منسيّو الدراما السوريّة «المهمشون» في انتظار ثورة الكومبارس!
لم توافق الأغلبية على مفردتي »التهميش« أو »الإقصاء« عند طرح موضوع تغييب العديد من المواهب الشابة التي تخرجت منذ سنوات طويلة من المعهد العالي للفنون المسرحية، والتي لم تأخذ المساحة التي تليق بعمل السنوات الأربع التي قضتها في المعهد. ربما يعود ذلك لوقع المفردتين غير المحببتين على النفس، وربما لضرورات »إعلاميّة ـ إعلانيّة« ترى أنّ الظهور بمظهر »المهمّش« هو تكريس لهذه الحالة.
أرجع البعض عدم موافقته إلى نفوره من نظريّة المؤامرة »السيئة السمعة« التي توحي بها كلمة »تهميش«، ورأت الأكثرية فيها مبالغة لا تطابق الواقع، الذي هو بالنسبة إليها أبسط من ذلك، إذ أنّ هذا »التناسي« هو حصيلة العديد من الأسباب أبرزها: كسل المخرجين، وسعي الشركات وراء الربح المتعارض دائماً مع المغامرة، التي لا تعدو كونها فتح المجال لدخول وجوه جديدة على الساحة الدراميّة الفنيّة.
مع ذلك، يثير السؤال المتمحور حول تغييب العديد من المواهب الشابّة لدى البعض أنّة خافتة أو دفقاً غزيراً من الأفكار وعنوانها الأبرز هو الخوف على الدراما السوريّة التي لا »تستهلك« أبناءها جميعاً، لكن، وقبل ذلك الخوف على مستقبل شخصي مهدّد بالبطالة!
بدت الممثلة الشابّة لمى حكيم غير معنيّة بالسؤال: »لا أستطيع أن أفيدك بشيء، فأنا أعمل في المسرح منذ سنة«. وهل الأمر نتيجة خيار شخصي؟ »نعم، هو كذلك!«. لكنّ ذلك يبدو مختلفاً بالنسبة إلى الفنان رأفت الزاقوت، الذي كان مضطراً للانتظار أربع سنوات حتى... بدأت العجلة بالدوران. يرى نفسه محظوظاً بالمقارنة مع زملاء له انتظروا سنوات تعدّت العشر، ولم يكن آخرهم الفنان النجم غسان مسعود أو الممثل الشاب محمد حداقي. الزاقوت ممن يرفضون صفة »المهمّش«، ويقول: »لا أحد يهمّش أحداً«، وبالتالي: »لا نظريّة مؤامرة في المسألة«. لكنه، من ناحيّة أخرى، يلقي اللوم على كل من شركات الإنتاج وإدارة المعهد العالي ومعضلة »المعارف«، فالأخيرة هي التي تختصر اليوم العمل الصحافي والفنّي في سوريا، كما يقول. أمّا في ما يخص إدارة المعهد فيفهم من كلامه أنّه يعتبرها مسؤولة عن تسويق متخرجيها ويتساءل: »لماذا لا تتم دعوة مخرجين لحضور عروض الطلاب والتعريف بهم؟«. رغم ذلك، يؤكد أن »الموهوب سيأخذ دوره«، الأمر الذي لا يلغي ضرورة تأمين اهتمام وسائل الإعلام، ويتهمها الزاقوت بالتقصير.
ترى الفنانة رولا ذبيان أن التساؤل المطروح عن »التهميش« الذي يتعرض له بعض متخرجي المعهد يعنيها بالكامل. تخرّجت رولا عام ،١٩٩٤ وحالفها الحظ بأن شاركت بعد تخرّجها مباشرة في العديد من الأعمال مثل »عيلة ست نجوم«، و»أبو زيد الهلالي«، و»الزير سالم«، وغيرها، لكنها انقطعت عن العمل في الدراما لمدة ثلاث سنوات. وعند سؤالها عن السبب تجيب بسخريّة: »السبب هو أنّني لا أعرف السبب!«. ينجح طلب توضيح لإجابتها في استدراجها نحو بوح خفيف عن مشكلات الوسط الفنّي في سوريا اذ تقول: »على الرغم من كل الإطراءات التي تلقيتها من كل المخرجين الذين عملت معهم، إلاّ أنّ استسهال اختيار الممثلين والممثلات من قبل المخرجين عموماً هو ما جعلني أنقطع تلك الفترة، بمعنى أنّهم يختارون من الموجودين على الساحة سواء ناسبتهم الشخصيّة التي عليهم أن يؤدوها أم لا«.
