الفنانون السوريون مواهب لا تنال حقوقها
على الرغم من التضخم المالي الذي طال معظم مصادر الحياة في سوريا، إلا أن مبلغ مليون ليرة سورية ـ ما يعادل خمسين ألف دولار أميركي ـ ما زال له وقعه في الخيال، رغم تراجع مفعوله وقلة بركته وتدني فاعليته.
وفي الوسط الفني السوري عندما دخل رقم المليون في أجور الفنانين والفنانات، صاحبته ضجة كبيرة وقد اتهم بعض المنتجين المحليين والمنتج الرسمي التلفزيون السوري الفنانين أصحاب الصف الأول بأنهم يبالغون في رفع مستوى أجورهم، والتي جاءت بقفزة من 500 ألف ليرة إلى مليون دفعة واحدة وكان هذا منتصف التسعينات من القرن الماضي، حينها كان هذا الرقم يعطى لأسعد فضة وأيمن زيدان ومنى واصف، وغيرهم من نجوم الصف الأول.ويضحك جمال سليمان من المبلغ الذي تقاضاه عن بطولة كاملة لمسلسل (هجرة القلوب إلى القلوب) نهاية الثمانينات، مؤكدا أنه كان 50 ألف ليرة سورية فقط لا غير، حصل عليها بعد الانتهاء من تصوير ثلاثين حلقة درامية رمضانية، مؤكدا عدم عدالة الأجور التي يتقاضاها الفنانون بمختلف درجاتهم في سوريا .
وقد زاد أجر جمال مثلا ليصل إلى مليون ونصف جنيه مصري عن مشاركته في الأعمال المصرية، وهو ما يصل إلى 12 مليون ليرة سورية، وهو فعليا أغلى أجر لفنان سوري، ويحكى أن فراس إبراهيم تقاضى أجرا عاليا عن العمل الجديد الذي يصوره بإدارة المخرج مجدي أبو عميره من بطولته مع صفاء أبو السعود.
وإذا كانت الدراما التلفزيونية السورية قد حققت حضورا عربيا هاما، فإن المبالغ والأجور التي تدفع للفنانين السوريين تعتبر الأضعف قياسا بالدراما المصرية والخليجية، بل والأردنية واللبنانية، على الرغم من المرتبة المتأخرة في مجال التسويق والبيع للأخيرتين، وكل هذا يعود إلى سياسات إنتاجية شحيحة، وإلى ضعف في الثقافة الإنتاجية والتسويقية، التي يفترض أن تتزامن مع تلك النهضة التي تشهدها الساحة العربية في جميع المجالات وخصوصا في مجال التسويق الفني الذي نحن بصدده.
ويعترف سلوم حداد، الذي تقاضى خمسة ملايين ليرة سورية عن حضوره كضيف شرف في مسلسل زهرة النرجس الموسم الماضي، بأن مسألة الأجور في الدراما السورية تخضع لاعتبارات كثيرة وكلها في النهاية نتيجة التخبط في شركات الإنتاج السورية، والتي تعتمد مبدأ الارتجال قولا وفعلا في تقييمها للآخرين.
وتؤكد سلاف فواخرجي أن الأجور في سوريا أقل من السمعة التي وصل إليها الفن والفنان السوري، ولكن أجواء التفاؤل واضحة في ظل زيادة الأجور من قبل بعض الشركات، غير أن المستقبل قد يحمل الأفضل.
وتشير لورا أبو أسعد أن التلفزيون الرسمي يجب أن يكون سباقا في إنصاف الفنانين السوريين ودعمهم وتحقيق الأفضل لهم، على اعتبار أنه الجهة الرسمية التي ترسي دعائم الإنتاج المحلي، وبالتالي فإن غياب الجهة المنظمة لهذا الأمر لا يمكن أن يتيح تحديد أجور حقيقية للفنانين.
وتضيف لورا في حديثها مع الحواس الخمس: أسمع أن هناك فنانين من الصف الثاني يتعبون مع المنتج من أجل رفع أجورهم قياسا بأجور الصف الأول، وثمة مشكلات كثيرة حول هذا الأمر لم يوجد لها حل، والسبب هو الارتجال في تحديد الأجور وعدم مصداقيتها.
وقاد بسام كوسا انقلابا جذريا في الساحة الفنية السورية، عندما طلب أجرا عن بطولة مسلسل (باب الحارة) الجزء الأول مبلغ مليوني ليرة سورية، وهذا ما جعل الكثير من المنتجين يتريثون قبل طلبه لأعمالهم الدرامية، ولكنه فرض نفسه وفرض أجره على الجميع، بل فرض أيضا زيادة وصلت لمئتين بالمئة قبل عام من الآن.
ويكاد الحديث عن انخفاض الأجور في الدراما السورية لا تغيب عن حوار أي من الفنانين السوريين، وصل حد تفكير البعض بالإضراب عن العمل حتى ساعة تعديل الأجور. لكن غياب التقاليد المهنية الواضحة في صناعة الدراما السورية، جعل الإضراب ضرباً من المستحيل على مبدأ (اللي يزعل لوحده، يرضى وحده)، وهو مبدأ لم يخف عدد كبير من الممثلين ضيقهم منه، مؤكداً أنه بلا شك يملك خيار الرفض أو القبول، لكن رفضه يعني جلوسه في البيت.
الحديث عن الأجور في الدراما السورية كان ضرورة تمليها ما حققته هذه الدراما على الساحة العربية، وبالتالي بات من حق صانعيها الحديث عن حق مادي يستحقونه، هو لن يعادل (من الجمل أذنه) إذا ما قيس الأمر بالأرباح التي تجنيها الفضائيات العربية من وراء الإعلان أثناء عرض هذه المسلسلات.
إلا أن إيفاء هذا الحق المادي اقتصر لاحقاً على أسماء بعينها، لطالما طالبت الفضائيات، (وخلفها شركات الإعلان بطبيعة الحال) بحضورها في الأعمال الدرامية بوصفها عنصرا الضمان لنجاح هذه الأعمال وسهولة تسويقها، الأمر الذي جعل إرضاء هذه الأسماء مادياً مسألة لن يجد منتجو الأعمال مفراً منه. ولأن المنتجون يريدون أكبر ربح ممكن، كان من الطبيعي أن تكون زيادة أجور بعض الفنانين على حساب بعضهم الآخر.
- يقول أحد النقاد السوريين، إن انتقال الدراما السورية من مرحلة الثبات إلى مرحلة التحول في بداية تسعينات القرن الماضي، لم يكن مدروسا وكانت ملامحه العامة ارتجالية، مما جعل الدراما تخسر الكثير من المزايا الأساسية، ومن بينها تفاوت حاد في مستوى الأجور التي تعتبر أساسا رخيصة وبسيطة وغير مجدية.
ولا شك أن مسألة أجور العاملين في الدراما التلفزيونية السورية على وجه التحديد جعلتها مثار بحث الكثير من الفنانين في المجالس الرسمية وغير الرسمية، دون أن يجدوا لها حلا مناسبا، ذلك أن التسعيرة يفرضها اسم النجم ومكانته ولا تفرضها نظم او تقاليد متعارف عليها في وسط لا تقاليد فيه، بل كل عمل يمضي بتقاليده الخاصة، وثمة كثيرون يدهشون من تلك الضجة التي رافقت الدراما السورية التي شبهها أحد الممثلين بالمطعم الذي يقدم طعاما جميلا لكل الزبائن، ولكن مطبخه يفتقد الكثير من الموظفين النظاميين.
ويبدو الحديث عن أجور الفنانين في سوريا التي تعتبر من أهم البلدان العربية المنتجة والمصدرة للدراما التلفزيونية، جديرا بأن يخصص له حيز في وسائل الإعلام لا سيما أن أعمالا كثيرة فقدت نجوما وأبطالا متميزين بسبب خلافات على الأجر، كما هو الحال في مسلسل (باب الحارة)، الذي يعتبر أحد أكثر الأعمال إشكالية في تحديد أجور العاملين فيه.
الشركات الخاصة لا ترغب أن توجد (تعريفة) لكبار النجوم فيها، والتلفزيون الرسمي هو الآخر غير قادر على وضع ضوابط لهذه الإشكالية، لان ميزانيته أصلا غير قادرة على الإيفاء بالأجور العالية التي يستحقها الفنان، وبعيده كل البعد عن الأسعار الحقيقية الممثل السوري، وما بين هذا وذاك تزدهر شركات الإنتاج.
وتنمو ويجد رجال الأعمال الذين دخلوا مجال الاستثمار في الدراما التلفزيونية، بعد أن وجدوا الباب مفتوحا على مصراعيه لفرض شروطهم واقتراحاتهم، ويبقى الفنان السوري بدءا من المرتبة الثانية وحتى الأخيرة مستهجنا من آلية توزيع الأجور على الفنانين، وفق معايير غير موجودة أساسا، وترانا في هذا الملف نسعى للوقوف عند هذه المشكلة، وعند غياب تقاليد المهنة في بلد يعتبر أحد أبرز من قدم تصورات واقتراحات فنية وفكرية في الدراما العربية، فإلى أين تمضي حالات الارتجال تلك في الصناعة التي تقدم الدراما السورية للعالم؟
- الهزة الثانية التي تعرضت لها الأجور في الدراما السورية كانت نتيجة الأزمة المالية العالمية التي أصابت قطاعات الفن أيضا في العالم العربي، مع انكفاء الأموال العربية المنتجة عن تمويل مسلسلات سورية، الأمر الذي ساهم في خلو الساحة لشركات الإنتاج السورية الكبيرة التي تعود تبعيتها لرجال أعمال.
والتي في الغالب لم تتأثر بالأزمة لعدم تأثر سوريا النسبي بالأزمة، وبدورها وجدت هذه الشركات بتفردها بالساحة فرصة لتخفيض أجور الفنيين في العمل، لنحو نصف تقريباً، في وقت ظلت أجور الفنانين-النجوم ـ على حالها مع العقود المبرمة بينهم وبين الشركات، لتبقى المبالغ التي يتقاضونها فعلاً سرا من أسرار هذه العقود.
الأجور في العموم لا تبدو عادلة إذا ما قيست بشكل الدراما التي يقدمها الفنان السوري، ومستوى الحضور الكبير الذي حققته هذه الدراما في الساحة العربية والعالمية أيضاً. وستبقى في الغالب دون المأمول منها ما دامت الدراما السورية تفتقر لمقومات الصناعة من تقاليد وضوابط ومعايير وخطط منهجية وسواها.
المصدر: البيان
إضافة تعليق جديد