدة فيروز. ومرة أخرى؛ سيكون الجمهور السوري على أحرّ من الجمر.
راشد عيسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد