مسرحية (القبطان كركوز): سفينة الخراب التي تبحر في (شرق المتوسط)
لم يشأ المخرج المسرحي السوري زكي كورديللو أن يبقي (كركوز وعيواظ) حبيسي الشاشة المضاءة، تتلاعب فيهما أيادي مخفية في كواليس المسرح المعتمة، فبعد عروض عديدة في مسرح خيال الظل (كورديللو المختص الوحيد فيه الآن) أطلق المخرج الثنائي (كركوز- عيواظ) إلى آفاق أخرى لينقلا لنا ماذا يحدث (الآن وهنا وهنالك)...
في عمق الخشبة تتوضع شاشة كبيرة، وعلى الجانبين شاشتين صغيرتين، وفي الوسط فراغ مسرحي هو فضاء لحركة الممثل مع بضع قطع (كراسي كنبة..) تستكمل عمل الممثل وحركته.
تنطلق المسرحية من حوار (خيال ظل) لكركوز وعيواظ على جانبي الخشبة، فعيواظ يحتج على تحكم الأيدي بهما وأسرهما خلف الشاشة، لقد ضاقا ذرعاً بعصي المخرج المتحكمة بحركتهما وكلامهما، كركوز –عيواظ تاقا للحرية، يخرج الاثنان منتفضين من شاشتهما إلى (حرية) مفترضة، فإذ بهما محاطان بجدران وسقف (أسر جديد) والحرية الوحيدة المتاحة هي حرية الحركة..
يدخل بطلا خيال الظل في حديث سياسي كوميدي عن الأحزاب والديمقراطية وحرية التنقل بين الأحزاب التي تنتجها الديمقراطية، الحديث يجري بأسلوب ساخر (حوارا وحركة) مع محاولة التمويه على الحديث (الخطير)...
استيراد سفينة الديمقراطية!
بدخول المدير العام ننتقل إلى مستوى آخر من العرض (مدير مكرش ودلائل الفساد ظاهرة عليه)، فهو مهموم باستيراد سفينة للبلد ويناقش الأمر مع عيواظ ...يسأل المدير العام عيواظ ما هو أهم شيء للسفينة المزمع استيرادها (يجيب عيواظ بكوميدية البحر ثم القبطان..) يخرسه المدير: أهم شيء : اسم السفينة وأوراقها .....
يطلق المدير (السلطة) اسم الديمقراطية على السفينة المستوردة في إيحاء لمحاولات البعض (سلطات ومعارضات) استقدامها من الخارج، فتبدأ رحلة البحث عن كوادر للسفينة المستردة من بلاد مفترضة ..
اختيار الكادر تحدده لوحتين على يمين الخشبة ويسارها الأولى تحدد الأشخاص القادرين على فرض موظفين (أبو نسوان- أبو فجعان- أبو ضربان- أبو فلان..) وعلى الجهة الأخرى أسعار الوظائف في السفينة لكن السعر يتحدد بـ(الغيغا بايت) وليس بالعملات كنوع من السخرية والتواري!، وفي سياق مسابقة اختيار موظفي السفينة (حسب الواسطة) نرى على شاشة العمق لوحات الفنان الكبير علي فرزات حيث يتناغم عرضها مع المشاهد في مقدمة الخشبة، وأغلب اللوحات المنتقاة تركز على الكراسي والمدراء والفقراء (الفساد)، تنتهي عملية اختيار الكادر (كلهم حسب الواسطة) في حين يتم رفض قبطان متخرج من بريطانيا ولديه شهادات خبرة من شركات ملاحة كبيرة..!
مفاوضات!
السفينة المشتراة (الديمقراطية) مهترئة من كثرة الحروب التي شاركت بها (احتلال لبنان – العراق....)وهي حسب كركوز (مرقعة متل تياب عتالة سوق الهال)، لكنه يجبر على شراءها بموجب العقد الموقع بين الجانبين ولا مجال للتنصل من الصفقة،
تبحر السفينة بعد عذاب وجهد في تشغيلها إلى الشرق مع كل الخراب الذي في داخلها مترافقة مع لوحات علي فرزات (البحرية) ....
في العرض هناك محاولة للربط بين خرابين (داخلي وخارجي) فسفينة (الديمقراطية المهترئة) ما كانت لتبحر إلى المنطقة لولا الفساد الذي يأتي كالجراد على كل شيء، فالمدير ذو الجيب المنتفخ والمترجم (المتأتيء) والقبطان الجاهل الذي يدوخ من رؤية البحر.... لا يمكن أن يأتوا إلا بما يهدد وجودنا من (الخارج)...
لعبت مجموعة العرض لعبة التشويق في المسرحية رغم مباشرية الطرح (السياسي) ونجحت بذلك باستخدام إيقاع سريع مع مشاهد مكثفة جعلت المشاهد منشدا إلى العرض، فالتنوع والتداخل بين مشاهد خيال الظل ولوحات (الإسقاط الضوئي) والمشاهد التمثيلية أوهمنا بتعدد الفنون المستخدمة بذكاء في (القبطان كركوز) وخاصة الاستخدام المتقن لعنصر الإضاءة والتنويع فيه (اللون- التركيز والتلاشي- الإبهار – التناغم بين الإضاءة وحركة الممثل السريعة..)
نجاح العرض (القبطان كركوز) وراءه الإعداد الجيد لنص عزيز نيسن العميق والذي قام به الزميل (بسام سفر) خريج المعهد العالي للفنون المسرحية، والإضاءة المميزة للعرض والتي صممها الفنان ماهر هربش (أحد أهم ضمانات العروض الناجحة) و الممثل الخفيف الظل الذي تناغم مع مخرج مجتهد أصر على نمط مسرحي يكاد يندثر (خيال الظل)، فكان الممثل هنا عفويا متقنا لحواره وحركته منوعا في أدائه (بسام داوود- كامل نجمة- وجيه قيسية- وائل معوض- ديانا فاعور- ليلى بقدونس...).
المخرج زكي كورديللو في عرضه الجديد الذي أنضج تجربته المسرحية على نار هادئة تجاوز بعض عثراته المسرحية السابقة، وقدم لنا عرضا متقنا متكامل العناصر تناول موضوعا سياسيا مباشرا إلى حد ما باستخدام فني مختلف مستفيدا من فن الكاريكاتور كتكثيف فني لمشاهد العرض ومن فن خيال الظل والسينما .....
(القبطان كركوز) عرض أمتعنا فلم نندم على خروجنا من البيت لمتابعته كما تفعل بنا بعض العروض الأخرى...
(العرض يقدم الآن على خشبة مسرح القباني طوال شهر تشرين الأول)
بطاقة العرض
الإنتاج: مديرية المسارح والموسيقا- النص: عزيز نيسن- الإعداد: بسام سفر وهو أيضا المخرج المساعد
الإخراج: زكي كورديللو- الإضاءة: ماهر هربش- الديكور: الفنانة ريم الخطيب- الموسيقا: سامر الفقير- الملابس: عتاب حريب- المكياج: سلوى حنا- تنفيذ الصوت: بسام حميدي- تنفيذ الإضاءة: شادي ريا- فوتوغراف: أنور أندراوس- تنفيذ الديكور: إبراهيم مؤمنة- مدير منصة: خالد دالاتي – تصميم الإعلان: عماد جلول..
الممثلون: بسام داوود- كامل نجمة- وجيه قيسية- وائل معوض- ديانا فاعور- ليلى بقدونس- عبد الرحمن البكور- عماد سليمان- مهيار كوديللو- تحريك دمى: وصال سرحان ورنا صعب.
أحمد الخليل
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد