كـارمـن..الروح الغجرية المتمردة والرقص الإسانب الفاتن
الموت مقابل الحرية هذا هو العنوان العريض لباليه كارمن الذي نجح في شد القلوب والعقول فأمتع الحاضرين وحاز تصفيقهم وإعجابهم.
وقد جمع العرض الذي قدم على خشبة مسرح الأوبرا مساء أمس الأول في إطار فعاليات الأمانة العامة لاحتفالية دمشق بين الرقص المعبر والموسيقا الرائعة في تناغم لا مثيل له.
تدور أحداث القصة حول فتاة غجرية كارمن تقوم بإغواء العريف جوزيه الأمر الذي يجرح شعور ميكائيللا صديقة طفولته فينشب عراك بين الفتاتين فيأمر الضابط العريف جوزيه بسجن كارمن.
وفي الطريق تغويه فيحررها من السجن فيجرد من رتبته ثم يهيم بها ويهرب ليتحول إلى فار ويصارع الضابط زونيغا فيقتل قائده ويتحول إلى مجرم وعندما يظهر زوجها غارسيا يقتله أيضاً ويهم بقتل مصارع الثيران اسكاميو لكن كارمن تمنع جوزيه من ذلك لخوفها على مصارع الثيران الذي أحبته.
وحين يموت اسكاميو في الحلبة يتملكها الشغف والعنف لكنها تواجه مصيرها وترضخ لرغبات جوزيه الذي تحول إلى شخص موتور وتنقاد معه وهي تعلم أنها ذاهبة لمواجهة الموت.
كانت كارمن تصارع لإرساء حريتها الشخصية ومن خلال هذا الصراع عولجت القصة لتقدم برؤية داخلية ممتعة بصرياً وتشكيلياً..رقص وغناء وتصفيق على إيقاع الفلامنكو..نساء بملابس جذابة الألوان..رجال مع آلاتهم الموسيقية المشدودة إلى الصدور كان الجميع كتلة واحدة لا تنفصل.
وقد استطاع كل من أنطونيو غاديس وكارلوس ساورا من خلال الرقص تجسيد الحيوية ونزق الغجر وجرأتهم وحدة حركاتهم وتعلقهم الجارف بالحياة، وكثيراً ما اعتمدا على العلامات المرئية المبهرة مثل تكوينات وألوان الإضاءة وتصميمات الملابس مع تواصل صخب الخطوات ورقصة الفلامنكو الصارخة حتى الرقصات التي يخطو بها الراقصون في إيقاعها الظاهري كانت تفيض بالاندفاع ونداء الحياة وتهيج العواطف فمثلاً نجد صراع كارمن مع زميلاتها كان بين طرفين متقاربي القوة لكن انتصار كارمن يرجع إلى تميزها بين قريناتها ومفهومها عن الحرية فهي لا ترضى بركود الحياة وإلا فستفقد هويتها ولن تصبح كارمن الحقيقية.
أما المعالجة الداخلية للعرض فقد تخلت عن الكثير من الأحداث وسادت لغة مع الحفاظ على لحظات المواجهات بين الشخصيات في ثنائيات متماسكة.. فشاهدنا ثنائيات كارمن وحبيبها -كارمن وغريمتها- كارمن ومصارع الثيران ثم المواجهة الدامية الأخيرة بين كارمن والحبيب المجروح.
التوظيف والاستفادة من كل شيء كانت السمة الأبرز للعرض من حركات الأصابع والإيماء والملابس الممتلئة بالألوان كل ذلك عبر بشكل رائع عن الحالات والخفايا كفستان كارمن ذي اللون الأحمر الناري الذي جاء متناسباً مع الأحداث الذي تعيشها الشخصية.
وقد استطاعت الممثلة التي أدت دور كارمن بحرفية عالية تجسيد روح كارمن الثائرة التي تتوق للحرية بكل متناقضاتها وتفاعلت مع الأحداث بلغة الجسد كما امتلك الراقص الذي جسد شخصية حبيب كارمن المقدرة نفسها على التعبير بانفعالاته البادية على وجهه ورقصه بالمختصر كانت خشبة المسرح عالماً متكاملاً للعرض واتسعت لتجمع عالمين متقابلين تمثلهما مجموعتان متضادتان في الأفكار والرؤى وهذا ما تجسد من خلال التباري بالرقص والتصفيق والغناء والإضاءة المستقلة لكن كارمن بقيت دائماً النور المتصل الذي يجمع الممثلين والحاضرين.
يذكر أن قصة باليه كارمن مأخوذة عن العمل الأدبي الفرنسي كارمن للروائي بروسبير ميريميه والمؤلف الموسيقي الفرنسي جورج بيزيه وفي عام 1983 أعاد المؤلف الإسباني كارلوس سورا كتابة رواية كارمن وتقديمها في فيلم سينمائي، حيث قام أنطونيو غاديس بتصميم الرقصات وقد دفع النجاح الكبير الذي حققه الفيلم إلى تحويل هذه الرواية لعمل باليه مسرحي.
ومن المعروف أن أنطونيو غاديس يعد من أشهر مصممي الرقصات في العالم وله شهرة في الرقص الإسباني فقبل وفاته بأعوام قليلة أسس مؤسسة فنية تحمل اسمه لتخليد تاريخه وكان من أهم إنجازاتها إنشاء فرقة رقص تحمل اسم أنطونيو لتقديم أعماله مثل دماء في ليلة الزفاف كارمن حب الساحر.
باهل قدار
المصدر: سانا
إضافة تعليق جديد