(وثائق سورية): خطاب الجنرال ديغول بعيد إعلان استقلال سورية
(إذا كان لابد من براهين على الصداقة التي تربط سورية بفرنسا مع بعضهما لم تتأثر في الأحداث المرهقة الأخيرة، بل لابد من براهين على الصداقة التي تربط سورية بفرنسا مع بعضهما لم تتأثر في الأحداث المرهقة الأخيرة، بل أن هذه الصداقة خرجت أكثر حياة واشد قوة من كل وقت وجدت فيه فإن الاستقبال الرائع الذي حفتني به أمس عاصمتكم الفخمة النبيلة مع وجود حكومتكم اليوم محاطة بهذا النفر الكريم من الشخصيات الرفيعة يقدمان البراهين الناصعة على ذلك.
ويطهر لي أن اتفاقاً واضحاً كهذا بالشعور وبالعزائم بين سورية وفرنسا ناتج قبل كل شيء عن أن تفهماً قد ازداد تأكيداً وجلاء في هذه العاصمة التي تجتاح العالم والتي شعرتم مؤخراً في بلادكم بذيولها المؤلمة.
لقد فهمنا جيداً نحن الفرنسيون بأن بيعة هذه الحرب المستعرة في سبيل الحرية والتطور الذي يطرد تقدماً فيها جعلا من العدل بل من الضروري أن ينشأ نظام جديد لكم في بلادكم السورية وقد رأينا بأن الوقت قد حان لفرنسة بأن تضع الاتفاق معكم نهاية للانتداب وتتفاوض وإياكم في الشروط التي ستتحقق ضمنها سيادتكم التامة واستقلالكم الناجز.
لاحظتم أنتم السوريون بأن تبدلات الأشخاص التي جرت على مشهد منكم في هذه البلاد لم تغير استمرار فرنسا في البقاء وتبين لكم أن هزيمة عسكرية مؤقتة لن تمنع فرنسا أن تقبض على ناصية الحال مرة أخرى في تاريخها سواء كان من جهة الانتعاش الروحي أو من جهة تحسين موقفها العسكري.
لا أعتقد أيها السادة بأنه يوجد شعبان كانا في وقت من الأوقات قريبين الواحد من الآخر كما هما عليه شعبانا اليوم، أو أنه يوجد شعبان يتيسر لهما معالجة أمورهما سوية وتنظيم تعاونهما بسهولة أدبية أكثر من التي تجدها اليوم سورية الحرة التي تمثلونها انتم وفرنسة الحرة التي نمثلها نحن.
ولا أظن بأن الأحداث كانت في زمن من الأزمان ملحة علينا لتضافر عزائمنا وأعمالنا كما هي ملحة الآن، لأننا في حالة حرب وعلى نتيجة هذه الحرب معلقة حرية وحياة جميع الشعوب بما فيها شعبكم وشعبنا.
وإذا أصبح من المبتدذل القول أن الصراع الحالي هو صراع عالمي وأخلاقي فذلك لأن هذا القول هو الصواب بل عين الصواب فالملحمة الجبارة القائمة الآن بين الحرية والظلم لا تقبل من حدود سوى حدود الكرة الأرضية ولا تقبل من خاتمة غير الظفر التام لأحد الطرفين المتحاربين.
هذا وإنه ليهدد سورية في حريتها كما يهدد كل دولة من الدول هؤلاء الذين انصرفوا بعزيمتهم لتهديد حرية الغير رغبة منهم في إقامة نظام مبني على القوة والإفساد والاستثمار وما هذا النظام إلا شكل جديد للعبودية، ففرنسا أيها السادة ستحول دون ذلك متحدة معكم، كما تحتم عليها واجباتها وسنصل إلى هذه الغاية بفضل القوى التي نملكها في هذه البلاد والقوى التي ستحصل عليها في المستقبل مشتركة في العمل مع حلفائها البريطانيين البواسل الذين لم يدخلوا.
ويسرني أن اذكر في هذا الصدد تصريحات حكومة لندن والعهود الشريفة النبيلة التي قطعتها، والتي أكدت بريطانيا العظمى تجردها التام من كل مطمع سياسي في سورية ولبنان وعزمها على احترام مركز فرنسا احتراماً تاماً، هذا وإني لست واثقاً من أن هذا العهد مع ما فيه من تأكيد حاسم يكفي لوضع حد لدعاية العدو أو للأحاديث غير المجدية التي يتبادلها البعض أحياناً هنا وهناك، ولكني واثق من أن اتحاد انكلترة وفرنسا التام فيما يتعلق بوجود جيوشهما وعملهما المشترك في بلاد الشرق سيساعد على تقوية هذا التأكيد الذي تشعر به سورية ولبنان بالاحتفاظ بحريتهما وتمام كيانهما القومي ضمن حدود بلادهما التي تمتد من دجلة إلى البحر المتوسط ومن تخوم شرقي الأردن إلى تخوم تركيا، لا أنكر أيها السادة أن هذه الحرب ستكون مديدة الأجل مفجعة الحوادث بيد أنه يمكننا أن نلاحظ من الآن الناحية التي بدأت ترجح إليها كفة القوة أو بالحري كفة القدر.
فأمام الإمبراطورية البريطانية التي تزداد تسلحاً وعزماً إلى درجة لم يسبق لها مثيل.
وأمام أميركة التي أعدت للنضال مرافق ثروتها التي لا تنضب.
وأمام روسية التي تنزل بالعدو في هذا الوقت أكبر خسارات أنزلت به حتى الآن.
وأمام الشرق الذي رأى انهيار إمبراطورية موسوليني ذلك الشرق الذي يشعر اليوم بأن قوة
إبيرة تحميه.
وأمام فرنسا التي تستعيد قواها العسكرية والأدبية يوماً بعد يوم.
وأمام ذلك العدو الكبير من الأمم الأوربية المجتاحة أراضيها مؤقتاً والتي ما انفكت تحافظ على
روح المقاومة محافظة تامة.
فأمام كل هذه القوى لابد للعدو من أن يخفق في أمله بالنصر إذا لم يكن قد أخفق في هذا الأمل الساعة التي أكلمكم فيها الآن، ذلك نصيب العدو أما نصيب خصمه هو الذي يمثل أنصار الحرية وقد بدت أماه طلائع النصر بكاملها في أفق القدر.
أيها السادة: إن شمس النصر ستكون شمس السلام ذلك السلام الذي سيجعل في استطاعة كل شعب وكل رجل في العالم أن يعيش متمتعاً بالحرية متمتعاً بالطمأنينة، إن فرنسا وسورية المتحدتين اتحاداً تاماً واللتين تعملان على خدمة مثل أعلى واحد في اليوم الذي توقعان فيه المعاهدات التي سيوضع معها حد لأكبر فاجعة عرفها التاريخ، سيظهر لهما بأن تحالفهما الوثيق وصداقتهما الخالدة كانت في عداد الفوائد التي جنيت من المصائب التي جرتها الحرب.
دمشق في30 تموز 1941م.
الجنرال ديغول
المصدر: سورية، التحدي والمواجهة، وليد المعلم.
الجمل- إعداد: سليمان عبد النبي
إضافة تعليق جديد