ترفض ذبيان أن يقرأ كلامها بأنّه نقد لـ»الشلليّة« في الوسط الفنّي، فهي مع الفكرة »إذا كانت الشلّة تعمل وتنتج شيئاً جيداً«، لكنّ سؤالها عن مكمن المشكلة يعيدها إلى جوابها السابق وإن بشكل آخر: »هناك أشخاص أو بنات لديهنّ ٢٠ فرصة في حين لا تتوفر فرصة واحدة لغيرهن، وغيابي عن العمل الدرامي يأتي من أن لا أحد يسأل عنّي، فما من أحد يجازف في اختيار وجه غائب عن الشاشة، ومن جهتي ليس شغلي هو أن أبحث عن شغل!«.
يتقاطع حديث الفنان إسماعيل مدّاح في الكثير من النقاط مع كلام ذبيان، فالشاب الذي عمل كمساعد مخرج وقدّم أدواراً في عدد من المسلسلات الدراميّة تعتبر »ناجحة«، يتوّجه بنقده أوّلاً إلى شركات الإنتاج التي »لا تغامر أبداً بوجوه جديدة«. وحين تسأله عن دور تلك الشركات في اختيار الممثلين، كون هذا الأمر من مهمات المخرج، يجيب بأنّ العديد من هؤلاء هم من الصنف الكسول: »بمعنى أنهم أوّلاً لا يجرؤون على التعامل مع وجوه شابّة، لكنهم من ناحيّة أخرى لا يريدون بذل أي جهد في صقل موهبة وجه جديد، أو التعب على موهبة شابّة، وبالتالي يسندون الأدوار لأسماء هامة تسويقيّاً«.
لكن، هل مهمّة المخرج هي صقل المواهب الشابّة أيضاً؟ سؤال كهذا يثير الـ»طبعاً« لدى مداح، و»طبعاً« من النوع القوي والواثق جداً. يقول: »من واجب المخرج اعتماد آلية تطعيم مستمرة لـ »الكاست« الذي يعمل معه، وإلاّ فإن العديد من الممثلين سيتحولون إلى شخصيات مكررة جداً أي نفس »الكاركتير« ونفس الدور ونفس الأداء«.
يبدو موقف الفنان سلوم حداد أكثر وضوحاً من مسألة »الشلليّة«، من خلال نقده العنيف لنقادها من منسيّي الدراما السوريّة، إذ يلفت الى »أن هذا النقد لا يصدر إلاّ عن أشخاص غير موهوبين، ويجدون في نقد الشللّية مبرراً لعدم عملهم في المجال الذي اختاروا الدراسة فيه«. ويعتبر أن وجود هؤلاء تقف خلفه آليات الدخول إلى المعهد العالي والتي كانت معتمدة سابقاً، وهي باختصار: »المعارف والواسطة«.
مسألة تطعيم العمل الفنّي بعناصر شابّة يضعها المخرج الشاب المثنى صبح في إطار أوسع. فهو يحاول، كما يشير، أن يعمل ضمن شروط الصناعة التلفزيونيّة، الأمر الذي يتطلب برأيه: »استقطاب عدد من الأسماء الهامّة والنجوم، لكنّ ذلك لا يلغي ضرورة إدخال وجوه جديدة إلى العمل الفنّي«. وعند سؤاله عن التعارض بين ظاهرة »الشلليّة« والتطعيم الذي يتحدّث عنه، يقول: »الشلليّة ليست ظاهرة مرضيّة أوّلاً، فأنا كمخرج أحب أن أعمل مع من أحب أداءهم، مع أني قد لا أحب شخصياتهم في الحياة، لكنني أحاول أن أوفّق بين هذه المجموعة، وبين مسألة إدخال وجوه جديدة«. وبعد سؤال عن إمكانيّة أن تكون »المجموعة المفضّلة« صالحة لكل السيناريوهات المقدّمة له كمخرج، يجد صبح الحل في كلمة »التوازن« بين استقطاب الشاب والاعتماد على المخضرم.
محمد دحنون
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد