هل انتهى عصر قنوات الدراما المشفّرة؟
تبدو صورة الدراما السورية اليوم ناقصة، فهناك أعمال هامّة تُنتَج، لكنها محكومة بالعرض المشفّر المتاح لعدد محدود من المشاهدين المشتركين. وكان الفنان أيمن رضا قد علّق على ذلك مازحاً، بأنه لا يفهم أن يُبَثَّ عمل مُشفّر يشارك فيه، إلا إذا كان عملاً إباحياً! هذه المسلسلات لم تحظ بنسبة محدودة من المتابعة الجماهيرية فحسب، بل لم تنل ما تستحقه من اهتمام نقدي، وخسرنا جهود كتّاب ومخرجين كدنا نشعر بأنهم غائبون عن الساحة. ويضاعف من خطورة هذه الحالة أن هذه المسلسلات لا يُعاد بثها على محطات أخرى بعد العرض الأول الحصري على المحطة المشفرة التابعة للشبكة المنتجة للعمل. ولعل شبكة «أوربت» المشفرة التي انطلقت أخيراً في عالم الإنتاج الدرامي، خير دليل على ذلك. في العام الماضي، قدمت القناة مسلسلات حصرية كـ«الحصرم الشامي» الجزء الأول. وحتى الآن، لم يعرض العمل أرضياً، وخصوصاً مع عدم موافقة التلفزيون السوري على بثه. علماً بأن قنوات الشاشة السورية الرسمية بثّت في الموسم المنصرم عملين «لأوربت»، هما «فجر آخر» و«زمن الخوف». أما في رمضان 2008، فقد قدمت «أوربت» المسلسل البيئي «أولاد القيمرية» الجزء الأول، و«الحصرم الشامي» الجزء الثاني، وسلسلة «أناشيد المطر». وبينما لم تعرض أي من هذه الأعمال على المحطات السورية، لم تنتظر قناة «س» التابعة لـ«أوربت» طويلاً، حتى عرضت الجزء الثاني من «أولاد القيمرية» بعد رمضان بأيام (يومياً 16:30).
فماذا يقول نجوم هذه المسلسلات وصنّاعها عن الحصرية؟ وما هي الوسائل التي قد تتبعها «أوربت»، حتى تضمن نسبة مشاهدة أكبر للمسلسلات التي تتكلف عليها، والتي تقدم مادة درامية جيدة؟
الكاتب فؤاد حميرة، صاحب أعمال مميزة كـ«غزلان في غابة الذئاب» ومؤلف «الحصرم الشامي» بجزءيه، يبدو الحالة الأشد مفارقة. فبعد السمعة التي حققها بفضل «غزلان في غابة الذئاب»، مُنع الجزء الأول من «الحصرم الشامي» من العرض أرضياً في سوريا. كما لم يُعرض مسلسله «ممرات ضيقة» حتى الآن، وهو العمل المتوقع أن يُبَثّ مطلع العام المقبل على قناة «أبو ظبي» بعد بيع LBC (التي اشترت العمل) حقوق عرضه للمحطة الخليجية. وكان حميرة قد أعلن قبل مدة نيته عدم الاستمرار مع «أوربت»، لكنه عاد ليعلن عدوله عن رأيه وقراره بالاستمرار في التعاون مع الشبكة. وهو يعتقد أن «التشفير» سلاح ذو حدين، إذ إنه يصنع ضجة للعمل قبل مشاهدته علناً، ويُسهم في صناعة الاسم. في المقابل، يرى فؤاد حميرة أن السمعة والنجاح يأتيان متأخران، لأن الكادر الفني للعمل يأمل أن يرى ردود الأفعال مباشرة. ويلفت إلى أن مسلسله «الحصرم الشامي» الجزء الثاني نال 76 في المئة من نسبة المشاهدة على قنوات «أوربت». لكنه يرى أن «كل المحطات المشفرة ستصبح مفتوحة، لأن هذه السياسة أثبتت أنها غير ناجحة». ويعزو ذلك إلى ظروف اقتصادية وثقافية، فالناس لا يدفعون كي يشاهدوا. وحميرة الذي يعمل على مسلسل بعنوان «النوارس» ستخرجه رشا شربتجي، لا يعتقد أنه غائب، ومسلسلاته تشاهد عبر الأقراص المدمجة (DVD)، وإن كان ذلك يتناقض مع حقوق الملكية الفكرية، فهذه الأقراص مقرصنة عن التلفزيون، وهي تباع بكثرة في أسواق دمشق. أما المخرج هيثم حقي الذي يدير شركة Reelfilms للإنتاج، التابعة لشبكة «أوربت»، فقد شدّد على تاريخ انطلاق قناة مفتوحة خاصة بالمسلسلات في 7 كانون الثاني (يناير) 2009، بعدما كان منتظراً أن تنطلق في أيلول (سبتمبر) الماضي. وأشار إلى أن مسلسلات شركة «ريل فيلم»، ستباع إلى محطات أخرى كـmbc و«روتانا خليجية»، وستعرض على هذه الفضائيات قريباً.
أما الفنان الكبير رفيق سبيعي الذي شارك في «الحصرم الشامي» و«أولاد القيمرية» فيقرّ بأن «التشفير حق، ولو كان الفنان يعاني ويدفع ثمناً معنوياً. ذلك أن الشركة تدفع الملايين، من أجل مشاهد يدفع. لكن، لا بدَّ في النهاية، من عرض هذه الأعمال على قنوات أخرى». وبمعزل عن صحة ما تردد عن نية نجله المخرج سيف الدين سبيعي إيقاف تعاونه مع «أوربت» إن استمرت سياسة التشفير والعرض الحصري، فإن جهود هذا الشاب الذي أظهر تطوراً كبيراً في «أولاد القميرية» و«الحصرم الشامي» و«مطر الربيع» حتى صار أبرز مخرجي «أوربت»، ستكون مهددة بعدم نيل التقدير الذي تستحقه. وهذا الغياب أو شبه الغياب، لم يلحق بالمخرجين والكتّاب فحسب، بل أثر على فنانين ونجمات، كأمل عرفة ويارا صبري، اللتين شاركتا في بعض هذه الأعمال. والابتعاد يعني أن يأتي من يملأ الساحة، فيما يخسر الفنان مراحل إضافية من مراكمة الحضور، في وسط فني يعج بالوجوه، ويتسم بمنافسة شرسة لا ترحم.
الأجزاء الثانية
قراءة تاريخ دمشق
بين الفترة التاريخية التي يعالجها «الحصرم الشامي» 1 و«الحصرم الشامي» 2 (كتابة فؤاد حميرة وإخراج سيف الدين سبيعي)، ما يزيد على نصف قرن بين أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر. وإذا كان العمل يقدم رؤية غير تقليدية للبيئة الشامية، بعيداً من السياحة والوعظ الأخلاقي، ويعرض للتاريخ بكل ضراوته... إلا أن بين الجزءين خط ناظم يحافظ على أنماط شخصية، وإن حملت أسماء مختلفة كل مرة: فعباس النوري هو الآغا في العملين، وفارس الحلو يستمر مع مواصفات اتسمت بها الشخصية، من «الفستقي» في الجزء الأول إلى «الماوردي» في الثاني، الرجل القوي والطيب الذي يقف إلى جانب المظلومين، والعملاق الساذج الذي لا يخشى شيئاً. والمبغى حاضر في الجزءين مع ممثلين مختلفين، من عبد المنعم عمايري ورنا أبيض وكاريس بشار في الجزء الأول إلى فؤاد حميرة ومانيا نبواني وسوسن ميخائيل وميرنا شلفون في الجزء الثاني. إلا أنه يلحظ في الجزء الثاني الحضور الصريح لشخصيات مسيحية أساسية كأبي عيد (خالد تاجا). لكنّه يذكرنا بأبي حبسة في الجزء الأول، الرجل الضعيف والمغلوب على أمره.
أما بالنسبة إلى مسلسل «أولاد القيمرية»، فهو عمل يحمل اسم حيٍّ من الأحياء الدمشقية القديمة، من تأليف عنود خالد، سيناريو عباس النوري وحافظ قرقوط، وإخراج سيف الدين سبيعي. هنا، يصرّ هذا المسلسل الذي تدور أحداثه في أواخر العهد العثماني على توثيق أحداثه، من خلال إضاءته على النظام الإداري الذي كان قائماً. كذلك يرسم صورة لموظف نزيه يحارب الفساد، ويعرّج على تعليم المرأة. والجزء الثاني الذي يعرض حالياً، تعود فيه قمر، زوجة البطل، وابنها باسمين جديدين لبدء رحلة كشف أسرار مقتل زوجها. العمل الذي ينتمي أيضاً إلى الحارة الشامية، يشارك في بطولته، مجموعة من الفنانين السوريين، بينهم عباس النوري وأمل عرفة ويارا صبري وسلافة معمار وأيمن رضا ورفيق سبيعي وقيس الشيخ نجيب.
منار ديب
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد